الجمعة 26 ابريل 2024

«البقاء للفضائل»

مقالات1-2-2022 | 11:42

بعيداً عن جدلية فيلم المنصة المشبوهة؛ فالنوايا كاشفة، وترفعاً عن فتح النقاش مع معتادي هز الثوابت من أجل خطف الأضواء والتريند لسويعات -حيث لا جدوى من طول الحوار معهم-، فإن من القضايا الأكثر تأثيراً وشيوعاً في عصرنا هذا هي قضية حمل الناس على فكر أو عمل معين، وشحن الطاقة النفسية والعقلية بكل الوسائل من أجل توجيه العامة على شيء من الأقوال أو الأفعال وتصدير مسلمة اعتيادها وتداولها ؛فبالترويج لذلك بشكل واسع في أوساط الناس (أن هذا الأمر يقال أو يفعل برغم كونه عدم )؛ يحمل أفراد المجتمع على التطبيق العملي لما يراد منهم فعله، وذلك إذا كان الفعل حسناً؛ فالفطرة تميل لفعل الحسن، وإن كان قبيحاً وهو الأكثرية الموجهة إليه - للأسف-؛ فالنفس أمارة بالسوء يستهويها القبيح ما دام العمل جارياً به من خلال ما يشاع و ما يذاع.

 ولما كان هذا الأمر بهذه الخطورة؛ أولت الأديان السماوية له اهتماماً بالغاً؛ أولاً من جهة التوصيف، وثانياً من جهة وضع الإجراءات الوقائية، وثالثاً الجرعات العلاجية التضمينية، وهكذا نجد الرسائل الربانية تقف من سائر القضايا الاجتماعية على هذا المنوال فيوضح الدين الجريمة توصيفًا، ويبين الأسباب التي أدت إلى ذلك ثم يصف العلاج الأنجح لها.

وفي ديننا الحنيف جاء توصيف قضية إشاعة الفاحشة والمنكر بين الناس  في سورة النور، قال الحق سبحانه: {إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} وقد ربطت هذه الآية بسياقها - قصة الإفك - يُظهر أن مجرد إشاعة الفاحشة أو المعصية بالقول مرتب عليه الفعل بعد، وأن الأمر يزداد خطورة إذا كان من تشاع عنه الفاحشة ذا مكانة في الدين كالعالم والفقيه وطالب العلم؛ كما هو الشأن في حادثة الإفك حيث الضحية هي أم المؤمنين رضي الله عنها، وكذا ما ورد في حديث "إذا ابتغى الأمير الريبة في الناس أفسدهم"، قال ابن الأثير وابن منظور: أي إذا اتهمهم وجاهرهم بسوء الظن فيهم أداهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ففسدوا»، فعلى مثل هذا يفعل من يريد أن تشيع الفاحشة بين الناس وهو القيام بالترويج لها، أو اتهام الناس بارتكابها.

وقدم ديننا الحنيف العلاج والإجراءات الوقائية من خلال منهج إسلامي رفيع في الحفاظ على صلاح أمور الناس؛ مُرشداً نحو السبيل والمَخرج من فخ الفساد، ولمنع إشاعة المعاصي والفواحش والمنكر في صفوف الذين آمنوا، أوصانا ديننا بالتثبت والتبين في قبول الأخبار؛ قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، فإذا وصل الخبر إلى المسلم عن أحد في معصية من المعاصي فليتنبه إلى صدق  ناقل الخبر، وثانياً التثبت من الخبر نفسه، ثم يأتي نهي الإنسان عن التحدث بكل ما سمع قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»، وذلك احترازاً من انتشار المنكرات والفواحش، فالخبر بين اثنين عند التحدث به لثالث يذاع على نطاق واسع ويقوى مردوده، ولأجل هذا حرم الإسلام على المسلم الحديث بكل ما سمع حتى لو كان الحديث صدقاً، فما بالك وإن تعلق الأمر بمنكرٍ أو فاحشة.

نضف عليها اجتناب الظن السيئ بالبشر؛ قال الله تعالى: {لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إفْكٌ مُّبِينٌ}، أي دعوة مباشرة لإحسان الظن بالبشر كافة؛ فحسن النوايا والتماس الأعذار من صفات المؤمن في كل الأديان.

ونأتي للنقطة الأهم ألا وهي تحريم فعل التجسس والغيبة والنميمة؛ ثلاثة أشياء مُفشية للأسرار والأخبار في أوساط الناس؛ فالتجسس يريد صاحبه إخراج ما كان عن أعين الناس خفياً، والغيبة وهي «ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه» هي أيضاً تعمل على نشر الفساد وتحض على اعتياد الفضح .

وأما النميمة فهي نقل كلام بعض الناس لبعض، لقصد الإفساد بينهم، وإلقاء العداوة والبغضاء، قال الله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}. ولعل مجتمعنا قد غابت عنه فضيلة وجوب استتار المؤمن وستره عند البلاء، وضلت تلك الصفة الإيمانية طريقها في محيطنا، وهي أيضاً من القواعد المهمة في توقيف سريان الفواحش في صفوف المسلمين وغير المسلمين، وتتفرع إلى قاعدتين اثنتين، الأولى: وجوب الاستتار عند البلاء، أما القاعدة الثانية فهي ستر الشخص الواقع في المعصية؛ ويستدل لهذه القاعدة بحديث ابن ماجه: «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة».

 فبتلك القواعد التي ذُكِرت في الإسلام وجميع الأديان السماوية؛ يُقطع دابر الفساد قبل الوقوع فيه أو الوصول إليه، وإن فُعلت تلك المفاهيم في مجتمعاتنا لا تخشى من زوبعة في فنجان موجهة من خلال فيلم ضعيف، ولا تقلق من تريندات تموت قبل أن تبدأ فالبقاء للفطرة والفضائل.

Dr.Randa
Dr.Radwa