يا دموعى كم هربت منك.. تذكرينى بأنى وحيد لا أجد حضنا ألقى بك عليه.. فأعانق نفسى وروحى وقلبي.. وكلما قلت لك سامحينى أريد أن أخفيكي.. تتساقطين سريعا.. تهاجمينني.. تخرجين من محبسك.. تودين الفرار وتنسين أن مسكنك قلبى وروحي.. تعاتبيننى وتذكريننى بمرات زياراتك لي.. فتقولين ألست من خرجت من عيناك وقت نجاحك وتحقيق أحلام مستحيلة.. ألست من رغبت فى أن تقدمها لأقرب الناس إليك كى يمسحوها بحنوهم ورحمتهم .. ألست من تخرج خشوعا وتضرعا فى صلاتك ودعائك.. لا تخجل منى فأنا أنسك فى وحدتك وأنا من تجعلك لست وحدك.. مرحبا بك يا دموعى صديقة أشفق على من أحد سواك.. فكم أحتاج أن أبكى لروحى وعلى روحي.
نختلى بأنفسنا فى أحاديث مضطربة.. نواجه ذواتنا فى لقاءات كاشفة قد يدفعنا الصمت فيها لأحاسيس ومشاعر طالما أجلناها أو حتى هربنا منها لفترات طويلة ولكن مهما حاولنا لن تشفع معها محاولات التأجيل أو حتى الهروب.. فالجروح النازفة داخل نفوسنا لا تكف عن مطالبات الخروج من قسوة الألم المكبوت الذى تفشل معه كل محاولات التسكين الواهية.. ومتى خرجت تجد الدموع واقفة على بابها تراقب ظهورها فتنهمر أو حتى تكون فى صورة لؤلؤات من الدموع الساخنة التى تكتر حوادث وصدمات كانت من زمن قصير أو طويل فتمثل لحظات من الانهيار أو أخرى صادقة تنقى أنفسنا وتريحها.. فلا تمنع نفسك من مصاحبة دموعك فقد تكون طبيبك الداوي.. وفرصة للتنفيس عن الآلام والجروح.
فيحلو لنا حينما نختلى بأنفسنا أن نبوح بدموعنا المصاحبة لذلك الألم والجرح فقد تكون دموعنا الثمن الذى ندفعه مقابل ما اقترفناه من خطيئة فى حق أنفسنا أوحتى ثمن للبراءة والسذاجة التى دفعت بنا لأن نصبح ضحايا.. فنطهر نفوسنا بمعاقبتها.
فنقابل أنفسنا على فترات لنلقنها دروس العقاب والتطهر من الآثام.. فتجرى دموعنا على وجوهنا وربما بللت ملابسنا أو حتى وسادتنا لنستيقظ محاولين أن نستجمع قوانا ونرسم ملامح الثبات والصلابة حتى نخوض معاركنا وربما انكساراتنا الجديدة فنعاود دائرة الوحدة فى لقاءات لاحقة لتصبح الدموع الثمن وعنوان النضج.
وقد تكون لحظات وداع لفترات غالية من حياتنا إنفض فيها الأهل والخلان والرفقاء عن طريقنا فأصبحنا وحدنا بعدما كانوا لنا بمثابة الدفء والعطاء وبزوالهم انكشفنا ولازمنا الصقيع.. فنمضى وننسى محاولين مقاومة كسر أنفسنا بعدما أصاب الفراق أرواحنا بالعطب فنهرب من لحظات ننفرد فيها بأنفسنا تذكرنا بهم.
فهى الوحدة التى تفتح علينا طريق الاحتياج لكل شىء ولكل أحد فتخلق حالة شعورية تجعل الإنسان فى أشد الاجتياح أن يحتضنه أحد ويهون عليه دموعه ولو بكلمة واحدة.. تهون عليه عذابات وخطايا وجهل وغفلة فيحتاج معها لاحتواء حان ولحظات دافئة ترمم انكساراته وهزائمه وتقول له لست وحدك.
