على عينى بكت عينى .. على روحى بكت روحى .. على قلبى بكى قلبى ، وأى عين أنت وأى روح أنت وأى قلب كبير يحوى العالم أنت بطيبته وحنانه وأمانه ودفئه وحميمته وتضحيته ونبله وكرمه وإحساسه المتدفق كالنهر فى تمام عطائه
اها يازهر الرمان والمكان والزمان .
اها يا صدى صوتى الذى كان عذبا، شجيا بك ، يزقزق كعصفور الكناريا فى حديقتك الطيبة الوارفة ،الدافئة بأبيض الحمام وأخضر الريحان ، ويدا حانية تمسك رقتها بياسمينات يانعات .. تشبيهينها فى رائحتهن الذكية الفواحة.. لكم تكرر هذا المشهد مرارا وكأنك خلقت من أجل العطاء أو كأنك زهرة ترافق زميلاتها فى تحد وكبرياء.
اها يا زهر عشق الحياة ، حتى وهو واقفا على عتبات الفراق ، قريبا من أظافر الموت، لكم كانت قاسية وحادة تلك الأظافر ،حينما غرست بكل قوة فى جسدك الواهن الضعيف .
أمى ...اعتذر اليك بشدة وبكل ما لدى من أسلحة الاعتذار والاحلام الواهية ،التى لطالما وقفت حاجزا باعدا بينى وبينك .. أعتذر عن تقصيرى فى رؤيتك وزيارتك الأحب إلى قلبى من دون البشر .. أعتذر عن جفائى وضمتنا بعد غياب واشتياق ،عن دموعك الساخنة حينما كانت تلاطم وجهى ، فارتشف وهجها فى روحى بكل رضى ومحبة ،عن يداك المرتعشتين اللتين كانتا تحاولان جاهدة أن تستعيد قواهما أمامى، وأن تجيد نفس الأداء الذى تركتهما عليه قبل سفرى من شهور اقتربت من السنة ،لكن هيهات فقد سكنهما الألم والوهن حزنا على فراقى المتعمد وغربتى المدبرة وقلبى الذى استبدل حنانه بلون القسوة والدم.
اعتذر بكل ماعهديته فى من محبة لا نهاية لها ،لا مثيل لها ..زلاتتكر ابدا الابين قلبينا يا زهرالرمان
اعتذر عن اننى لم اسمعك منذ فترة اغنيتك المفضلة التى تحبينها بصوتى ، فيخرج صوتك من وطأة المرض والموت فجأة ،خافتا مكررا "صوتك حلو ..غنى تانى تانى"،حتى وأنت تتعذبين بين يدى الموت تجاهدين من أجل إسعادى ورسم البسمة على صدرى.
"ياوابور قولى رايح على فين " اها هذه أغنيتك المحببة وهذا هو الوابور ..أخذك بلا رجعة، سافرت معه وحدك دونى وتركتينى وحيدة وحيدة، أقاسيك ،أعانيك ،أناجيك ،أعاتبك لما الرحيل المبكر وأنا هنا اكتسى كل يوم بحرقة الفراق والمغيب
اعتذر عن إهمالى فى رعاية رياحينك وتلك الزهرة القرمزية الحزينة المطلة بانكسارة نحو وجه النيل الصبوح ،الذى يسأل عنك دائما ونسماتك التى كانت تداعبه فى استحياء ،لكم كنت تعشقين هذه الزهرة المرمرية
أمى أعتذر لك بكل مافى العالم من أسلحة الإعتذار والامتنان ، لتوهمى أن المال قادرا على توفير الرعاية الطبية الأمثل اتقانا وأداء وفعالية ونجاحا ، فحملتك على أجنحة قلبى وذهبت بك إلى تلك المستشفى التى لطالما يحكى الناس عنها بانبهار والتى فتحت باب الموت على مصراعيه ليستقبلك بكل ترحاب سريعا ،وكنت اظنها الملاذ ، لرغبتى الملحة فى تمنى الشفاء لكى.
هل تتذكرين .. رقم غرفتك ال"12"وتلك الممرضة الطيبة التى أظهرت حنينا إليك وبعض الرحمة نحوك ، وآخرى خلت من كل الحنين والشفقة.
هل تتذكرين .. مدى تحملك والأمك ،حينما كن ملائكة الموت لا الرحمة ، يقلبك يمنيا وشمالا وكأنهن يجهزونك للعب بالدورى الأوربى ، بالرغم ما فى جسدك من ضعف ووهن وقرح الفراش المؤلمة .
هل تتذكرين .. حينما دخلت بمفردك تلك الألة المخيفة التى تشبه التابوت ،لأجراء أشعة على رأسك الجميل
اها من تلك اللحظة الأكثر إيلاما ووجعا وتعبا وقسوة .. صرخت فيها وكأنك لم تصرخين من قبل يا أماه.. أى قلب طبيب تحمل أن يدفع بتلك الحقنة العملاقة الشيطانية فى أروع ما فيك وهو "مخك" ليأخذ عينة يحدد فيها كم بقى على أيامك من حياة
هل تصدقين يا أماه أنه فعل هذا دون تخديرك ..وأنت يا سيدة الرقة والإحساس كنتى لا تتحملين مشهد جرح أصبعك والدماء تنزف منه، هل تذكرين معى صوتك حينما كان يهدر ويصرخ ،حتى أن حباله ، قطعت كل جبال الصمت المحيطة بنا وأذانى وأختى الصغيرة سحر ومن قبل قلبينا الغارقين فى الفيجعة والأسى ..هو لم يكن صوتك ساعتها كان ..هو صوت الموت يطلق نفيره ونحن نيام.
أسألك بحق الله وجلالته .. يا من كنت تسهرين الليل ولاتنامين أبدا حتى تصلين فجرك .. هل كنت من عذبك وسلمك لقلوب قاسية وأيدى صلبة كالحديد .. لأعرف من الرحمة إلا لباسا أبيض يتشارك فيه الطبيب مع الممرضة مع شبح الموت .. وجوها واحدة للون واحد .. أبيض واحد .. إلا وجهى أنا كان خاليا من أى حياة يطل عليك فى صمت العتاب.. كان كل هذا يا أماه هى النهاية الحتمية المؤلمة ..الفراق الجحيم ..أجلا أم عاجلا هو الرحيل.
أمى اسألك بعد كل هذه سنوات الغياب الطويلة ..أسالك غموضا منك لم اتعوده.. لم اعرف تفسيره حتى الآن .. ما السر فى إلحاحك وتكرارك يا حبيبة من وقت لأخر فى أن أحضنك بقوة وأنت تغوصين بفراش الموت؟
حتى أنه كان أخر كلامك التى نطقت بها هو أحرف اسمى .. من بعدك لم تعد زاهية بالهاء..ولا غارقة فى توهمات الياء ولا عاشقة لرغبات الحاء
أمى .. سأهديك فى عيدك زهرة البنفسج .. لطالما عشقت لونها فى ثيابك وحزنها فى قلبك .. سأتيك بزهرة وشمعة وقلبى الذى رحل معك .. يا كل الأمهات .
أمى.. لن اتركك وحيدة اليوم .. بقبرك ..تحتفلين به بمفردك ثانية دونى .. سأمسك بصفاء روحك وبهاء صفاتك واقتبس النور من ذاتك، دمتى لى وهجا وزادا دافعا للقائك سريعا .. يا من دونك الحياة ما باتت حياة.
إهداء الى روحك .. حينما تدغدغ انفاسك روحى فى زهو وفرح.