أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن مصر سوف تظل العون والسند للشعب الليبي الشقيق، داعيا الأشقاء الليبيين إلى التوافق العام بين الجميع وبدء مرحلة تاريخية جديدة تقود الأزمة الليبية إلى الحل.
وشدد اللواء محمد إبراهيم - في مقال له بعنوان "إنقاذ ليبيا.. المهمة الصعبة الممكنة" نشره المركز اليوم الاثنين - على أن كافة القيادات الليبية هي قيادات وطنية قادرة على التوافق وقادرة على القفز على خلافاتها مهما كانت هذه طبيعتها ومن المؤكد أن هذه الخطوة التاريخية عندما تحدث فإنها سوف تغير الواقع الراهن في وقت قصير للغاية ما دامت تتجاوب مع مطالب الشعب الذي لم ولن يروق له في أي وقت أن يرى دولته تتقاسمها حكومتين أو برلمانين أو يرى ازدواجية في المؤسسات الحاكمة، حيث إن ليبيا الموحدة لا يستقيم مطلقاً أن تكون لديها إلا سلطة واحدة وقرار واحد.
وقال إن الأزمة الليبية تظل إحدى أهم الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية منذ أكثر من عقد من الزمان، وهى أزمة تؤثر في نفس الوقت على الأمن القومي المصري، ومن الملاحظ أنه كلما كانت هناك أية فرصة يمكن استثمارها لإنهاء هذه الأزمة تظهر في الأفق بعض العقبات التي تعوق التوصل إلى الحل وهو الأمر الذي يطيل من عمر الأزمة ويزيد من جوانب تعقيدها.
وأضاف: "تهل علينا خلال أيام الذكرى الحادية عشرة لثورة 17 فبراير 2011 التي هدفت في مجملها إلى أن تنقل ليبيا من حالة رآها المواطنون الليبيون أنها لا تتناسب مع وضعية دولتهم إلى وضع أفضل في كافة المجالات خاصة وأن الدولة الليبية تمتلك العديد من القدرات التي تتيح أن تكون لها مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي إلا أنه للأسف لم يتحقق هذا الهدف حتى الآن".
واستعرض إبراهيم السمات التي اتصفت بها السنوات الـ11 الماضية، وهي استمرار حالة عدم الاستقرار بصفة عامة طوال الفترة السابقة إلا في أوقات محدودة بل وصل الأمر في بعض المراحل إلى نشوب حروب وظهور بعض الجماعات الإرهابية، وبالتالي أصبح الأمن القومى الليبي مهدداً.
ونوه إلى تعدد المبادرات التي حاولت أن ترسم أكثر من خريطة طريق لحل الأزمة الليبية، إلا أن هذه المبادرات لم تؤدي إلى الحل الشامل المنشود رغم ما حققته من بعض الأمور التنظيمية والهياكل المؤسساتية وطرحت العديد من الحلول التوفيقية، ونذكر من هذه المبادرات (اتفاق الصخيرات – مؤتمرا برلين – إعلان القاهرة – مبادرات دول الجوار – مؤتمر باريس – مؤتمر طرابلس لدعم استقرار ليبيا).
وأشار إلى تعدد الدول التي تتدخل بشكل مباشر في الأزمة الليبية على المستويين الإقليمي والدولي ( تركيا – الولايات المتحدة – روسيا – فرنسا – إيطاليا ) ولا شك أن هذا التدخل لم ينتج عنه سوى مزيد من تعقيد الأزمة.
ولفت كذلك إلى عدم نجاح الاجتماعات المنبثقة عن المبادرات الرئيسية المطروحة في أن تصل بالأزمة إلى بر الأمان رغم بعض مظاهر النجاح في بعض المراحل وخاصة الجانب العسكري (مجموعة 5+5) ولكن يظل هذا النجاح جزئياً ومرهوناً بطبيعة الوضع العام ويمكن أن يتعرض إلى نكسات في أي وقت.
وأشار إلى إحجام القوى الدولية المنخرطة في الأزمة الليبية عن التدخل الفعال من أجل حل الأزمة رغم قدرتها على القيام بدور أكثر إيجابية ، ويرجع ذلك إلى أن تركيز هذه القوى ينصب بشكل رئيسي على حماية وتعظيم مكاسبها أكثر من أي هدف آخر.
وأكد قناعة كافة القوى السياسية والعسكرية – بعد تجارب عملية وواقعية على الأرض – بأن هناك استحالة تامة أن يتم حل الأزمة الليبية حلاً عسكرياً وأن الحل السياسي يمثل الحل الوحيد للأزمة .