وقد تشتد عذاباتنا كلما شعرنا بالوحدة وأننا سنكمل الطريق بدون من نحب وتقول لنفسك أليس من الأجدر أن تسير حياتك وحدك من البداية.. تعانق روحك وقلبك وفكرك ولسان حالك يا ليتنى حطمت صخرة من أسندت ظهرى عليه وأكلمت حياتى وحيدا كما خلقت وحيدا فلا اتمزق فى مسيرة حياتي.. وتحاول أن تعود نفسك ألا تنظر للوراء.. لكن هيهات هيهات فلابد من لحظات تتآمر فيها نفسك مع دموعك لتحضر إليك كالشوكة الثابتة المزروعة فى قلبك التى تؤلمك وتنتزع منك لحظات من حاضرك كان أولى بك أن تسعد بها.. ليصبح عليك أن تتشاغل وتقضى على الفراغ المدمرالذى يذهب بك لوحدة تشتد عليك فيها أوقات الضعف والألم فى قسوة تجعل دموعك منهمرة!!
فنعيش الحياة بحقائق وأشياء متى فقدناها يختل توازننا نشعر معها بالوحدة وأن ظهورنا انقصمت ولم نستطع أن نكمل مسيرتنا فيها وننسى أن ارتباطنا بالأشياء والأشخاص والأمكنة ما هى إلا حقائق مستعارة.. حتما سينفك هذا الارتباط بيننا وبينهم فى يوم من الأيام فى عالم زائل فاني.. لكننا نرتبط وننفصل وتهاجمنا الوحدة وتسكنا الكيانات الفارغة التى تهدم فينا.. كلنا نبحث عن عكاز نتكئ عليه ومتى وجدناه وفقدناه نبحث عن غيره.. لتدمرنا الوحدة حتى ولو اختلينا بأنفسنا نبحث عن التكامل خارجها ونطلب العون والمدد من أناس آخرون وننسى أن نطلبه من المولى عزو جل فهو المستعان فتتمزق قلوبنا ونبتعد عن السكينة والطمأنينة.. فالانفصال عن المولى عز وجل يشعرك بالاحتياج الدائم بالبشر والأشياء والأماكن الذى لا يمكن أن يتم ملؤه.. أما الاتصال بالله يمنحك الطمأنينة فهو كاف عبده ولديه خزائن كل شىء قد تصل لهذا الإيمان عندما تختلى بنفسك وقد تهاجمك أحزانك فتزداد تخوفا واحساسا أكبر بالوحدة فتستسلم لآلامك الداخلية أكثر وأكثر فتفقد خارطة الطريق فتجدف عكس تيار الحياة فيصيبك الإحباط.. وتسأل دائما عن طريق السعادة وتنسى أن السعادة طريق لتحقيق أمانيك فى واقع نتساوى فيه جميعا يختلف كل منا فى معناه ومفهومه فما تراه صعبا قد يراه غيرك سهلا بسيطا.. وما تراه نعمة قد يراه غيرك نقمة.. فتبحث عن الطريق خارجك وتنسى أن خارطة الطريق ومفتاحه داخلك انت وحدك.. وتبحث عن الحظ وتنسى أن الله خلقنا متساووين فى الأرزاق سبحانه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.. فتنسى أن تحيا حياتك فى محاولات ممتعة ما بين عمل وهدنة وجهاد وصبر لتحاول وتحاول فى حكايات يتشابك فيها الزمان والمكان تعتمد عليك وحدك نسير فى حياتنا ونسعى لندرك ما نصبو إليه فنخوض المعارك ونتشاغل ولكننا نذهب للهدنة والاستراحات والوحدة لتذكر ما حملت به أنفسنا من ذكريات لأمور ماتت فتصاحبنا الدموع ذلك الضيف الذى قد نرحب به وقد نهرب منه فى كميات متناقصة متى تفرغت منها فإنها تنتهى وتستطيع أن تراقب نفسك فى أعقاب أحزانك لتجد أنه حينما يطول حزنك فإنها تقل حتى تنعدم ولم يعد لديك القدرة على استدعائها ..ولكنك تشحنها وتعود للظهور بعد فترة وهكذا فعلاقتنا بالدموع لا تنقطع حتى ولو أخفيناها.. كما أنها معدية ترحب بالتشارك الوجداني.
