الثلاثاء 16 ابريل 2024

إنسانيتنا المتأرجحة

مقالات6-2-2022 | 17:37

حبس العالم أنفاسه لخمسة أيام متتالية طلباً لنجاة الطفل المغربي الذي جعل من محنته أيقونة لاجتماع الإنسانية دون حسابات دنيوية لجنس أو لون أو دين أو عرق أو أية اعتبارات أخرى.

تضرع الكل وسجد طمعاً في حلول السماء رحمة ورأفة بحال الطفل ذو الخمس سنوات الذي لا حول له ولا قوة، تكاتفت الأكف والأكتاف من كل دين وعقيدة داعين الخالق بخلاص الطفل وتنفسنا الصعداء.

لكن على ما يبدو أن للخالق الرحيم حسابات أبعد ما يكون عن فهمنا البشري الدنيوي السطحي، فكل ما تمنيناه هو نجاة الطفل وعودته لأحضان أبويه، رغماً عن نبل الهدف إلا أنه ما يزال أبعد ما يكون عن التدبير الإلهي العميق للأمور.

فرغماً عن وابل الأدعية والصلوات والترانيم التي ملأت الأرض طلباً لفك حصار الطفل من بئر الجذع والخوف، إلا أننا بشيء من التدبر والتأمل نقف عاجزين عن التفسير المباشر للحكمة من خروجه من حفرة الموت مفارقاً للحياة، وكأن الله أخرجه من حفرة الدنيا إلى اتساع الآخرة، وعلقنا نحن موضع الطفل بأوجاعنا وحسرتنا ودموعنا وتسائلاتنا اللانهائية.

في نفس التوقيت الذي نتسائل فيه بشيء من التعجب والاستنكار، أليس رب ريان هو رب الأطفال السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين والأفغان وغيرهم من غير جنس العرب ودين الإسلام !!

أليست هي نفس السماء التي دعوناها هي ذاتها التي نتشاركها جميعا وتشهد كل خطايانا وصوابنا!!

أين هي ذات الإنسانية في كل المواقف والظروف والاختبارات والابتلاءات !!

كعادتي أتأمل، وكعادتي أسمع همس صوت أبي الراحل في أذني في كل مواقف الحياة، فقد ترك لي دستوراً ومنهاجاً للحياة كما قضبان القطار الكهربي الذي لا يحيد عن طريقه، كان رحمه الله شديد الوثوق برحمة الله ويردد دائماً أن الله لم يخلقنا إلا لحكمة التعمير وإشاعة الخير أيما زمان ومكان.

هكذا كانت كلماته دوماً في كل مجلس، وهكذا أرى فلسفته هي درعي للتحصن من ابتلاءات الحياة، واستلهامي السكينة لتفسير وتدبر مصائبها، والسعي لقمع الألم وقلبه لمنافذ من الأمل كما وعدنا الله برحمات عرضها السموات والأرض، لكن مع إيمان مطلق بتدبيره الإلهي الذي لا ينازعه فيه أحد.

وعليه، أقررت في داخلي ألا تتسلل سوءة الشيطان الخبيث إلى روحي مهما تألمت وتملك منها الأنين.

فاليوم نور جديد قد سطع بعظمة من الله، واليوم نتضرع له من جديد بلا كلل أو ملل طالبين النصر والجبران والعوض والفرحة المفتقدة، فالفرح يحيل الحزن إلى ذكرى "محل تأمل" نأمل استيعابنا للدروس المستفادة من خلفها.

اليوم أدعو كل المصريين وغيرهم للاصطفاف من خلف منتخبنا القومي الذي شق طريقه بكل مسؤولية واحترافية وقوة تحمل، نصطف من خلفه لأنه يستحق، ولم يكن ليستحقها منذ العامين برغم نيلنا لشرف التنظيم وإدارتنا له بجدارة.

سنطوي أحزاننا، ولا ننساها، سنأمل خيراً في الفرح المنتظر بصدور ممتلئة بالدعاء، وسندعو الله بلا تبتر ولا تزيد ولا تمنع.

اللهم فرحاً وعوضاً ونصراً مبيناً