نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للكاتب السياسي ديفيد إجناسيوس رحب فيه بالاستثناء الذي شكلته سياسة بايدن تجاه الأزمة الأوكرانية بالمقارنة مع الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الحالية في رسم استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي وتنفيذها.
وقالت الصحيفة أنه تم تأطير السياسة الأوكرانية بشكل واضح وأبلغها الأمريكيون إلى الحلفاء والخصوم على حد سواء، مما أضعف قدرة روسيا على التلاعب بالأحداث.
لربما أمل بوتين أن يستغل ما رآه ضعفاً سياسياً في بايدن، لكن بدا أن الصعوبات التي واجهها بوتين قوت عزيمته منذ التقطت الاستخبارات الأمريكية في أكتوبر تخطيطاً روسياً جدياً لشن عملية اجتياح، قادت إدارة بايدن حملة ردع في ما سماه الروس أحياناً "فضاء المعلومات".
لحشد الحلفاء، نشر المسئولون الأمريكيون معلومات استخبارية حساسة حيال التحركات الروسية. وحين اكتشفوا مؤامرات روسية، أفصحوا عنها. أدت هذه التكتيكات العدوانية إلى تقييد مزايا روسيا الاعتيادية الكامنة في التخفي والمفاجأة.
ورأت الصحيفة أن هذه المواجهة لم تكن عرضية. لقد حركها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واستعرض طموحه بإعادة رسم الخريطة الأمنية في أوروبا – من دون أن يعلم أين ستنتهي حملته الجريئة. لا بد من أنه كان يأمل رداً غربياً ضعيفاً ومنقسماً. لمّا يحدث ذلك حتى اليوم. ظل حلف شمال الأطلسي المدعوم بشكل شبه يومي من الرئيس بايدن وفريقه متمتعاً بالحزم في غالب الأوقات.
كانت العاصفة تتجمع فوق أوكرانيا على مرأى من الجميع لقرابة عام. حشدت روسيا نحو 70 ألف جندي على الحدود في أبريل الماضي في ما ثبت أنه حملة تجريبية. انسحبت القوات الروسية لكنها تركت خلفها إمدادات. جذبت خدعة الحدود انتباه الولايات المتحدة وعقد بايدن قمة ناجحة مع بوتين في يونيو الماضي. لكن أوكرانيا ظلت تشغل بال بوتين كرمز لما يراه عدوانية غربية تجاه روسيا.
وقالت الصحيفة أن بوتين رفع التحدي من خلال مقال لافت للنظر في يوليو نشره باللغات الروسية والإنجليزية والأوكرانية بعنوان "عن الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين". كان المقال مليئاً بالتفاصيل التاريخية الغامضة لكن رسالة بوتين تضمنت أن ميل أوكرانيا للغرب وموقفها العدواني تجاه روسيا "يقارنان في تداعياتهما باستخدام أسلحة الدمار الشامل ضدنا" وفقاً لكلام بوتين.
يعتقد محللون أمريكيون أن بوتين كتب معظم المقال شخصياً، ويلاحظون أنه في روسيا، وصف بعض المعلقين هذا البيان بأنه "إعلان حرب". قرأ المجتمع الأمني الأمريكي مقال بوتين بعناية. لقد أظهر غضب بوتين العميق من أوكرانيا وشعوره بأن بايدن اعتبر تهدئة الرئيس الروسي لسياسته أمراً مفروغاً منه.
ورأى محللون أن بوتين مقتنع بكون الولايات المتحدة لا تأخذ روسيا على محمل الجد إلا عندما يهدد الكرملين بتحركات عسكرية. لذلك، قرر الرئيس الروسي رفع مستوى التهديد.
في سبتمبر وأكتوبر، عادت القوات الروسية إلى الحدود الأوكرانية. دقت أجراس الإنذار في واشنطن أواخر أكتوبر. لم يبد تحرك القوات الروسية تدريباً كما بدا في أبريل. أظهرت الاستخبارات الأمريكية أن الروس كانوا يخططون لاجتياح واسع انطلاقاً من قوات هجومية عدة. كان أحد نذائر الشؤم أنه في أغسطس، سارعت روسيا إلى تعبئة قوة من "الاحتياطي المتأهب" والتي كانت ستضم 100 ألف عنصر بحلول نهاية 2021. واقترح الدليل أن روسيا أمكن استخدامها كقوة احتلال.
وذكرت الصحيفة أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز سافر إلى موسكو لحضور اجتماع طارئ في الثاني من نوفمبر مع كبار المسئولين الأمنيين الروس. كانت الرسالة: "نحن نراقب. إذا غزوتم أوكرانيا فستكون هنالك تدعيات هائلة". بعدما حذر بيرنز الروس، سافرت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هينز إلى بروكسل لإبلاغ الحلفاء الأطلسيين بالاستخبارات الأوكرانية. واتخذت إدارة بايدن خطوة غير اعتيادية بتخفيض مستويات التصنيف أمام الحلفاء كي يكون بالإمكان تشارك المعلومات الحساسة.
لقد حددت اجتماعات نوفمبر إطار الدراما التي تصاعدت في الأشهر التالية. رد بوتين على تحذيرات الولايات المتحدة عبر تصعيد مطالبه. في 18 نوفمبر، أجرى زيارة نادرة إلى وزارة الخارجية الروسية وتفاخر بأن الأزمة الأوكرانية أدت إلى "بروز التوترات" في الغرب و"بأنه من المهم أن يبقى في هذه الحالة لأطول فترة ممكنة". أصدر بوتين تعليماته لوزير الخارجية سيرغي لافروف كي يبدأ بصياغة مطالب روسية بشأن "ضمانات جدية طويلة المدى" حيال عدم انضمام وكرانيا إلى الناتو.
ربما أمل بوتين أن يستغل ما رآه ضعفاً سياسياً في بايدن، لكن بدا أن الصعوبات التي واجهها بوتين قوت عزيمته. بعد الانسحاب الفاشل من أفغانستان والتراجع الكبير في شعبيته، لم يكن بإمكان بايدن تحمل أن يُنظر إليه على أنه التسووي الودود الذي توقعه بوتين على الأرجح. لقد اختار بايدن السياسات الصلبة والتزم بها. وجعل حلف الناتو الذي ازدراه سلفه حجر الزاوية لسياسته. وقال المسئولون في البيت الأبيض إن الإدارة أجرت أكثر من 200 تواصل دبلوماسي مع الحلفاء منذ بدأت الأزمة.
وتواجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها مع بوتين في حرب المعلومات. في يناير، كشفت وزارة الخارجية خطة سرية للاستخبارات الروسية كي تجند الأوكرانيين لزعزعة استقرار البلاد. كشفت بريطانيا الشهر الماضي مؤامرة روسية لتنصيب زعيم موال لموسكو في كييف. وحاول وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومسئولون آخرون عرقلة خطط روسية عبر شرح قواعد لعبة موسكو بشأن الخداع وزعزعة الاستقرار.
وأشارت الصحيفة إلى أن بوتين مصمم على وقف ما سماه "المشروع المناهض لروسيا"، أمام برهان كبير على أن الغرب سيتراجع في أوكرانيا. المفاجأة الكبيرة لبوتين أنه واجه في بايدن خصماً لا يتزعزع وسياسياً خبيراً ودوداً وكثير الكلام، كان في هذه المواجهة، حازماً بشكل مفاجئ.