أكد سياسيون تونسيون أن قرار الرئيس قيس سعيد بحل المجلس الأعلى للقضاء من أعظم القرارات بعد قرارات 25 يوليو "تجميد كل اختصاصات المجلس النيابي لمدة 30 يومًا ورفع الحصانة عن كل نوابه، إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، تولي رئاسة النيابة العمومية" لكونه أنقذ البلاد من "العشرية السوداء" وفسادها السياسي والقضائي، مشيرين إلى أن المجلس يعتبر المعضلة الأكبر لبناء تونس جديدة ومحاسبة السياسيين الفاسدين والإرهابيين، الذين نهبوا خيرات البلاد، دون أن يعلم الشعب عنها شيئًا، وقسموا الشعب إلى طوائف أمام منصة القضاء.
وقال محمد مسيليني وزير التجارة التونسي السابق وعضو المكتب السياسي لحركة الشعب، إن الرئيس سعيد تأخر في حل مجلس القضاء الأعلى، مضيفًا أن قرار الرئيس سعيد يسرع في الإصلاح ووضع حد لهيمنة أطراف سياسية معروفة على المجلس، من أجل التستر على قضاة ينفذون أجندات سياسية وتحوم حولهم شبهات فساد مالي ودعم الإرهاب والاغتيالات.
وأضاف مسيليني - في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط - أن المنظومة التي تأسست بعد الثورة وبعد الدستور والتي كانت حركة "النهضة" ركيزتها وعمودها الفقري منظومة أسست على تحالف الإسلام السياسي والإرهاب مع الفساد والتمكين، مما أدى إلى كوارث حقيقية في البلاد التي كانت عشية 25 يوليو على شفا منزلق خطير جدًا، كان يمكن أن ينزلق لتقاتل أهلي، فكانت قرارات الرئيس عبارة عن عملية إنقاذ الدولة ومؤسساتها، وتعليق الدستور يعني بالضرورة حل كل المؤسسات الدستورية التي ساهمت في ترذيل الحياة السياسة والاجتماعية، منها المجلس الأعلى للقضاء.
وأشار إلى أنه "لم يكن بالإمكان استمرار ديمقراطية فاسدة باسم المسار الديمقراطي التي لم تأخذ في الاعتبار مطالب الناس واستحقاقات الثورة والحياة الاقتصادية والاجتماعية، حيث حولت المسار الديمقراطي إلى مجرد عملية سياسية فارغة من أي مضمون اجتماعي مما جعل الشعب ينفض تدريجيًا من حولها، وقد جسد ضعف الإقبال المتزايد على العمليات الانتخابية أكبر دليل أن الشعب في واد والعملية السياسية في واد أخر، لذلك اعتبرنا في حركة الشعب والكثير من القوى أن مسار 25 يوليو فرصة حقيقية لتصحيح المسار وعودة الدولة لشعبها".
وبالنسبة للوضع الإقليمي والدولي وعلاقة تونس به، أكد أن تونس دولة مستقلة وقراراتها سيادية، والجهات المسؤولة في الدولة تحركت سريعًا من أجل توضيح الرؤية، كما أن تشكيل مجلس قضاء جديد له من الاستقلالية والنزاهة ما يجعله خارج هيمنة أي طرف أو جهة سياسية بما في ذلك الرئيس، ما سيجعل الأطراف الدولية والإقليمية تقتنع أن العرض من حل المجلس هو الإصلاح ويندرج في إطار مسار إصلاحي شامل.
وشدد وزير التجارة التونسي السابق، على أن أي مسار ديمقراطي لا يرسي عدالة اجتماعية بين الفئات والجهات ويحقق تنمية ونمو سيكون في مرمى غضب الشعب ولن يستقر له حال، ولعل أحد أسباب فشل حركة النهضة هو عدم إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعدم التقدم في معالجة هذا الملف، حيث اكتفت بسياسة التمكين ومحاولة السيطرة على مؤسسات الدولة وهياكلها.
