منذ سنوات اندلعت أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١م، وتابعها بشغف في البداية بعض من الشعب المصري، من المهتمين بقضايا الحقوق والحريات، وبعض الجمعيات أو المؤسسات من منظمات المجتمع المدني، التي تبين بعد ذلك مشاركتها في صناعة هذه الأحداث، وقد كانت المسألة محصورة وقتها في كون ما يحدث عبارة عن مجرد تظاهرات شبابية، تتبنى عدة مطالبات، تتعلق بضرورة عمل القيادة السياسية والدولة على دعم، وتعزيز، حرية الرأي والتعبير، والعيش الآمن، والكرامة الإنسانية، وكانت المئات من الشباب الموجودة في ميدان التحرير تحمل الورود والزهور، التي تتناغم مع مرحلتهم العمرية، باعتبارهم زهور شباب مصر الباحث عن العدل، والعدالة، وإعلاء شأن القيم الإنسانية، واحترام الإنسان أيا كان دينه، أو عقيدته، أو مذهبه، أو طائفته، وأن ينعم هؤلاء الشباب مثل غيرهم من الشباب في مختلف دول العالم بكافة الحقوق، التي تمكنهم من المشاركة في الحياة السياسية، وإدارة شئون البلاد!
ولا يمكن أن ننكر وطنية بعض الشباب المشاركين في تظاهرات ٢٥ يناير ٢٠١١م، وحرصهم على أمن واستقرار بلدهم، ولكن لم يعي بعض منهم المخططات التي كانت تحاك، والمؤامرات التي كان يتم تدبيرها ضد وحدة الوطن، وسلامة أراضيه، مما أدى إلى التشكيك في نوايا المشاركين في هذه المظاهرات، ولم يعترف كثير من الشعب بأنها ثورة نبيلة، تهدف إلى تدعيم وتعزيز المبادئ التي ترسخ من قيم المساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة، كأسس لا غنى عنها في حياة المصريين، حيث قد انقضت جماعة الإخوان المتأسلمين وأنصارهم من الحركات المتطرفة على ميدان التحرير، وخدعوا جموع الشباب المتواجدين في الميدان وغيرهم، مما أدى إلى وقوع الأغلبية فريسة سهلة في أيدي قادة هذه الجماعة، وبدأت على أرض الواقع سلسلة من الأحداث المصطنعة، بهدف زعزعة الاستقرار، وتهديد السلام الداخلي، ونشر الفوضى، والفتن، وانتهاك قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر!
وما تم داخل الميدان من إخراج صور وهمية تجمع بين هذا وذاك، بغض النظر عن الديانة، والطائفة، قد كانت بهدف تضليل الرأي العام ، وأن يستمر المؤيدين لجماعة الإخوان المتأسلمين في الزحف نحو الميدان، واستكمال مسيرتهم كالقطعان، سمعا وطاعة، دون نقاش، ودون السماح لأي رأي معارض أن تخرج كلماته، أو أن ينير بصيرة من ضللهم فكر هذه الجماعة!
نعم قد كانت هناك بعض الصور الحقيقية المضيئة، التي تعبر عن تلاحم الشعب المصري وتماسكه، والتي تؤكد بالفعل وجود ثورة حقيقية، تهدف إلى الإصلاح، ولكن ما حدث من اعتداءات خارجية على حدود الوطن، وما تم من اقتحام مدبر وممنهج للسجون، يدل على وجود المؤامرة الكبرى ضد مصر، وشعبها، وما حدث من وجود بعض القناصة فوق أسطح العمارات الملاصقة لميدان التحرير، يؤكد حجم التآمر ضد مصر، ونشر الرعب بين صفوف المواطنين!
ولقد هبت جماعة الإخوان المتأسلمين، وبعض الفضائيات المتآمرة معهم، في تغييب الوعي، وتزييف الحقائق، ولصق التهم جزافا بضباط وأفراد الشرطة المصرية، للعمل على كسرهم، كي تتمكن هذه الجماعة من الهيمنة والسيطرة على كافة أنحاء الداخل، دون وجود شرطي واحد يدافع عن أمن الوطن واستقراره، ولذلك لم يكن اختيار يوم ٢٥ يناير ٢٠١١م اعتباطا أو عشوائيا، ولكن قد كان مخططا لهذا اليوم بإحكام، وبتخطيط بين أجهزة بعض الدول، وبمعاونة من الداخل من خلال جماعة الإخوان المتأسلمين وأنصارهم، وغيرهم ممن تم تضليلهم، وخداعهم!
