الأربعاء 26 يونيو 2024

إبراهيم حجازي .. المنتصر دائم

رشدي الدقن

ملاعب الهلال11-2-2022 | 19:36

رشدي الدقن

الم يدخل معركة فى حياته إلا وانتصر فيها، لم يخرج مهزومًا حتى من كوفيد 19 الذى أصابه فى آخر أيامه، انتصر عليه وحظي  منه بلقب شهيد، اللقب الذى حلم به وظل يطارده طوال عمره حصل عليه فى آخر أيامه ليعلن انتصاره الأخير.

فى عمر الشباب والأمل والحلم والمستقبل حمل إبراهيم حجازي روحه على كفه، دخل الجيش وحارب فى الاستنزاف .. وعبر قناة السويس  فى أكتوبر .. حضر حصار الثغرة.. وفى كل مرة خرج منتصرا يرفرف علم بلاده التى عشقها خفاقا عاليا ... ويتحسر هو على فرصة نيل الشهادة التى لم يحن موعدها ..وكان يقينه أنها قادمة لا محالة.
إبراهيم حجازي عاش حياته كلها محاربا ..لم يهدأ يوما ...يخوض المعارك بصدر مفتوح ونفس راضية تماما .. لا يحسب حساب شيء .. ضميره فقط هو ما يحركه يتصدى لمحاولات تحويل مركز شباب الجزيرة إلى فنادق وإهدار رئة خضراء تتنفس منها القاهرة .. ويتصدى لمحاولات تحويل ستاد القاهرة وما حوله لمشروع تجارى ويتصدى لخطة تحويل مطار إمبابة إلى كتل خرسانية ويطالب أن يكون رئة خضراء جديدة .. يقدم مشروعا متكاملا  لبناء صحة الإنسان المصرى وأهمية ممارسة الرياضة  .. يقدم حلولا مبتكرة لملاعب صغيرة بين العمارات وفى الأماكن الشاغرة فى القرى والمدن والصعيد ..رافعا شعار ممارسة الرياضة حق للجميع .. ينتصر فى كل المعارك .. رغم علمه بمن يقفون خلف هذه المخططات وما يمكن أن يفعلوه .. لا يخاف .. ولا يخشى فى الحق لومة لائم.