ونبه نائب المدير العام للمركز المصري للفكر إلى استمرار تواجد الجماعات والميليشيات والمرتزقة على الأراضي الليبية وأن هذه الجماعات مازالت تساهم في توتر الأوضاع ولا يوجد أي احتمال في الأفق على حل هذه المشكلة الجوهرية رغم أن كافة المبادرات المطروحة أجمعت على ضرورة إخراج هذه الجماعات من ليبيا.
وأشار إلى اتسام دور الأمم المتحدة بمحاولة طرح بعض الحلول والمسارات التوفيقية ، وبالرغم من هذا الجهد الأممي المبذول طوال سنوات إلا أنه لم يصل إلى مرحلة الفاعلية التي تسمح بإنهاء هذه الأزمة ، ومن الإنصاف أن نقول أن الأمم المتحدة ليس في مقدورها أن تفرض حلاً لا يرضى عنه الليبيون.
وقال اللواء محمد إبراهيم: "لا شك في أن عدم النجاح في إجراء الانتخابات الرئاسية الليبية التي كانت مقررة يوم 24 ديسمبر 2021 كان بمثابة ظاهرة كاشفة لمدى تعقد الأزمة وصعوبة التوافق على إجراء أهم استحقاق دستوري كان يمكن أن يؤدي إلى تغيير الوضع حتى لو كان هذا التغيير نسبياً، حيث شهدت هذه الفترة مزيداً من التنافس بين القيادات الرئيسية واختلاف الرؤى والتفسيرات لبعض القوانين والتشريعات على مستوى المؤسسات المعنية، ومن ثم كان تأجيل الانتخابات أمراً طبيعياً ومنطقياً في ظل عدم التوافق العام وهو ما يؤكد أن القضية أعمق من أن تكون مجرد إجراء انتخابات أياً كانت رئاسية أو برلمانية".
وأضاف: "ولعل أهم نقطة مضيئة في موضوع الانتخابات التي تم تأجيلها تمثلت في أن الشعب الليبي ضرب مثلاً رائعاً وعبر عن نفسه بشكلٍ إيجابي عندما سارع المواطنون بتسلم بطاقاتهم الانتخابية تأكيداً من جانبهم على رغبتهم في التغيير والانتقال إلى وضع أفضل، حيث أن حوالي إثنين ونصف مليون مواطن ليبي تسلموا بطاقاتهم الانتخابية مع الأخذ في الاعتبار أن عدد المواطنين المسجلين وتم إصدار بطاقات لهم اقترب من ثلاثة ملايين مواطن إلا قليلاً، وأعتقد أن هناك ضرورة أن يقف الجميع عند رقم الليبيين والليبيات الذين تسلموا بطاقاتهم نظراً لأنه يعبر بصدق عن طموحات الشعب الليبي وعدم رضائهم عن استمرار الوضع الراهن إلى ما لانهاية".
ورأى إبراهيم أن قراءة الأوضاع الحالية في ليبيا تقود إلى أن هذه الأزمة بمعطياتها الراهنة سوف تظل تتراوح بين طرح مبادرات وتنافس شخصيات وتصفية حسابات وقد تصل إلى توترات أمنية غير محسوبة، ومن المؤكد أن هذه الأوضاع لن تصب في صالح الشعب الليبي، ومن ثم تثور التساؤلات حول كيف يمكن تغيير هذا الواقع الحالي؟ ومن الذي يملك القرار ويمتلك مفاتيح الحل ؟ ومن هو الطرف الأكثر حرصاً على المصلحة الليبية ؟ وأين دور الشعب الليبي؟ وهي كلها أسئلة مشروعة لاسيما في ظل التخوف من طول أمد هذه الأزمة دون حل وبالتالي تتزايد التدخلات الخارجية والتعقيدات الداخلية ونصل إلى طريق مسدود نحتاج إلى عشر سنوات أخرى للخروج منه .
كما رأى أن الأزمة الليبية أصبحت في مفترق طرق بعد هذه السنوات والأحداث والتطورات والعقبات التي لم تعد خافية على أحد.
وشدد على أن القيادات الليبية المسئولة عن اتخاذ القرار في ليبيا مهما تعددت مؤسساتها وتوجهاتها فمن المؤكد أنها كلها قيادات وطنية وأصبحت مطالبة الآن بأن تنحى كل الخلافات جانباً وتحاول الاتفاق جميعها وقدر المستطاع على رؤية موحدة لإنقاذ ليبيا من مصير سوف يكون مجهولاً بالفعل.
