الأحد 12 مايو 2024

إبراهيم حجازي.. مقاتل لم يفقد الشغف

عمر البانوبي

ملاعب الهلال11-2-2022 | 20:35

عمر البانوبي

قبل أكثر من 20 سنة، عدت من مدرستي في مدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ أثناء المرحلة الابتدائية لأخبر والدي بأن هناك حملة تبرع لصالح مستشفى لعلاج سرطان الأطفال سنشارك فيها جميعًا وأحتاج لجنيه واحد للمشاركة في اليوم التالي، وعندما استفسرت من والدي أخبرني بأنها حملة يقودها كاتب صحفي كبير عاشق للرياضة اسمه الأستاذ إبراهيم حجازي.
وبعد 20 سنة التقيت الأستاذ إبراهيم حجازي ليمنحني شرف العمل معه في حلقة أسبوعية على قناة النادي الأهلي لفترة قصيرة لم تتخط الشهور الأربعة، لكنها كانت حافلة بالمواقف الرائعة.
قصتي مع الأستاذ إبراهيم حجازي بدأت منذ طفولتي حين جذبتني العناوين والصور على أغلفة مجلة الأهرام الرياضي في التسعينيات، وحتى مطلع الألفية الجديدة، وبعدها أصبحت عاشقًا لبرنامجه اليومي "دائرة الضوء" في نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة على شاشة النيل للرياضة.


صار صوت الأستاذ مألوفًا كل ليلة في منزلنا، أستمع إلى ما يقوله بحرص، ويرسم على وجوهنا الابتسامة بكلماته ومزاحه مع فريق العمل في برنامجه، كان أحد ظرفاء العصر، ولكن بكل وقار، فمضمون برنامجه كان بناء الإنسان وتحسين عقليته ودعم الرياضة في إطار وطني حقيقي.
أؤمن دائمًا بأن من عاشوا الأحداث الكبيرة وعاصروها ثم صاروا جزءًا منها، تصبح بالتبعية جزءًا أصيلاً في تكوين شخصياتهم، ولأنه المقاتل الذي عاش مرارة النكسة شابًا، ثم شارك في معركة النصر وذاق حلاوته، لم تكن شخصيته عادية، ولم يكن شغفه بالرياضة وبناء الإنسان مجرد وسيلة للتواجد على الساحة الإعلامية والصحفية، بل كان أحد هؤلاء الذين يحملون رسالة يؤمنون بها من أجل الوطن، ومن أجل ناسه.
عاش الأستاذ إبراهيم حجازي يحمل على كتفيه هموم الوطن وأهله، وبشغف وعزيمة المقاتل الذي خاض المعركة وعاد بالنصر كانت كل تحركاته في الحياة، ليس فقط في العمل الإعلامي، وإنما المجتمعي والتنموي، وله أياد بيضاء على كثيرين، فمن حملة "اتبرع ولو بجنيه"، إلى مبادرته بإقامة بطولة الاسكواش عند سفح الأهرامات، وبرنامجه ومجلته وكل المشاريع الإعلامية التي كان هو نجمها الأول، بهدف واحد.. بناء الإنسان المصري وتنمية الوطن.
أتذكر للأستاذ انحيازه الدائم لكل أبطال مصر في الألعاب الشهيدة، قبل أن يكون أحد أباطرة النقد الرياضي في كرة القدم وغيرها، لكن هو وحده الذي رسّخ مفهوم البطل الرياضي والتقدير الإعلامي لكل صاحب إنجاز في مجاله، فكان حريصًا على تقديم الأبطال في اللعبات الشهيدة على أفضل ما يكون من خلال منصاته الإعلامية، ويمكن اعتبار إبراهيم حجازي الأب الروحي للعبة الاسكواش في مصر، وعاش حتى أصبحت مصر متربعة على عرش اللعبة عالميًا وتفوقت بالفعل على كل الدول العظمى.
ومن الاحتراف إلى المواطن البسيط، كان انحياز إبراهيم حجازي للرياضة، فصرخ لسنوات طوال من أجل توفير فرص وبنية تحتية يمارس فيها الشعب الرياضة، وأطلق مبادرات عديدة لاكتشاف المواهب في المدارس، وكانت قضيته الكبرى أن تملك مصر مجموعة من الملاعب والمناطق المجهزة لممارسة الرياضة بشكل يومي لكل مواطن في كل محافظة، وهو ما استجابت له الدولة بعد 30 يونيو على أرض الواقع أيضًا.