إبراهيم حجازي كان مثل "الصبار" لديه قدرة هائلة على الاستغناء، إنه يعرف مقدمًا أن هذه المقالة  أو ما سيقوله فى برنامجه الأشهر "دائرة الضوء" والذى تشرفت برئاسة تحريره ..  قد تؤلب عليه الدنيا كلها، وقد تحاربه في رزقه، أو على الأقل تحرمه من بعض ما يستحقه من مكافآت مادية أو أدبية، قد يخسر صديقًا يستعدي عليه مسئولًا بتسليط يوغر صدر وزير أو رئيس وزراء أو حتى رئيس دولة أو طائفة من المنتفعين بسوء وضع من الأوضاع، ومع ذلك  يقول ما يرضي ضميره ويكتب ما يمليه عليه الواجب والشرف، غير عابئ بما سيحدث.
إبراهيم حجازي قادر دائما على إبهار من حوله، بسيط وعفوي بطريقة لا تصدق .. فى الوسط الصحفى يطلقون عليه لقب "اللورد" وبالفعل كان لورد حقيقيًا فى ملابسه وتصرفاته وأخلاقه .. ولكن هذا اللورد يفاجئك بجلوسه على الرصيف فى مقهى بلدي يتسامر مع البسطاء ويضحك من قلبه ويقدم لهم يد العون والنصيحة  الخالصة، يحل مشاكلهم بضغطة زر من موبايله ... ليس هناك مشكلة لا يستطيع حلها .. وليست هناك أزمة لا تنتهى فور تدخله شخصيا، حتى لو تدخله هذا على حساب بيته وأسرته .. فلم يتردد فى أخذ "فلوس" المصروفات الدراسية الخاصة بأولاده ودفعها ثمنا لجراحة يجريها رجل بسيط لا يستطيع أن يتحمل التكلفة وتعود صغيرته "رشا" تبكي من المدرسة لأنهم تأخروا فى سداد المصروفات فيضحك ضحكته العالية الشهيرة التى تأسر الجميع ويحتضنها ويعلمها أول درس فى الحياة .. العطاء بلا حدود وبلا مقابل فقط  هو عطاء ابتغاء مرضاة الله. 
يعزمنا فى منزله العامر دائما، فتقدم لنا زوجته المخلصة هادية المستكاوي ما لذ وطاب من المأكولات .. نشعر أننا فى بيتنا .. روح العائلة المصرية الأصيلة تسيطر على كل التفاصيل .. يجلس بيننا لا يأكل تقريبا فهو مشغول بأن يضع لنا جميعًا كميات إضافية ويطلق ضحكاته وقفشاته ليذوب الجليد ونشعر جميعا أننا جزء من عائلته.
إبراهيم حجازي كان رجلا فى كل مواقفه .. أعلنوا فوز الإخوان فى الانتخابات الرئاسية ومحمد مرسى رئيسًا فكان قراره فى نفس اليوم "مافيش إخوانى هيدخل البرنامج بتاعي" قالها صراحة فى قناة النهار .. فى الوقت الذى تسابق  فيه الجميع من نجوم القناة وغير القناة على استضافتهم ونيل رضاهم لدرجة الذهاب إليهم فى بيوتهم لتسجيل حلقات معهم .. وقف إبراهيم حجازي شوكة فى حلوقهم .. دائرة الضوء سيظل للمصريين البسطاء .. أبناء البلد بجد ..  يدافع عن مؤسسات الدولة المصرية، نستضيف عامل بسيط .. شاب لديه حلم .. صاحب فكرة تخدم الوطن ..  ويرفض بإصرار استضافة أي من نجوم التيارات الإسلامية وقتها  .. ورغم المغريات والتهديدات لا يتراجع .. تبدأ التضييقات ..  يمنع من كتابة مقاله بالأهرام .. فيزداد إصراره على خوض المعركة للنهاية .. يتقلص وقت البرنامج وعدد الحلقات فيعلنها صراحة ...  لن أتراجع وسأظل على موقفى حتى لو تم إلغاء البرنامج وهو ما كان فى مرحلة تالية.
تقترب ثورة 30 يونيو .. البعض يهادن والبعض يحذر والبعض يهبط العزائم بمقولة "أنتم مش قد الإخوان" وإبراهيم حجازى يصرخ فى اجتماع  عام لدراسة ماذا سنفعل فى يوم  30 يونيو، وكيف ستتم التغطية ..  يصرخ أنتم لسة بتسألوا .. هنبقى مع مصر طبعا .. ويفتح الهواء طوال الحلقة ليستمع لآراء الناس .. يعمل بشكل متصل  طوال الثورة .. وبعدها ووقت المغانم والمكاسب .. الجميع يتسابق لنيل جزء من التورتة .. يتبرأون من مواقفهم المعلنة ويتشدقون بوطنية زائفة .. وهو يترفع ويقف بعيدا .. يستمر فى موقفه المصرى الخالص .. فالرجل لا يريد إلا مصر عشقه الأبدي والوحيد.
