السبت 23 نوفمبر 2024

ثقافة

الدكتور جابر عصفور حوارات وردود

  • 11-2-2022 | 20:04

شوقي بدر يوسف

طباعة
  • شوقي بدر يوسف

تمثل حوارات الدكتور جابر عصفور التى أجريت معه في الصحف والدوريات العربية المختلفة زخمًا كبيرًا ومهمًا فى عالمه الأدبى والثقافى المتنوع فى مساراته المختلفة. 
ففي هذه الحوارات تبرز رؤيته ووجهات نظره تجاه جميع القضايا الأدبية والنقدية والثقافية والإنسانية التى تصدى لها فى حياته العملية، أستاذا جامعيا أو ناقدا أو مثقفا أو مسؤولا عن الثقافة فى كل المواقع التى شغلها فى حياته الوظيفية المعروفة.
ويمثل هذا المتن الكبير من اللقاءات والحوارات التى تمت معه فى حياته العملية على مدار أكثر من خمسين عاما رحلة ثقافية مع كاتب إشكالي كانت له مواقفه الإيجابية فى حياته العملية ومواقفه الأخرى التى حتمتها ظروف الوظائف التى كان يشغلها.


وحول علاقته الخاصة بالدكتور طه حسين نشرت جريدة المدى بالعدد 2216 المؤرخ 9/8/2011 فى حوار خاص أجراه يوسف المحمداوي عن فرحة الدكتور عصفور بأنه سيصبح تلميذا من تلاميذ طه حسين فى الدراسات العليا فى أواخر أيام مرضه، ولما تزايد المرض على العميد توقف نهائيا عن التدريس. 
فى هذا الصدد سأله محاوره: يعنى لم يتحقق حلم جابر عصفور برؤية العميد وهو رمزه فى الأدب؟ أجاب الدكتور عصفور: نعم لم يتحقق الحلم فى مسألة تدريسى ولكن بالنسبة لرؤيته تحقق. وذلك عندما أصبحت معيدا وسجلت أطروحتى للماجستير مع أستاذتى سهير القلماوى رحمها الله، وطلبت منها أن أزور الدكتور طه حسين وبالفعل وعدتنى فى ذلك وحققت رغبتى. 


