الجمعة 10 مايو 2024

المجتمع لسه «صاحي»

مقالات31-1-2022 | 10:41

تتواصل حالة الجدل حول فيلم "أصحاب ولا أعز" وحملات الاغتيال المعنوي التي تمارس ضد صناعه - بعضها محق وبعضها راغب في اشتعال الحرائق لا أكثر- الذين يبدو أنهم عمدوا إلى خلق هذه الحالة من التناحر الاجتماعي حول قضية فيلمهم لا أعرف إن كان رغبة في ترويج مقصود أو سوء تقدير صادفهم فقد كان ممكنا أن يكون الالتفات إلى الفيلم أقل حدة وسخونة بدلا من الوصول إلى حد محاكمة صناعه أو شطب نجمته منى زكي من سجلات الممثلين.

وبعيدا عن محاكمة الفيلم وتقييمه فنيا وهي المحاكمة التي لم يعقدها النقاد الذين انشغلوا عنها بالتصدي للمحاكمة الشعبية التي لاقاها الفيلم وهنا هو جوهر الحقيقة ومكمن الخطورة حيث لم يتعامل الناس مع الفيلم  كعمل فني يمكن أن يصاحبه التوفيق والنجاح أو العكس من ذلك بل تكمن الخطورة إلى شعور المجتمع وهو يتلقى الفيلم على أنه محاولة لتغيير ما استقر عليه من قيم وآداب رافضا كل محاولات "أنسنت" الحرام والعيب التي يدسها البعض تحت عناوين الشجاعة في مواجهة المجتمع وجموده وان تلك القضايا يغض الطرف عنها ولا يجرؤ على مواجهتها على الرغم من أنها واقع في حياته.

وهو السؤال الذي يجب أن يجيبه صناع الفيلم أنفسهم وهو لماذا اعتبر الناس فيلمكم خروجا على الأعراف يجب التصدي له.. لماذا اعتبره كتلك الحملات الممنهجة التي تبرر للرذائل على أنها حماية للحرية الشخصية.. لماذا اعتبر المجتمع فيلمكم خروجا على تمسكه بدينه الذي يحظر عليه تلك المناطق الشائكة التي يعدها المجتمع أمراضا تستوجب العلاج لا الترويج والتبرير خاصة أن المصريين مسلمين ومسيحيين اتفقوا كما اتفقت مؤسساتهم الدينية على أن المثلية الجنسية حرام ورجس من عمل الشيطان ولا يمكن بأي حال من الأحوال إيجاد مساحة لها حتى تحت اعتبارات "حقوق الإنسان" وأن ما تقبله مجتمعات غير متدينة لا يمكن أن نقبله نحن.

أظن أن الإجابة عن تلك التساؤلات تبرر لماذا وضع المجتمع ذلك الفيلم موضع الاتهام والتشكك بل المقاومة والرد.

إن حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن مفهوم حقوق الإنسان وذلك التباين بين الرؤية المصرية لتلك الحقوق والرؤية الأوروبية والأمريكية وما ينشأ عن ذلك التباين من بعض الحملات التي تشن حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر هي ذات الغضبة التي دفعت المصريين أو غالبهم إلى مهاجمة الفيلم ورفضه حيث تجاهل صناع الفيلم الرؤية المصرية لمسألة المثلية والحرية الجنسية التي رصدها الفيلم وتعامل على أنها واقع معاش في حياتهم يجب مناقشته أو الاعتراف به فالمصري مسلما أو مسيحيا أو يهوديا يدرك من دينه أن من علامات الساعة أن يأتي عليه زمان  يكتفي فيه الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة وينظر إلى المنكر على أنه معروف وينظر إلى المنكر على أنه معروف المصري يدرك ذلك ومن أجل هذا لامس الفيلم منطقة خطرة في وجدانه.

وهو ما سقط فيه أيضا بيان نقيب الممثلين الذي تغافل عن لب الهجوم متسترا بحرية الفن فقد شخصن بيان النقابة رد الفعل ولم يحلله ولم يهدئ مخاوف المصريين من استهداف قيمهم المنظم والإصرار على فرض عولمة قميئة رفضوها مرارا على حياتهم.

فلم ينزعج المجتمع يوما من فن يرصد أوجاعهم ويظهر آمالهم والأمثلة على ذلك كثيرة لكن المجتمع ينزعج أيما انزعاج أمام من يحاول استغفاله باسم الفن وأن يكون الفن ممهدا لحملات قذرة تزدريه وتزدري ثوابته لتصفه بمجتمع النعامة التي تدس رأسها في الرمال حين تخاف.

إن غضبة المصريين من محتوى فيلم أصحاب ولا أعز غضبة تدلل على متانة تماسك المجتمع الذي يظن بعض أعدائه أنه غافل من الممكن أن يلتقم السم المدسوس وسط انشغاله بقوت يومه بل أظهر المجتمع مرة أخرى وعلى غير معاد أنه يرصد عن كثب أي محاولات لتغيير هويته كما حدث في الثلاثين من يونيو حين تصدى للهجمة العثمانلية بقيادة الإخوان وأذنابهم.. لذا بقي شيء واحد وهو أن يضبط صناع الفن بوصلتهم من جديد لتقديم ما ينسجم مع شخصية مصرية حرة أبية عصية أمام خبث الخبيثين وتبرير المنبطحين.

Dr.Radwa
Egypt Air