من جهته، قال رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري، إن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء هو قرار حكيم وصائب، لأننا أضعنا وقتًا على حساب المصلحة الوطنية في انتظار هذا القرار، ونحن نعتبره إعادة هيكلة وإصلاح لتركيبة المجلس، حتى وإن سمّيت بالحلّ إلا أن المجلس ككيان سيبقى قائمًا لكن بقضاة شرفاء.
وأضاف أن القرار يأتي في صلب تصحيح المسار والمرور لمرحلة الإصلاح والبناء العادل وضمان منظومة العدالة، مشيرًا إلى أن لكل مرحلة وقرار تأثيرات وتداعيات، وقد لاحظنا اختلاف وجهات النظر والردود بين المنظمات العالمية باختلافها والهيئات الدولية، "لكن أين كانوا عندما عزل وزير العدل السابق نور الدين البحيري 84 قاضيًا، في وقت سابق، وعندما دمّر منظومة القضاء والعدالة في تونس"، مشددًا على أنه لا يحق لأي دولة أو منظمة التدخل لكون هذا شأنًا وطنيًا وداخليًا، مضيفًا أن كل مسار تصحيحي ديمقراطي له ثمن، خاصة وأن التركة ثقيلة والشعب التونسي سيضحي من أجل استعادة الدولة المدنية.
بدورها، قالت المحامية والقيادية في حركة الشعب ليلى الحداد، إنه في الحقيقة الرئيس قيس سعيد أعطى أكثر من فرصة للمجلس الأعلى للقضاء بعد 25 يوليو لعله يتحرر من هيمنة السياسيين والأحزاب وأصحاب النفوذ المالي وذلك في خطابات عديدة أشار فيها لوجوب ملاحقة المتورطين في قضايا فساد، ولكن للأسف تبين أن المجلس في العديد من المحطات، مازال تحت هيمنة حركة النهضة بالأساس لأن في فترة "الترويكا" (ائتلاف حاكم رئاسيًا وحكوميًا وبرلمانيًا يتكون من ثلاثة أحزاب ذات الأغلبية الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي التونسي لتكوين أغلبية مستقرة في الحكم في تونس)، كان القيادي من حركة النهضة نورالدين البحيري وزيرًا للعدل، فقام باختراق السلطة القضائية بقضاة موالين لحزبه، كما تم استبعاد القضاة غيرالمنتمين بخطط ليس لها أي نفوذ على الملفات الحارقة خاصة في قطبي القضائية المالي وقطب مكافحة الإرهاب.
وأضافت أن ذلك أدى إلى عدم فتح الملفات المتعلقة بجرائم المال السياسي والاغتيالات السياسية وقضايا الإرهاب، فكان قرار حل مجلس القضاء هو الخيار الوحيد رغم صعوبة اتخاذه، وما سينتج عنه من تأثيرات على الوضع الاقتصادي والمالي ومزيد ضغط الدول المانحة خاصة التي لها علاقات بحزب حركة النهضة.
وأوضحت أن القرار رافقه محاولات من بعض القضاة لإصدار بيانات وخاصة "جمعية القضاة"، لما لها من تأثير في نقل القضاة وترقياتهم وكانت لها منفعة مباشرة من هذا المجلس التي كانت تركيبته هي محاصة سياسية أغلبها قضاة موالين لحركة النهضة ولنداء تونس.
وأشارت إلى تنديد حركة النهضة التي تعتبر أنها فقدت سلطة كانت تحمي كل جرائمها وخاصة حيثيات ملف الجاهز السري وعلاقة الحركة بالتنظيم العالمي للإخوان، فالقضاء تم اختراقه فتستر على كل الجرائم طيلة عشر سنوات، لذلك تحاول حركة النهضة الآن رفع شكاوى لدول أجنبية ومنظمات دولية تدعي فيها أن الرئيس التونسي تفرد بالحكم وأصبح مستحوذًا على كل السلطات، في محاولة لتأليب الرأي العام الدولي بأن ذلك يشكل خطرا على المسار الديمقراطي.
وأكدت أن هذه الصيحات الغاية منها المزيد من التضييق على تونس من دول خارجية وخاصة الدول المانحة، ولكن نحن في حركة الشعب حزب ندعم قرارات الرئيس في حل مجلس الأعلى للقضاء، فكل هذه الردود والاحتجاجات لن تدفعنا للرجوع للوراء، فهذا القرار السبيل الوحيد أمامنا من أجل نجاح مسار التصحيح وفتح الملفات المتعلقة بالفساد المالي والسياسي والإداري ومحاسبة المتورطين وإعادة الثقة للرأي عام الداخلي، والثقة في الجاهز القضائي بتطبيق القانون وتكريس المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب وهذا فيه تأثير على إصلاح المؤسسات العمومية التي انهكتها سرقة السياسيين.
وأشارت إلى أن المسار الذي تم اتخاذه بعد 25 يوليو طويل وصعب خاصة بعد الخراب الذي خلفته "العشرية السوداء" في كل المجالات ومع الإرث الثقيل من المديونية الذي وجدناه بعد سقوط حكومة هشام المشيشي رئيس حكومة تونس سابقًا، مع التوجه الإصلاحي للمؤسسات العمومية ومحاربة التجارة الموازية التي أصبحت تهدد اقتصاد الدولة، وتدهور القدرة الشرائية للمواطن أمام تضاعف الأسعار، ودور المضاربين في احتكار المواد الغذائية خاصة المدعمة، فالوضع لا يخلوا من صعوبة بعد تزاوج الحركات السياسية التي تدعي أن مرجعيتها إسلامية بلوبي الفساد والتي تعتبر أن ما يقع اليوم في هذه الفترة الاستثنائية من أجل مصالحها المالية ونفوذها السياسي.
وشددت ليلى الحداد على أن هناك رهانًا كبيرًا على الرئيس التونسي قيس سعيد والحكومة والمنظمات الوطنية والأحزاب الداعمة في إنجاح هذا المسار، وذلك في تغيير منوال التنمية والتركيز على البعد الاجتماعي في تحقيق المشاريع الكبرى القائمة على خلق التنمية لتقليص نسبة البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية، موضحة أن هناك تحديات كبرى تنتظر تونس أمام عراقيل وصعوبات كبيرة في الداخل والخارج، ولكن ليس بمستحيلة لأن إرادة الشعوب لا تقهر.
وفي السياق ذاته، قال عضو المكتب السياسي لحزب التحالف من أجل تونس كمال معلوم، إن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء يعتبر قرارًا مهمًا لكي نبدأ في عملية الإصلاح الشاملة، موضحًا أن حل المجلس له أبعاد منها العدل أساس العمران، فهو من أهم وأصعب القرارات التي اتخذت بعد 25 يوليو، وهو الضامن لاستقرار البلاد.
وأضاف أنه كان من الضروري اتخاذ قرار حل المجلس الأعلى للقضاء، الذي بات عقبة أمام التوجيهات الجديدة في بناء دولة وجمهورية جديدة؛ لتستره على عدة ملفات وتعطيله للمسار الديمقراطي، مشددًا على أن تونس بلد مستقل ولا تستطيع منظمات دولية التدخل في شأنها الداخلي، موضحًا أن تصحيح المسار الديمقراطي يبدأ من هنا والشعب التونسي وحده من سيقرر مصيره، رغم كل التحديات والصعوبات وخاصة الخارجية، فالشعب التونسي لن يركع.
وأوضح أن المسار الديمقراطي، على المحك لكون، لكن لا مفر من هذه المرحلة، وكل مرحلة لها خصوصياتها ولها ثمن، فليكن هذا نقطة الانطلاق إلى غد أفضل لكي تنعم تونس بالديمقراطية والحرية والعدالة التي حلمنا بها بعد 2010.