ويتساوى الرجل والمرأة فى علاقتهما بالبكاء.. لكننا نحكم على الرجال بألا يبكوا ونحرمهم من متعة الراحة النفسية المصاحبة لها المعبرة عن قوة الأحاسيس وشجونها.. فالمشاعر والأحاسيس واحدة عند كلا الجنسين والتحكم فيها عن طريق العقل هو معيار الاختلاف بين شخص وآخر، وإن كان هناك فروق فردية من تغليب العقل على المشاعر بين الرجل والمرأة حيث تميل المرأة للحكم على الأمور بالمشاعر أكثر من العقل ولكن هذا لا يمنع من صدق حدسها أكثر من الرجل.. وهذا لا يقلل من قدرات الرجل ولكنها فروق فردية.. وليس صحيحا أن الدموع سلاح المرأة فى التأثير لكنها محظوظة بألفة السماح لها باظهارها أكثر من الرجل .. فقد تكون الدموع دليل على رقة القلب ورأفته وقد تكون حاجة صاحبها إليها لا تقل عن حاجة من يشاركه التعاطف الوجدانى فى احتضان دموعه.. فغالبا لدينا كلنا نفس الآلام والشكوى والأحزان.. وحتى فى الافراح.. صحيح لسنا كلنا مثل الجميع لكن تأكد أنك شبيه لكثيرين فلا تخجل من دموعك التى جعلها الله لك رحمة ورأفة.. ولا تسخر من دموع غيرك فلا تعلم حجم معاناته.. وكن رحيما بغيرك فالله لا يضيع أجر من يتراحم مع غيره.
وتتقدس دموعنا لدرجة تحفظ عين صاحبها من عذاب النار اذا ما تساقطت فى العبادة دليلا على خشوع القلب والروح فى استحضار الله بقدرته وعفوه.. فهى دموع لا تعرف النفاق ولا المواراة.. وأخرى تتساقط من أعيننا فى أعز لحظات تحقيقنا لأهدافنا ونجاحاتنا فنتقبلها بقبول حسن فهى الرحمة التى تخرج من قلوبنا.
لتصبح الدموع رفيقة دروبنا تنعى نعوش ذكرياتنا التى سكنت نفوسنا فنخرج لحياتنا وسعينا لنصعد ونهبط وتلازمنا أيضا وكأنها أبت أن تتركنا ليكون لسان حالنا هى الحياة التى جمعت بيننا نحن والدموع وإحتياجنا للحضن والدفء.. نكابر ونقاوم لنطمئن.. نعاود المسير لكننا نعود مرات ومرات.. منها حينما نفشل فى لقاء من نحب أويتعذر اللقاء بيننا فلا نجد من يفهمنا فتأتى إلينا الدموع زاحفة علينا.. موجودة داخلنا مثل السحب المحملة بالمطر تنتظر لحظة سقوطها لنرتاح أو يزيد شقائنا وعندها تقول لست وحدى لأكون أنا ونفسى ودموعى هى الحياة ودونهم هوامش الحياة.
ليظل السؤال الذى يلازمنا.. لماذا كلما اختلينا بأنفسنا نبكى وتعرف الدموع طريقنا.. باختصار لأننا نتذكر مالم نستطع أن ننساه.. أو لأننا لا نقدر على المسامحة أو لأننا نبكى أنفسنا التى طالما اخفيناها عن الآخرين.. فقد تكون دموع الخيبة والخذلان.. وقد تكون دموع الشوق والاحتياج وقد تكون دموع الفراق على من رحلوا.. وقد تكون دموع الحلم الضائع والعمر الضائع بعدما أهدرت سنوات العمر الثمين.. فركبنا القطار الخطأ وعندما وصل محطته الأخيرة علمنا أن الأوان قد فات ولم يعد لدينا ما نبكى عليه..هو أى من ذلك أو كل ذلك..فهو ذلك البكاء الرثاء لأنفسنا الضائعة التى عجزت عن بلوغ أمانيها بعدما ضاقت بها الدروب.. فتعثرت فى إكمال طريقها بدون معطف يدفئها وصخرة تتكئ عليها.. وحدها وحدها بنفس وقلب عليل لم يعد يقوى على العناق ولم يعد لديه دموع للفرح فقد جفت من جراء كثرة سقوطها.