الجمعة 17 مايو 2024

مصر والأزمة الروسية الأوكرانية

مقالات23-2-2022 | 16:20

روسيا شريك أساسي من ضمن شركاء الدولة المصرية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، مهما كانت الاختلافات، التي تصل لتناحرات في أوقات ما، وأوكرانيا هذه الدولة الوليدة من رحم تفكك الاتحاد السوفيتي التاريخي، هي شريك لمصر، "ونأكل منها عيش بمعنى الكلمة"، فهي المصدر الرئيسي لاستيراد القمح لمصر، ونغطي بالقمح الأوكراني عجزًا يصل لـ50%، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد فالسياحة الروسية والأوكرانية تقدم مددًا مهمًا للخزانة المصرية، واستخدمتها موسكو كورقة مساومة لفترة طويلة، في أعقاب سقوط الطائرة الروسية في الأجواء المصرية.

هذا بشكل مباشر، تقدير مقتضب للموقف بالنسبة لنا، حتى يعرف من يسأل أين مصر من الأزمة الروسية الأوكرانية، فأغلب الدول غير المتورطة بشكل مباشر وغير مباشر، في الأزمة منشغلة بهذا التساؤل، ونخبتها تتمنى أن يتبلور موقف لدولهم حيالها، خاصة وأنها تحمل عنوان "الحرب العالمية الثالثة!".

لكن، عن نفسي، لم يعد يبهرني هذا العنوان، لأنه يردد مع كل أزمة عالمية بل وإقليمية، لكن الأمر غير اعتيادي بشكل كبير مع هذه الأزمة الخطيرة، وسيكون للطرف الثالث المجهول دورًا في تحويلها لحرب لو اندلعت بالفعل، فليس هذه أجواء التناحر الإيراني الإسرائيلي، المستمرة منذ نحو خمس سنوات، وتركز على المواجهة غير المباشرة أو السيبرانية والدبلوماسية في الغالب، وليست أيضًا أجواء حرب ناجورنيكرباخ ولا أجواء الربيع الكازاخي التي واجهتها روسيا على الفور في مهدها، ولا هي أجواء الحرب الإثيوبية التيجرية، ولا أجواء التناحر الجزائري المغربي!.

فهي أجواء خاصة جدًا، تكاد تكون هي الوحيدة التي يمكن وصفها بالحرب العالمية الثالثة، بالإضافة طبعًا لأزمة تايوان، التي تشتعل ما بين حين وآخر، وتشبه أوكرانيا بالفعل تايوان، كونهما الأداة الأمريكية لابتزاز واستفزاز عدويها روسيا والصين!.

لكن لا يمكن أن يتم تشبيه أزمة أوكرانيا بالأزمة التي وصلت لذروتها في هونج كونج منذ عامين، وكاد النظام الصيني يسقط فيها، لكن يمكن أن تكون هي نفس النموذج الذي واجهته روسيا في كازاخستان، مع اندلاع الاضطرابات الدموية هناك منذ نحو الشهر.

بشكل عام، الإسقاطات متشابه في الاستفزازات الأمريكية للصين وروسيا، واختارت إدارة بايدن أن تكون المواجهة بشكل مباشر مع عدويها، الصين وروسيا، مع التهدئة مع الإيرانيين، بحجة توسعة حلف الناتو ناحية الشرق، لتكون في كييف الأوكرانية قاعدة للحلف المعادي للروس، كاشفة كل النقاط الروسية، ومؤهلة لهجوم مفاجئ على روسيا في أي وقت، الأمر الذي ترفضه روسيا بالمرة، وتعتبره تهديد مباشر لها.

وبعد بعض الإيضاحات السريعة للأزمة، من حقنا جميعًا أن نسأل أين مصر من ذلك كله، بالذات بعد الاعتراف الروسي بالجمهوريتين الانفصاليتين عن أوكرانيا، لكن بالتبعية، يجب أن يكون هناك تقدير موقف حقيقي لا متسرع لهذه الأزمة المعقدة، التي تربك كل الأطقم المخابراتية والدبلوماسية والسياسية والاستراتيجية بأغلب الدول المحورية إقليميًا وعالميًا، لبلورة موقف حيالها.

ومن الممكن جدًا أن نلعب دور المفاوض، أو حتى الداعي لضبط النفس والاستقرار، لكن السكوت سيكون مُضرًا بشكل كبير، ومن حقنا أن نتعامل مع الموقف، كما تتعامل معنا روسيا وأمريكا في أزمة السد الإثيوبي، ويكون الدهاء هو الحل في مثل هذه التوترات، خاصة وأن مصادر القمح البديلة أوربية في الغالب أو من المعسكر الأمريكي، مثل فرنسا وكندا، لكن مصر دولة كبيرة والأمر وصل لمجلس الأمن، ومؤثر بشكل كبير على العديد من النقاط الاستراتيجية المتماسة معنا، منها مصادر الغاز العالمية، وعلقت قطر من خلالها، بقولها إنه لا يستطيع أحد أن يكون البديل للغاز الروسي في أوروبا، وفعلت مثلها إسرائيل، التي كانت تحلم بوصول ما تعتبره غازها لأوروبا، وكل هؤلاء وغيرهم حلفاء أمريكا المباشرين، لكنهم لا يستطيعون إغضاب روسيا، وتؤكد إسرائيل مرارًا وتكرارًا أنها لا تزال تدرس موقفها من الأزمة، وترفض أن تعلن موقف داعم لهذا أو ذاك، رغم أن الرئيس الأوكراني يهودي، وطلب منها منظومات دفاعية، بل وأمرت وزراءها بعدم التصريح علنية بأي موقف حيال الأزمة، حتى لا تغضب روسيا أو أمريكا!.

الأمر في غاية التعقد بالطبع، لكن في المواقف الصعبة، تظهر القوى العالمية والإقليمية، ولا بد أن يكون لنا تواجد ما. 

وكان لمصر موقفًا قويًا في أزمة الأولمبياد الشتوية الصينية التي هاجمتها أمريكا، بل دعت لمقاطعتها دبلوماسيا، لكن بسبب المصالح المصرية الصينية، المتماسة مع أمن قناة السويس والأمن المائي، كان لمصر موقفًا قويًا داعم للصينيين، وذهب الرئيس السيسي لبكين لدعم الصينيين، رغم أن هذا يغضب واشنطن المهاجمة لنا في الملف الحقوقي بالذات، بشكل أو آخر بالطبع، إلا إننا اخترنا الأصلح لنا بمنتهى الشجاعة.. حمى الله مصر.