وبدلا من الاحتفال بعيد الشرطة الباسلة، في ذكرى تضحياتها ضد الاستعمار عام ١٩٥٢م، أخذت جماعة الإخوان المتأسلمين على عاتقها مهمة تشويه التاريخ كعادتها، ولم يكن ذلك غريبا عليهم، فمن حاول تشويه نصر السادس من أكتوبر المجيد، والتقليل من شأن أبطال النصر العظيم، يمكنه أن يشوه أي ذكرى عطرة، تحمل النسمات رغما عن خريف قد صنعه الأعداء، ليعيش الشعب المصري ربيعا مدى الحياة، يستنشق فيه هواء الحرية، ويتنفس فيه روائح الانتصار الخالد إلى الأبد!
فإذا كان ما حدث في ٢٥ يناير ٢٠١١م يتعلق بمطالب مشروعة تتعلق بالإصلاح، وترسيخ قيم الديمقراطية، إلا أن المتآمرين قد استطاعوا فرض أجندتهم الخاصة، بهدف تفكيك الدولة المصرية، والقضاء على مقوماتها، وليس بحثا عن حقوق، أو حريات، أو ديمقراطية في الحكم، فكل ذلك عبارة عن غطاء يخفي ورائه أجندة سوداء، لا تحمل لمصر أي خير، ولا ترغب إلا في نشر غيوم الشر في كل سماء مصر، لتأتي بحصاد كله شر، وكأننا لا نعرف الأرض التي تملأ سماؤها هذه الغيوم وكيف أنبتت هذا الشر؟!
وقد يعتقد بعض الأشخاص أنني لست معترفا بثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م، أو أنني أقلل من شأن ما حدث، ولكنني أرصد رؤيتي عن واقع عشته، رصدت فيه نبل الهدف من بعض الشباب، ولكن رصدت أيضا حجم المؤامرة التي تم التخطيط لها ضد مصر، ولا يمكن لأي شخص وطني أن ينكر أي دور وطني، يهدف إلى عزة الوطن، ونصرته، وتقدمه، وإصلاح كل ما يعتريه من تخريب أو تغييب لقيمه، وثوابته الراسخة، ولكن يجب على كل وطني أن يكون في ذات الوقت ضد أي محاولة تستهدف إسقاط الوطن، وتدميره، وإنهاك مؤسساته، والقضاء على سلطاته، بهدف انهياره!
ولعل السنوات التي أتت بعد ٢٥ يناير ٢٠١١م تكون قد بينت لنا حقيقة ما تم، وأن النظام الذي سقط مع أحداث ٢٥ يناير، له ما له، وعليه ما عليه، ولا يمكن بالطبع لأي شخص أن ينكر أن هناك مكاسب قد تحققت بعد ٢٥ يناير ٢٠١١م، وقد أصبح الشعب المصري واعيا بأهمية المشاركة الإيجابية في الحياة السياسية، وما يمثله ذلك من انعكاسات خطيرة على التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، وضرورة مكافحة الفساد، وعدم السماح لأي شخص، أو أي حركة، أيا كانت، أن تعبث بمقدرات الوطن!
وإذا كانت ٢٥ يناير ٢٠١١م قد أحدثت فجوة بين الشعب ورجال الشرطة، وبين أفراد الشعب مع بعضهم البعض، بسبب سرقة الوعي، وتضليل الناس، إلا أن ٢٥ يناير الآن تكون الأجواء فيها مختلفة عما سبق، حيث يتم الاحتفال بالاثنين معا، عيد الشرطة المصرية الباسلة من ناحية، وذكرى ٢٥ يناير من ناحية أخرى، كما يجب أن نشير إلى وجود جهد حقيقي، وعمل صادق، بهدف استرداد الوعي، وبنائه مرة أخرى، بما يتناسب مع تحقيق التماسك، ووحدة المجتمع، وأن تعلو وتسمو عبارة الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة على كل العبارات، وأن يفهم الجميع أن هذا التماسك، والتلاحم، والوحدة، هم السلاح الحقيقي لمواجهة التحديات الراهنة.
ولذلك أشيد بدور الشباب الآن، ومشاركتهم الفعالة في المجتمع، وحرصهم على أن يكون ٢٥ يناير الآن مختلف عن عام ٢٠١١م، فإذا كانت هناك مكاسب قد تحققت، فلنحافظ عليها، وأن نقف بالمرصاد ضد كل محاولات إحداث الفرقة بين الشرطة والشعب، وأن نستمر في السلوكيات النبيلة التي تتم الآن، كتهنئة قادة الشرطة بعيدهم، وتوزيع الورود على أفراد الشرطة في الشوارع والميادين، وأن ننتبه جيدا لما تحمله لنا بعض الفضائيات، وبعض المواقع، وبعض صفحات التواصل الاجتماعي، من أفكار خبيثة، قد تباعد بيننا وبين جيشنا العظيم، أو بيننا وبين شرطتنا الباسلة، أو بين بعضنا البعض، وعلينا أن نعمل كل ما يكون متناسبا ومتماشيا مع القيم النبيلة لجمهوريتنا الجديدة التي نؤسس لها الآن!
** أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط