الثلاثاء 14 مايو 2024

نجل «جابر عصفور» لـ«دار الهلال»: عانت أسرته لتدبر له مصاريف الترم الأول.. ومجانية التعليم أنقذت الموقف

الدكتور جابر عصفور بجانب أسرته

ثقافة11-2-2022 | 17:55

أحمد جابر عصفور

مكالمة تليفونية تلقيتها من محررة دار الهلال تطلب مني كتابة كلمة قصيرة عن والدي الحبيب د.جابر عصفور لتكون ضمن عدد خاص عنه، المكالمة تركتني في حالة من الذعر والقلق والحيرة  لعدة أسباب؛ أولا لأنني أصلا لست كاتبًا..

‏ثانيا "إيش أكون أنا جنب فطاحل المثقفين الذين كتبوا عن جابر عصفور".

وثالثا "أبي الحبيب شخصية استثنائية بكل معنى للكلمة وأنا أفتقده جدا وقد لا تسعفني الكلمات في وصف ذلك".

بعد ما تخطيت مرحلة "الخضة" وبالحوار الهادئ مع نفسي، قررت أكتب بإحساسي عن جابر عصفور الأب والإنسان الذي أكرمني وأعزني الله به وعن بعض اللقطات من حياتنا سويًا ..

‏أبي الحبيب الرجل العصامي الذي بنى نفسه بنفسه والذي عانت أسرته كثيرا لتدبر له مصاريف الترم الأول في الجامعة ولم يكن لديهم أي فكرة ما سيكون العمل في مصاريف الترم الثاني لكن إرادة الله تشاء أن يصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرار مجانية التعليم ويطبق قبل الترم الثاني ليستطيع أبي إكمال دراسته الجامعية بل والحصول على منح التفوق أيضا. 

أبي الحبيب الذي أفتخر به دائما عاش تلك الحياة الصعبة وبنى نفسه بنفسه، وعند التحاقي بالعمل في أول وظيفة لي في حياتي العملية أخبرني "أني خلاص كبرت ومفيش مصروف"، و كان هذا أول درس يعلمه لي أبي الحبيب في ضرورة الاعتماد على النفس والتدبير والادخار.

الأب يعني السند 

رأيت ذلك في أبي الحبيب الذي كان يصر أن أرافقه في الكثير من السفريات وأنا صغير ولم أكن أعي سببا لذلك وقتها، أتذكر مثلا أنه كثيرا ما اصطحبني معه إلى المحلة الكبرى مسقط رأسه في كثير من المناسبات، وكنت فقط أرقب وأرى كيف كان أبي دائما يساند أهله وانطبع في ذاكرتي أول معنى للسند.

وأنا مقبل على الزواج شاهدت كيف وقف معي أبي الحبيب وساندني بكل ما يستطيع، وأنا أختار المدرسة المناسبة لبناتي أبي الحبيب كان معي وكان سندي وكثيرا ما قال لي "لا تقلق من شيء طول ما أبوك عايش، أنا في ضهرك" الذي أصر رحمة الله عليه، أن نختار أفضل تعليم لبناتي وأحفاده رغم أي ضغوطات مادية لأنه أراد أن يحصل أحفاده على أفضل تعليم.

"حقيقي تعلمت منه يعني إيه تكون سند، ربنا يجعلني خير سند لعائلتي".

هو ذلك الجد الحنون الذي كان يشتري اللوحات الفنية لحفيداته الصغيرات كنوع من التشجيع لهن وليحثهن على حب الفن والاستمرار في الرسم؛ ذلك الجد الرقيق الذي سمح بكل أريحية لحفيدته الأولى أن تدخل وتلعب في مكتبه وأوراقه كيفما شاءت وهي صغيرة، ذلك المكتب الذي كان دخوله محرمًا عليّ كابن في صغري إلا أن قلبه الحنون ومعزة الحفيدة جعلته يفتح كل الأبواب طائعًا لها.

رغم ثقافته الواسعة إلا أنه كان دائما لديه الشغف للتعلم أكثر وأكثر وأذكر أنه كان سعيدًا جدا كالأطفال عندما سافر للتدريس في جامعة هارفارد وعاش حياة تشبه حياة الطلاب من حيث المعيشة في الحرم الجامعي والذهاب اليومي للمكتبة وقراءة كتب جديدة كل يوم، وتعلم أشياء جديدة وحتى يومنا هذا لا يزال محتفظا بـ الزي الخاص بجامعة هارفارد. 

أفتخر أني أحمل جينات ذلك الأب وأعاهدك أبي الحبيب أن أكون دائما عند حسن ظنك بي.

Dr.Radwa
Egypt Air