لم ينس حجازي كونه أحد أبطال الحرب، فكانت حكايات أبطال النصر في عام 1973 موضوعًا دائمًا لنقاشاته، وعاش يمني نفسه بعمل فني توثيقي لبطولات المصريين الخالدة في الحرب المجيدة، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن بالشكل الذي كان يرجوه الأستاذ الراحل، وأظن أنه سيحدث، لأننا أحوج ما نكون في هذا التوقيت لمثل تلك الدروس.
وعندما نلت شرف العمل مع الأستاذ عام 2019، علمت أنه بالفعل نموذج للمقاتل الذي لم يفقد الشغف، كان حريصًا على الاتصال بي واستقبال اتصالاتي للمناقشة حول موضوع حلقته الأسبوعية، يطرح الأفكار ويطالبني بأفكاري ولا يجد أي غضاضة في الاستماع لي ولو لأكثر من ساعة على الهاتف لشرح فكرة، وكان حريصًا على الاقتراب من عقول الشباب وفهم تفكيرهم.
وخلال أحد النقاشات داخل مدينة الإنتاج الإعلامي ذكرت أمامه معلومة عن عمرو وجدي لاعب منتخب مصر لكرة القدم للصم والذي احترف في أوروبا وتحديدًا نادي بوك أثينا اليوناني ليتوج بدوري أبطال أوروبا للصم 4 مرات، فاتصل بي في اليوم التالي ليطالبني بالحكاية وتفاصيلها كاملة ليكتبها في مقاله "من منا يعرف".
ومن خلال مقالات حجازي أصبحنا بالفعل نعرف الكثير عن نجوم الرياضة المصرية من أصحاب التحديات الكبرى بعيدًا عن نجوم الملايين، فكتب عن لاعبي منتخب مصر للصم، وعن ذوي القدرات الخاصة وأصحاب الهمم، وعن كل الشباب الطامح صاحب الفكر والرؤية، ولم يبخل يومًا على الشباب بخبراته دون استعلاء أو ضغينة.
لم يهب الأستاذ إبراهيم حجازي المعارك، بل كانت له بصماته النقابية في الدفاع عن حقوق الصحفيين على مدار سنوات اختاروه فيها ضمن مجلس النقابة، وسيظل أحد علامات العمل النقابي وبكل وطنية وإخلاص، وهي صفات المقاتل الذي لم يفقد شغفه، ومن معركة إلى أخرى، لم يفقد حجازي الشغف.
هو إبراهيم حجازي الذي عشقه المصريون وعشقهم، تارة تراه داخل الاستوديو لتقديم برنامجه الشهير "دائرة الضوء"، وتارة أخرى تراه وسط مياه البحيرات في بورسعيد يحاور الصيادين الباحثين عن الرزق، ومرات أخرى تراه في الشوارع يحاور الناس والبسطاء، وهو صاحب المدرسة التي لا تخسر أبدًا.. لأنها مدرسة القرب من المواطن وهمومه وأحلامه.
سيظل إبراهيم حجازي في دائرة الضوء التي عاش ليضعنا فيها، لينير العقول وينشر الأمل ويبحث عن الإيجابيات ويعيد الحقوق لأصحابها، هو ناظر المدرسة التي جعلتنا نعشق المهنة، وكلنا في مدرسته تلاميذ.
إن الوداع الكبير الذي حظي به الأستاذ إبراهيم حجازي بعد رحيله من كل طوائف الشعب المصري ومن كل جمهور الرياضة المصرية ومن أبناء مهنة الصحافة والإعلام ومن محبيه الشهادة الكبرى على نجاح هذا الرجل في مشواره، هو العلامة التي تركها في قلوبنا، هو ما كان يعيش من أجله الأستاذ.
مع السلامة يا أستاذنا.


نشر في "مجلة الهلال" عدد فبراير 2022

Dr.Radwa
Egypt Air