إبراهيم حجازي بطل من طراز فريد ونادر، مخلص لبلده ووطنيته  للأبد .. بسببه ظلت روح نصر أكتوبر قائمة فى الوجدان .. لم يكن يفوت فرصة إلا ويذكرنا بنصر أكتوبر .. مقالاته فى الأهرام عن النصر تؤرخ لمرحلة مهمة جدا من تاريخنا .. تقرأ النص فترى الدبابات والبطولات والطائرات رأى العين .. تعيش معه التفاصيل الكاملة للنصر .. اقترحت عليه أكثر من مرة جمع المقالات فى كتاب ليكون وثيقة للأجيال القادمة وبدأنا فعلا بمعاونة  "نجلاء" سكرتير تحرير الأهرام الرياضى وإحدى مساعدات الأستاذ إبراهيم وابنة من بناته  كما كان يقول فى جمع المقالات، ثم توقف المشروع وظني أنه آن الأوان لتقديم هذا الكتاب المهم المليء بتفاصيل النصر ... وفى برنامجه دائرة الضوء يخصص شهر أكتوبر كله سنويا لاستضافة أبطال النصر .. 20 حلقة متصلة لأكثر من 6 سنوات وهو ما يوازي 240 ساعة هواء .. قدمنا فيها أبطال النصر ومعارك حرب الاستنزاف .. استضفنا جنودًا وضباط وقادة وصف ضباط شرحوا بالتفصيل عمليات وبطولات من وراء العقل .. تضحيات وعشق للوطن استطاعوا به فعل المستحيل.
إبراهيم حجازي أول من كشف للناس أن نصر أكتوبر بدأ بعد 3 أسابيع فقط من هزيمة يونيو 67 .. كان يصر أن يعلن الحقيقة وأن الإسرائيليين بعد أقل من شهر عرفوا أن لحمنا مر .. فدائما كان يقول "هزيمة 5 يونيو كانت قاسية ولكنها مهمة جداً في تحول المشهد المصرى، .. فجرت أعظم صحوة في مصر من حيث إعادة تأهيل الجيش المصرى ونقاط تمركزه.. حرب الاستنزاف سبقها عدة عمليات نفذها الجيش المصرى كانت عاملا رئيسيا في رفع الروح المعنوية وتعزيز الثقة بالنفس لدى أفراد الجيش ... المعركة العظيمة التي خاضتها الفصيلة 43 صاعقة عند نقطة رأس العش ، "ربنا سلط الإسرائيليين على أنفسهم وقالوا ناخد بورفؤاد بالمرة بعد هزيمة 5 يونيو، ودخلت آليات عسكرية كثيرة إسرائيلية وتصدى لها30 واحدا كان معاهم رشاشات وآر بى جى ..المعركة استمرت 7 ساعات لم تستطع قوات العدو أن تتجاوز هذه المعركة وانسحبت بعد تكبدها الكثير من الخسائر".
إبراهيم حجازي، كان دائما يأخذ هذه المعركة مدخلا للنصر وليؤكد أن المصريين لم ينهزموا  إلا 3 أسابيع بعدها انتصروا وأن الإسرائيليين علموا بعد هذه المعركة قوة الجيش المصرى، وأن هزيمته ليست بالأمر السهل.
 كان يقول : "في اليوم ده عرفوا أن لحمنا مر وإحنا تأكدنا إننا نقدر.. معركة رأس العش هي التي عززت الثقة بالنفس لدينا"، وبعدها جاء إغراق المقاتلة إيلات لتهز وتؤكد أن عقد الجيش الإسرائيلى الذى لا يهزم  بدأ ينفرط.
إبراهيم حجازي حكاء من طراز فريد تأسرك روحه المرحة المبهجة التى تأخذك لعالمه المليء بالتفاصيل .. لا يتردد فى فعل الخير وتقديم يد العون للجميع .. لا يحلم لنفسه أبدا .. يحلم لمصر وللناس .. يرى أن الرياضة أمن قومى مصرى .. يضع روشتة وتدريبات فى مساحات صغيرة لو تم تنفيذها سيكون لدينا شباب أصحاء فعلا .. يحمل حلمه ومشروعه إلى وزير الشباب والرياضة .. إلى وزير التربية والتعليم .. إلى رئيس الوزراء .. متحمس بشكل لا يصدق لكل ما يفعله حتى لو تأخر إنجاز ما يريد .. أبدا لا تضبطه محبطًا .. ضحكته تزلزل الكون وتفتح باب الأمل على مصراعيه .. يحمل الحلم إلى مجلس الشورى ليبدأ تنفيذ الفكرة مساحات لممارسة الرياضة .. تدريبات للأطفال ليخرجوا أصحاء .. إيضاح الفرق بين الممارسة والبطولة .. لا نريد أن يكون كل الممارسين للرياضة أبطالا .. نريد أن يمارس الجميع ووقتها سيظهر الأبطال ببساطة .
إبراهيم حجازي نموذج فريد فى حياتنا .. لن يتكرر .. مؤمن بكل ما يفعله .. مخلص لأفكاره وأهدافه وبلده .. يحلم بحياة أفضل لمصر والمصريين .. منحاز بقوة لكل ما هو مصرى .. يفخر بأبناء بلده ويسعى دائما لإعطائهم الفرصة للتعبير عن نجاحهم وتحقيق أحلامهم .. يثق بقدرة المصريين ثقة بلا حدود ... فى أول بطولة للأهرام تحت سفح الأهرامات جاءوا بشركة أجنبية شهيرة لتصنع ملعب زجاجى تقام فيه البطولة .. فى يوم تجربة إقامة الملعب .. انهار الأجانب لم يحسب أحد منهم حساب الرياح  .. وقف ابراهيم حجازى يضحك فى وقت انهارت أعصاب الجميع   .. البطولة باقى عليها أيام قليلة .. يذهب إلى المقاولين العرب .. مهندسون مصريون يصنعون الملعب فى إعجاز جديد ويتم تركيبه وتقام البطولة الأشهر التى كانت البداية لسيطرة مصرية على عرش الاسكواش العالمى حتى الآن.
ألم أقل إنه نموذج فريد فى حياتنا .. نموذج لن يتكرر .. اللهم لك الحمد أنى اقتربت سنوات طويلة من الأستاذ إبراهيم حجازي وتعلمت منه الكثير، فمن لم يقترب ويتعلم منه خسر كثيرًا.

نشر في "مجلة الهلال" عدد فبراير 2022

الاكثر قراءة