عندما زرت بيته فى الهرم الذى أصبح بعد ذلك متحفا من متاحف وزارة الثقافة، وكان السؤال المهم فى ذلك: كيف كانت مشاعرك وأنت تقابل معلمك الأول: كنت مضطربا جدا، والغريب أنه أثناء الحديث معه، قال طه حسين للقلماوى يا سهير إن تلميذك هذا سوف ينبغ فى مجال النقد الأدبى، ولا أدرى كيف استنتج ذلك، لأننى أمامه كنت فى غاية الارتباك وشعرت بأننى غير قادر على إتمام جملة مفيدة واحدة للرد عليه، وكلماته تلك وضعتنى فى بداية الطريق، وحملتنى مسؤولية كبيرة جعلتنى ألتهم جميع الكتب المعرفية لكى أكون عند حسن ظنه وقادرا على تحقيق نبوءته، فوجدت نفسى مواصلا تعليمي فى قسم اللغات الأجنبية متخصصا باللغة الإنكليزية، وأتيحت الفرصة لى للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ثلاث مرات، لأصبح بعدها أستاذا زائرا فى الجامعة هناك، وكذلك فى جامعة القاهرة، وسافرت إلى السويد، وعملت زائرًا فى جامعة ستوكهولم، وهنا أكملت كتابي النقدي الذى أعتز به "المرايا المتجاورة" وهو دراسة فى أدب طه حسين، بعدها عدت إلى القاهرة لأحصل على شهادة الترقية إلى درجة الأستاذية، وأصبحت بعدها أستاذًا فى جامعة القاهرة ولم أغادرها حتى سنة 1993، حين توليت منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة.
وفى حوار فى مجلة الغاوون بالعدد 13 الصادر فى مارس 2009 حاوره وائل السمرى بسؤال حول مراجعة الذات ونقدها: أنت من القلة التى تقوم بمراجعة الذات ونقدها، أريد أن أعرف منك ما أهم مراجعاتك لذاتك، وكيف يرى جابر عصفور نفسه الآن من خلال عين جابر عصفور؟ وكانت إجابته حول هذا السؤال الإشكالى: أنا، بدأت وعيّى النقدى وأنا أميل إلى الماركسية، وكان مرجعى الأساسى علم الجمال الماركسى، ومع الوقت والممارسة التى أعتبرها أهم مراحل عمل الناقد، اكتشفت أن النظرية أضيق من النص، فكنت أعدّل المبادئ النظرية فى عقلى لتتماشى مع النصوص، لتتسع فتقبل تلك النصوص، بعد ذلك تركت النظرية الماركسية، وذهبت إلى البنيوية الماركسية، وتأثرت كثيرا بلوسيان جولدمان وكنت من أوائل الذين بشروا به، ثم وجدت أن إشباعي الحقيقى يكمن فى ما يسمى: النقد الثقافى وخطاب ما بعد الاستعمار، ذلك لأن النقد الثقافى لا يهتم بالبُعد الاجتماعى فقط، وإنما يهتم أيضا بتأثير الثقافة السائدة فى مجتمع المبدع وتأثير المبدع نفسه فى الثقافة، والأبعاد الإنسانية التى شكّلت وعي المبدع ووجدانه، والأيديولوجيات الشخصية وتأثير التقاليد.. وهنا خرج المجتمع على كونه تعبيرا عن الطبقة الاجتماعية ليشمل العديد من النواحى الأخرى. 
ومن الصعب جدا أن تجد صورة واحدة لجابر عصفور.
وفى حوار بعنوان أطول اعترافات لجابر عصفور نشر فى العدد 500 من مجلة نصف الدنيا الصادر فى 12 سبتمبر 1999، قدم المحاور سؤاله إلى الدكتور جابر إبّان رئاسته للمجلس الأعلى للثقافة حول مشكلة الناقد فاروق عبد القادر بقوله: قلت فى مجلة روزاليوسف يوما "إن فاروق عبد القادر يتوهم خصومة له مع المجلس الأعلى للثقافة، ويتخيل أن وزارة الثقافة كلها منشغلة بالثأر منه، ويدعى أن الأمين العام للمجلس على عداء معه، لماذا عداء فاروق عبد القادر، وكيف ترى نقده؟ وكانت إجابة الدكتور جابر: أولا دعنا نتحدث عن الحقائق الموضوعية الخاصة بالنقد وأنا شخصيا لا أزال أرى أن فاروق عبد القادر واحد من أهم نقاد المسرح والرواية فى مصر، وإنه بالفعل أهم النقاد الجامعيين فى مصر خارج الدائرة الأكاديمية، وإخلاصه لما يكتب وإصراره على تبنى الأعمال الجيدة والكشف عن مناطق القيمة  الأدبية الحقيقية مسائل تستحق الاحترام الكامل. 
أما عن الجانب غير الموضوعى فيرجع إلى أن فاروق عبد القادر تقدم إلى مسابقة فى الترجمة أعلن عنها المجلس الأعلى للثقافة ورأت لجنة التحكيم أن الكتاب الذى قدمه به مجموعة من السلبيات تحول بينه وبين الحصول على الجائزة ومنحت الجائزة لكتاب آخر تقدم بها كاتب شاب، وظن فاروق عبد القادر أن فى الأمر مكيدة وثأرا، وأن لى دورًا فى ذلك، وكتب ما كتب، ورددت عليه فى وقتها مؤكدا حقيقة أننى لا علاقة لى بأية لجنة من لجان التحكيم فى المجلس وانتهى الأمر إلى هذا الحد. 
وما يعنينى الآن فى الموضوع تأكيد أننى لا علاقة لى كأمين عام للمجلس بالقرارات التى تتخذها لجانه، لأننى محايد إزاء هذه اللجان ولا أسمح لنفسى بالتدخل فى عمل أية لجنة من اللجان.
