الخميس 25 ابريل 2024

"كوفيد 19".. المملكة والرقمنة

مقالات13-2-2022 | 03:23

يتصادف وجودي الآن بالمملكة العربية السعودية في توقيت لم أكن لأخطط له بأية حال، بيد أنه من المعلوم أن أي مسلم تداعبه مشاعر الاشتياق للأراضي المقدسة من وقت للآخر، والمصري المسلم بشكل خاص له طبيعة تختلف عن باقي مسلمي العالم، فاشتياق المصريين للأراضي المقدسة يرقى لمراتب الأولويات العظمى، حتى وإن اضطروا لبيع نصف ما يمتلكون من حطام الدنيا أو ما يزيد لأداء مناسك الحج أو العمرة، وهما اللذان يتمثل ركناً أساسياً من أركانهما في منسك أمنا وأم المسلمين السيدة هاجر المصرية التي خرج جنس العرب من رحمها لأبونا إبراهيم عليه السلام، وقد يمكن التفسير أن هذا هو أحد الأسباب الرئيسية لتقديس المصريين لفكرة مناسك الحج والعمرة.

في الواقع أنني أردت توثيق فترة انقضت من عُمر بقائي في المملكة، عقدت فيها عشرات المقارنات بين آخر مرات زياراتي لها في عام 2018 والآن، والحق أقول أنني في حالة من التعجب والاستغراب بل والحزن الدائمين، فبقاء الحال من المحال على ما يبدو، فإن الوضع العام يعطي انطباعاً بتردي كامل للأوضاع الاقتصادية، تبدو جلية من خلال تواضع حالة الأنشطة الاقتصادية العادية اليومية في البيع والشراء، فظلال الوباء اللعين أتت على كل ما هو أخضر ويابس ومثمر على مستوى العالم، ولم يكن الأمر ليقتصر على الدولة المصرية أو أية دولة آخرى على أي حال.

ففي الوقت الذي صمدت فيه الدولة المصرية على مدار عشرة سنوات بعد ثورتين متتابعتين، والدخول في حرب شاملة مع الإرهاب لسنين طويلة مازالت ظلالها تمتد بنطاق ضيق بشمال سيناء، والاضطرار لتطبيق إجراءات إصلاحية اقتصادية صارمة، تخللها تعويم للعملة المصرية، وتأثر السياحة بعد حادث الطائرة الروسية، وآخرها هبوب عاصفة وباء كوفيد 19 اللعينة، ورغماً عن كل هذا يشهد صندوق النقد الدولي للعملاق الصيني ومصر بتحقيق معدلات تنمية منطقية جداً برغم كل الصعوبات الحادثة على مستوى العالم، وانهيار اقتصادات وأنظمة صحية لدول عظمى بأكلمها، والتي لولا حدوثها لكان لمصر شأن آخر يتخطى التوقعات.

فلم يكن من الصعوبة أن أستشف حالة عدم الرضا أو التحفظ التي تشمل الجميع من كل الطبقات، وهو أمر لا يوصف بالمعيب -لا سمح الله- بقدر ما يوصف بالمحزن، سواء بسبب إجراءات السلامة المتبعة في المملكة منذ بدء تفشي الجائحة وحتى الآن ما بين غلق كامل وجزئي، أو فتح جزئي لم يرقى لمستوى الكامل بعد، أو التطبيق الإجباري لاتباع العديد من تطبيقات السلامة على التليفون المحمول كشرط لإتمام التحركات أو إجراء الخدمات داخل حدود المملكة سواء للمواطنين السعوديين، أو مواطني مجلس التعاون الخليجي، أو المقيمين العاملين من غير السعوديين، أو الزائرين لفترات قصيرة في مهام عمل أو لأداء الحج أو العمرة أو الزيارة العادية.

فالكل يعلم مدى صعوبة إتمام تلك العمليات على تطبيقات المحمول المتبعة كشرط للتحرك الآمن ودخول أي مكان دون المسائلة أو المتابعة أو تطبيق العقوبة، وهو الذي يتمثل في تطبيقات أساسية هي (منصة مقيم، وتوكلنا، واعتمرنا، وأبشر، وتباعد)، الأمر الذي أثر بالتبعية سلباً على طبيعة سريان وتدفق كافة الأنشطة الاقتصادية السابق الإشارة إليها، والتي يتمثل أغلبها في الأنشطة المرتبطة بمواسم الحج والعمرة، وكذا حركات البيع والشراء التي اشتهرت المملكة بتواضع أسعارها مقارنة بجاراتها الخليجيات على سبيل المثال، وهو ما أمكنني ملاحظته بسهولة في المراكز التجارية والمطاعم وحتى المحال التجارية بالأسواق المفتوحة، الوضع لا يمكن وصفه إلا بالجمود والصمود الذي يوشك على الانهيار إذا ما استمر الحال على وضعه، دون إجراء بعض المرونة أو التعديلات لتخفيف وطأة تبعيات إجراءات ما بعد كورونا.

وبرغم حالة التحول الرقمي التي تشهدها المملكة منذ عدة سنوات في تطبيقها للخدمات الحكومية وغيرها، وهو ما يمكن ملاحظته بشدة في التزامهم تطبيق العديد من التطبيقات التي تشمل بوابة الحكومة الإلكترونية، إلا أنه يمكنني استشعار حجم المعاناة التي يعانيها العديد من المقيمين أو الزائرين لإتمام إجراءات قدومهم أو تقدمهم للحصول على خدمات ما أو أداء مناسك العمرة على الأقل تقدير التي أصبحت هي والصلاة داخل الحرمين الشريفين بالحجز المسبق على تطبيق توكلنا، وأبسطها تطبيق الحجر الصحي الإجباري على معظم القادمين للملكة والتي تتضمن العديد من الإجراءات ذات الكلفة، فالإجراءات عديدة ومعقدة وغير معتادة وغير ميسرة على الجميع من غير المتعاملين بالتكنولوجيا الرقمية أو ميسوري الحال.

من الملاحظ أيضاً محاولات التمدد العمراني التي تشهدها مدينة جدة بعد التوجه العام بالتخلص من العديد من كل الأحياء القديمة بالكامل وإحلالها بأخرى جديدة تعتبر من مدن الجيل الرابع، وهي من العلامات التي يتباهى بها أهل جدة ويترقبون الانتهاء منها، بل ويأملون تفوقها على الطفرات العمرانية التي تشهدها إمارة دبي على سبيل المثال منذ سنوات، وهو ذات الأمر الذي يجعل من وجود أماكن إقامة أو استئجار بأسعار منطقية في مدينة جدة كما الماضي درباً من الخيال ولا سيما بعد تطبيق نسبة 14% هي قيمة الضريبة الجديدة المطبقة ونسبة 2% ضريبة بلدية على ما أظن. 

 ومن هنا وبرغم أية معوقات أو محبطات، أتابع ومعي ملايين المسلمين على مستوى العالم الحال بالحرم المكي، أشاهد على مدار اليوم حركة الطواف التي تطوف قلوبنا معها بمجرد الرؤية، فقد تكون حركة الطواف تلك أحد مسببات الأمل ومدعاة حسن الظن بالله أن الأمس المظلم واليوم الداكن إلى زوال، وأن الغد المشرق إلى قدوم بإذن من الرحيم العظيم الكريم، أرجوه والتجئ إليه أن يلبي لي ندائي ورجائي وأن يشمل دعائي بالاستجابة.

اللهم عمرة .. اللهم عفو .. اللهم رحمة ومغفرة ولطف وسكينة لأنين العالم المتألم

الأحد 13 فبراير

Dr.Randa
Dr.Radwa