وقال إن أصحاب القرار الليبي يجب أن يكونوا على قناعة كاملة بأن التدخلات الخارجية لن تكون في يوم ما حريصة على المصالح الليبية وأن كل ما يهمها في المقام الأول مصالحها الاقتصادية والأمنية فقط ولو على حساب ومستقبل الشعب الليبي ومؤسساته وقياداته.
وأكد ضرورة أن تكون هناك قناعة ليبية بأن المبادرات التي يتم طرحها من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية هي مجرد رؤى للمساهمة والمساعدة في التوصل إلى الحل، ومن ثم يمكن الاستفادة من هذه المبادرات كلها أو بعضها ما دامت تصب في صالح الشعب الليبي.
وأضاف أن التوافق بين القيادات الليبية أمر ليس مستحيلاً حيث إن الواقع يشير إلى أن هناك توافقات قد حدثت مؤخراً لم يكن أحد يتصور أن يتم التوصل إليها، إلا أن المطلوب أن يكون التوافق القادم شاملاً للجميع مادام الهدف الأسمى هو ليبيا ومستقبلها وليس أي هدف آخر مهما كانت مميزاته، وأن ليبيا لن تنهض إلا بتضافر الجميع دون استثناء أحد إلا من لا يرى أن مصلحة ليبيا هي في المقام الأول والأخير.
وأضح أن الحل (الليبي / الليبي) سوف يظل يمثل المخرج الوحيد لحل الأزمة الليبية، وقناعتي أنه ليس من الممكن أن يكون هناك حلاً آخر غير ذلك، وفي هذا المجال لابد أن أشير إلى أنه عندما طرحت مصر ما يسمى بإعلان القاهرة في يونيو2020 كان العنوان الرئيسي لهذا الإعلان أنه مبادرة ليبية / ليبية وليست رؤية مصر أو أي طرف آخر.
واستطرد أنه "بالتوازي مع هذا التحرك القيادي فإن الشعب الليبي بكافة مكوناته الوطنية أصبح مطالباً بأن يكون له دور رئيسي خلال المرحلة القريبة القادمة وعليه أن يكون أكثر فعالية داخل كافة المؤسسات التي تمثله وأن يتحرك تحت عنوان واحد وهو الإسراع بأن تعود ليبيا الدولة الوطنية القوية الموحدة المستقرة وأن يقفز الجميع على خلافاتهم وعلى مصالحهم أياً كانت من أجل المصلحة الليبية العليا".
وأكد أن مثل هذا الحراك الشعبي السلمي سوف يجبر أيا من أصحاب المصالح من جهة والقوى الخارجية التي تسعى لتأمين مصالحها فقط من جهة أخرى على أن تنصت لهذا الصوت الوطني الموحد وسوف يعلمون أن الشعب الليبي هو صاحب القرار الأول وصاحب المصلحة العليا، وهو الأمر الذي سوف يدفع القيادات المتصارعة إلى أن تتخذ قراراً موحداً بالتوافق على الأسس اللازمة لحل الأزمة بالشكل الذي يحقق مصلحة الشعب الليبي سواء بالنسبة لتوحيد المؤسسات أو الاتفاق على توقيت الانتخابات أو موضوع الدستور أو غير ذلك من القضايا التي ليس من الصعب التوافق عليها ما دامت هناك إرادة قوية للتوافق ، وفي هذه الحالة سوف يقف المجتمع الدولي احتراماً للشعب الليبي وسوف يقدم له طواعية كل المساعدة الممكنة ولكن بعد أن يكون الليبيون قد اتخذوا قرارهم بأيديهم .
ودعا إبراهيم الأشقاء الليبيين إلى التوافق العام بين الجميع وبدء مرحلة تاريخية جديدة نستطيع أن نقول بعدها بأن الأزمة الليبية وجدت أخيراً طريقها للحل بعد أن قرر الليبيون أن يكون مصيرهم ومستقبلهم المشرق في أيديهم وبإرادتهم وليس في أيدي أي قوى أخرى.
وجدد التأكيد على أن مصر سوف تظل في كل وقت العون والسند للشعب الليبي الشقيق، مناشدا كل مواطن ليبي شريف أن يستعيد قراءة كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي التى ألقاها أمام مؤتمر باريس حول ليبيا في 12 نوفمبر 2021 عندما خاطب الشعب الليبي مؤكداً أنهم أحفاد عمر المختار وعليهم أن يستلهموا عزيمة الأجداد من أجل الحرية والاستقلال وبناء الدولة بإرادة ليبية حرة.