وفى معرض حوار أجرى معه حول النقد والتراث فى مجلة الثقافة الجديدة المصرية بالعدد 248 الصادر فى مايو 2011 جاء السؤال على الوجه التالى: انشطر كبار النقاد العرب إلى فريقين، الأول يرى أن "المقولات النقدية القديمة لم تعد تصلح لقراءة الشعر القديم الذى نتج فى عصرها"، وآخر يذهب إلى أن "بعض النقاد العرب جنوا على إسهام المدرسة العربية فى منجز النقد الإنسانى"، ولكل حججه وبراهينه.. ماذا عن واقع المشهد النقدى فى تقييمكم بين الاتجاهين؟ ويجيب الدكتور جابر: فى رأيى، واقع المشهد النقدى يقوم على الاستهلاك، بمعنى أن النقاد العرب أغلبهم يستعينون بنظريات نقدية غربية، بعضهم يحاول فى ضوء معرفته بهذه النظريات أن يبحث لها عن أصول عربية تتفاعل معها، وكانت بداية هذه المحاولة مع محمد مندور واستمرت حتى كمال أبو ديب، وأنا شخصيا أؤمن بأنه ينبغى أن نقرأ تراثنا جيدا وفى نفس الوقت نفتح عقولنا على كل معرفة معاصرة، وفى بحثنا فى التراث سنجد أشياء تتجاوب مع هذه المعرفة المعاصرة، فالأمر يحتاج إلى القراءة والصبر والبحث عن كنوز التراث. 
فالنقاد العرب جلوا وكشفوا عن أبعاد جديدة فى التراث العربى، ولم يجنوا عليه كما قال البعض، وذلك بفضل أثر النظريات الحديثة على واقع قراءتهم، وثمة فارق كبير بين جلوا وتجنّوا، انظر على سبيل المثال قراءة عبد الفتاح كيلطو لـ "مقامات الحريرى أو الهمزانى، سنجد أنه يسلط الأضواء على المقامات ما كان غير متاح ولا موجود عند من يملكون ثقافته الفرنسية، ومعرفته العميقة بتيارات الأدب الفرنسى. وهنا أتساءل من من النقاد الذين يتمسكون بالتراث قدم قراءة للمقامات فى نفس عمق ورؤية وروعة كيلطو؟
وهذا الأمر ينطبق أيضا على "ألف ليلة وليلة" فهى استكشاف المستشرقين وعن طريقهم بدأنا نعرف أن لدينا كنزا اسمه "ألف ليلة وليلة" بعد أن ترجمها "بالاك" فى القرن التاسع عشر، إلى أن وصلنا إلى طه حسين ودفع تلميذته النبيلة سهير القلماوى لأن تكتب الدكتوراه عن "ألف ليلة وليلة"، ومضى الاتجاه، فإذا بـ "ألف ليلة وليلة" التى كانت تلعن وينظر إليها باحتقار تصبح كنزا من كنوز الأدب العالمى كله.
وأنا على المستوى الذاتى، فبقدر ما استطعت أزلت الغبار عن التراث، قدمت "غواية التراث"، وهى محاولة متواضعة على طريق طه حسين فى قراءة التراث وطريق مصطفى ناصف، رأيت أساتذة مضوا فى طريق ومضيت فيه، مع تأكيد خصوصيتى وتفردى، فقراءة التراث من منظور جديد بدأها طه حسين ومن بعده القلماوى وأدونيس وقرأت أنا أيضا التراث من منظور مختلف وكان لا بد أن هذا المنظور المختلف يقوم على نوع من العدسات المغايرة لاكتشاف أمور مغايرة لأشياء موجودة، وهذا يرجعنا إلى نقطة أن النقاد العرب لم يجنوا على التراث العربى، وهنا أتساؤل من أفضل من درس عبد القاهر الجرجانى؟ والإجابة تأتى من الواقع، فهم هؤلاء المحدثون الذين يوجه إليهم البعض بأنهم السبب فى تجاهل التراث. 
خذ مثلا: عبد القادر الجرجانى، وحازم القرطاجنى، فهما علامتان بارزتان فى تاريخ النقد العربى، ولو بدأ المرء منهما مسلحا بمعرفة حديثة لأنجز نواة ونظريات جديدة لم تخطر على بال أحد، فمن الذى قرأهما وقدمهما للقراء لكى يكشتف أهميتهما؟
وحول النقد أجرت الكاتبة حميدة نعنع حوارا مع الدكتور جابر نشر بجريدة القدس العربى بلندن بالعدد 2756 بتاريخ 23/3/1998 وكان سؤالها حول النقد والمجتمع بقولها: ما علاقة النقد بالمجتمع، هل تشعر أنك متقدم على زمانك وأنك مفهوم فعلا فى المجتمع الذى تكتب له؟
وقد أجاب الدكتور جابر بقوله: علاقة النقد بالمجتمع وثيقة جدا ولكنها ليست علاقة مباشرة بل علاقة غير مباشرة، النقد له أكثر من بعد، هناك بعده التطبيقى الذى يتصل بالأعمال الأدبية وقراءتها وهناك بعده النظرى وهو تأصيل مجموعة من المفاهيم الأدبية وهناك بعده الفلسفى وهو تأسيس نظرية جديدة تتجاوز نظرية قديمة، النقد الأدبى بهذه الأبعاد الثلاثة يرتبط بالواقع ارتباطا غير مباشر بمعنى أنه فى كل بعد من الأبعاد لا بد من أن نحقق نفس الشيء إزاء وعي القارئ بالنص، وإغناء عقل المثقف، بمعنى الأدب تعميق وعي المتفلسف الأدبى بتأسيس نظرية جديدة، وعلى المستويات الثلاثة هناك هذه العلاقة غير المباشرة بين النقد والمجتمع من خلال قارئ النقد، وقارئ النقد هو فرد فى المجتمع يمكن أن يسهم النقد بالانتقال به من الضرورة إلى الحرية من التخلف إلى التقدم من الإظلام إلى الاستنارة، وأهم حاجة من الإذعان إلى التمرد، لأن أهم حاجة فى النقد أنه يمتلك القدرة على إنطاق المسكوت عنه فى النص وإبراز ثغراته، ومن هنا يمكن للقارئ من أن يتحول إلى مبدع آخر يعيد إنشاء النص. 


نشر في "مجلة الهلال" عدد فبراير 2022

أخبار الساعة

الاكثر قراءة