الجمعة 19 ابريل 2024

ريان والخمسة أيام!

مقالات7-2-2022 | 15:28

احتفظ الجميع بالأنفاس وكأنهم شعروا باحتياجه لها في تلك الظلمة والمساحة الضيقة التي تبتعد عن الأرض بأمتار تخيلناها ذات مقياس مختلف، فطوال الأيام الخمسة لم يعد المتر مائة سنتيمتر؛ بل صار أنفاساً بالمليارات وأرضاً دعونا الله مخلصين أن تتسع حتى يمكنه الخروج!

فقد صار الطفل "ريان" ذي الخمس سنوات والخمسة أيام حالة لم تقتصر على دولة بعينها هي المغرب؛ بل تحول إلى حالة إنسانية انتظر نهايتها السعيدة الجميع، وتحولت الدقائق إلى مقياس زمني بعيد نطل عليه علّه يأتي بجديد!

ها هى المرة الأولى منذ زمن تعود فيه مواقع التواصل الاجتماعي إلى دورها الذى جاءت من أجله من حيث التعارف والاقتراب وصناعة عالم موازى افتراضى يضيف للحياة بعداً آخر ويكمل ما نفتقده فيها، عالماً يتجاوز المسافات والأزمنة ويصنع حالة "إنسانية" فحسب.

لقد اجتمع الجميع بدون اتفاق على دعوات تمنوا أن يستجيبها الله لذلك الطفل؛ الذي تحول بئره إلى حوت يونس وتخيله كل منا "ضيقه" الخاص الذى تعرض له ودعا الله أن يصيبه "الفرج"، وكان الاتحاد فى السؤال عن الطفل ريان والأمتار الباقية؛ حتى أن الجميع بصورة ما لم يلتفتوا إلى تحول السنتيمترات القليلة إلى "وحدة" قياس كثيرة الزمن واختفت أية أسئلة منطقية وسوشيالية باحثة عن إجابات!

لم تطل كالعادة أسئلة عن البئر وكيفية الوقوع والأهل والبحث عن مسئوليات للآخرين أو اتهامات قد تطال الطفل ذاته كما هو معتاد فى واقعنا "السوشيالى"، لقد عاد ريان بخمسة أيام بنا إلى الروح المفقودة فى هذه الفترة؛ بل كان رسالة اتيحت للجميع طوال تلك الأيام وما بعدها بنهايتها المحتومة التى أخبرتنا برسائل السماء وكذلك الأرض.

قال ريان رسالته من ذلك البئر فى تلك الظلمة والوحدة والصمت والمسافة التى تحولت أمتارها إلى ملايين الكيلومترات والزمن الذى تجاوز حدود الدقائق والساعات، وكان حلماً انتظره الملايين وتخيلوا لحظة خروجه معافى طمعاً فى رحمة السماء، فقد توحدوا مع ضيق ريان الذى رآه كل منا بصورة "ضيقه" الخاص فى كل لحظات الحياة وكأن انفراجه ريان هى النجاة التى حلمنا بها، ولكن رسالة السماء كانت على خط آخر قالها ريان ومضى.

وأعاد لنا دور الواقع الافتراضى الذى كان بعيداً عن التريندات التى تتوالى وتقتحم بلا خجل أى شيء وتصدمنا فى واقعنا والعالم ككل، والكوميكسات التى سخرت من كل شيء؛ حتى صار لا صوت يعلو عليها، وحالة المعرفة اليقينية بكل الأشياء والقدرة على الإجابة على الأسئلة وتحديد المفترض حدوثه للآخرين،  وكافة الأمراض التى أصابتنا بها المواقع التى من المفترض أنها كانت اجتماعية، فهل تستمر الحالة "ريان"؟ أم أنها كانت مجرد خمسة أيام؟