أصدر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بياناً يطالب فيه بضرورة إحياء فتوى سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه والمسماة بفتوى الكد والسعاية، نصرة وحلاً لمشكلات شريحة كبيرة من نساء مصر، حيث تشارك المرأة زوجها فعلاً وسعياً فى جمع الثروة وتحرم من حقها فى نفس الثروة.
ففى عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، توفى عمر بن الحارث الذى كان زوجاً لحبيبة بنت زريق. وكانت حبيبة نسّاجة طرّازة ماهرة، وكان زوجها عمر بن الحارث يتاجر فيما تنتجه وتصلحه حتى اكتسبوا من جراء ذلك مالاً وفيراً، ولما مات الزوج وترك المال والعقار فإن أولياءه تسلموا مفاتيح الخزائن ولم يعترفوا بحق الزوجة فى جمع تلك الثروة، فنازعتهم الزوجة فى ذلك، وحين اختصموا إلى سيدنا عمر بن الخطاب قضى لها بنصف المال كشريك فى جمعه وبالإرث فى النصف الباقى؛ لأن الزوجة كانت شريكة لزوجها فى صناعة تلك الثروة، حيث كانت تنسج وتصنع وهو يسوق ويبيع.
تصريحات فضيلة الإمام الأكبر من الأهمية بمكان عظيم، لأنها فتحت باب الاجتهاد فى المسائل الفقهية ذات الطابع الاجتماعى، فضلاً عن كونها دعوة للنقاش حول تكييف تلك المسألة وفق الواقع المصرى.
ثم كانت حالة كبيرة من الجدل بعد تصريحات شيخ الأزهر حول تفاصيل تطبيق هذه الفتوى.
ذهب البعض بخياله إلى محاولات نسخ ما هو معمول به فى الغرب من استحقاق الزوجة نصف ثروة زوجها عند الوفاة أو الطلاق.. بينما تساءل الكثير عن التفاصيل.
والحقيقة أن المجتمع المصرى الآن يُعانى من توتر شديد بسبب اختلال منظومة العدل الأسرى والاجتماعى، ورغم أن الخاسر الأكبر فى هذا الخلل هو المرأة فإن هناك فئات أخرى تعانى من هضم الحقوق بعادات وتقاليد وجور داخل الأسر والعائلات.
ففى بعض المناطق مثلاً تشارك المرأة زوجها فى زراعة الأرض أو فى تجارة بالسوق، وتساهم بذهبها وميراثها فى رأس المال، وبحكم العادات والتقاليد لا يتم تحرير عقد شراكة رسمى بين الرجل والمراة، فتبقى الثروة كلها باسم الرجل، وعندما يتم الطلاق يساومها حتى على مؤخر صداقها فى مقابل تسريحها بالمعروف، وتخرج من هذه الحياة عاجزة وفقيرة، وربنا لا تجد منصفاً.
وهناك أيضاً فى بعض المناطق بحكم التقاليد تنتقل الثروة بعد موت الرجل إلى الابن الأكبر ليديرها ويتم تأخير توزيع الميراث عقوداً وعقوداً، حتى يموت الورثة دون الحصول على ميراثهم! فضلاً عن حرمان البنات من الميراث أو شراء حقوقهن بثمن بخس.
وهذا يدفعنا إلى ضرورة مناقشة كيفية ترميم منظومة العدل الاجتماعى فى إطار الواقع المصرى، وليس فى إطار منظومة القيم الغربية كما ينادى البعض.
ذلك بأن الكثير من المثقفين فى تلك الفترة يعلو صوتهم بضرورة استنساخ منظومة القيم والقوانين الغربية وتطبيقها فى الواقع المصرى دون أى اعتبار، لأن مشكلات المرأة تحديداً فى المجتمع سببه الإسلام أو بعض التشريعات المأخوذة عن الأحكام الشرعية!
والحقيقة التى لا مراء فيها، أن المجتمع المصرى لن يكون يوماً مجتمعاً غربياً، كما أن المجتمعات الغربية لن تكون يوماً مجتمعاً مصرياً، وذلك بحكم التاريخ والثقافة والهوية.
والحقيقة أن مشكلات المجتمع المصرى ليست نتاجاً عن الإسلام وتعاليمه، ربما جزء منه ناتج عن التدين المشوه الذى عانينا منه سنوات وسنوات، أما رسالة الإسلام مع المرأة فواضحة وضوح الشمس، لقد أكَّدَ الإسلام احترامَ شخصيَّة المرأة المعنَوية، وسوَّاها بالرجل فى أهلية الوجوبِ والأداء، وأثبت لها حقَّها فى التصرُّف، ومباشرة جميع الحقوق، كحقِّ البيع، وحقِّ الشراء، وحقِّ الرهن، وكل هذه الحقوق واجبةُ النفاذ.
ولقدْ أطلق الإسلامُ للمرأة حريةَ التَّصَرُّف فى هذه الأمور بالشكل الذى تُريده، دون أيَّةِ قيود تُقيِّد حريتها فى التصرُّف، سوى القيْد الذى يقيِّد الرجل نفسَه فيها، ألا وهو قيْد المبدأ العام: ألاَّ تصدم الحريةُ بالحق أو الخير.
قال تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: 32].
وجعل الإسلامُ للمرأة حقَّ الميراث، ولم يكن لها حقٌّ فيه قبل الإسلام؛ قال - تبارك وتعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أو كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: 7].
والمرأة لها صَداقها كاملاً، جعَله الشرعُ لها، وهى مالكةٌ له لا يُشارِكها فيه أحَد، قال ربُّنا - جلَّ ذِكْرُه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19].
وحَكَم الشَّارع الحكيم بأنَّه لا يحقُّ للزوج مِن مال زوجه شيء، إلا إذا أعطتْه منه شيئًا عنْ طِيب نفْس منها، يقول ربُّنا - سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أو يَعْفُوَ الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 237].
وما أجملَ قولَ أمير المؤمنين الفاروق عمرَ بن الخطَّاب - رضى الله عنه: "والله إنْ كنَّا فى الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهنَّ ما أنزل، وقسم لهنَّ ما قسم" رواه البخارى.
وفتوى سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه هذه المسماة بالكد والسعاية، لخَيْرٌ دليل على أن المرأة فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر أصحابه، كانت فى السوق وفى كل ميادين الحياة، وكانت تأخذ حقها دون نقصان بالكتاب والسنة والقضاء وإنصاف ولاة الأمر، فكيف يتم اتهام الإسلام أنه ظلم المرأة فى هذا الجانب، وهو قد أنصفها فى كل الجوانب؟
وبشأن إصلاح الشأن الاجتماعى المصرى أقترح العمل على تقنين إجراءات جديدة غير تقليدية لترميم العدل الاجتماعى بشكل شامل - وليس بشكل جزئي- فى إطار الواقع والهوية المصرية، وتستطيع النخبة المصرية النقاش حول هذه الاجراءات وتأطيرها تأطيراً مناسباً وقابلاً للتطبيق حتى يسهل على صانع القرار اتخاذ ما يراه مناسباً فى هذا الشأن.
وهناك مسائل كثيرة تحتاج إلى هذا الترميم. منها على سبيل المثال وليس الحصر "رؤية الأطفال" بعد الطلاق! ونفقتهم، ومدة التقاضى فى الدعاوى الخاصة بالطفل الخ..
ومنها مسألة الكد والسعاية عندما تشارك الزوجة زوجها فى تكوين الثروة
ومنها قضية ميراث النساء والأطفال الخ..
والله المستعان