الإثنين 29 ابريل 2024

حكاية «رسلان» الذي أحرج الوزير «أبو باشا»!

مقالات23-2-2022 | 18:16

منذ اللحظة الأولى التى انضمت فيها الزميلة إيمان رسلان لأسرة تحرير مجلة المصور فى عام 1986 عقب وفاة والدها، ظللت أعدها بأن أكتب يومًا ما قصة الخلاف الساخن الذى نشب بين والدها الأستاذ أحمد رسلان واللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق.

وها أنا ذا أفى بوعدى وأكتب الآن يا إيمان حقيقة وتفاصيل ذلك الخلاف، الذى جعل اللواء أبو باشا يتعصب ويتلعثم وينسى للحظات اسم صديقه الحميم الأستاذ مكرم!

أبدًا لن أنسى هذا المشهد الدراماتيكى الذى جرى بين والدك واللواء حسن أبو باشا داخل قاعة اجتماعات دار الهلال.

أى نعم، مر على هذا المشهد قرابة 35 عامًا، لكن نظرًا لغرابة ما جرى لا يمكن أبدًا لمن كان وقتها موجودًا معنا داخل القاعة أن ينسى تفاصيل أبدًا ما حدث!

دخل اللواء حسن أبو باشا باب دار الهلال وحيدًا.. جاء وحده.. وحرص ألا يصطحب معه أحدًا من معاونيه أو طاقم مكتبه.. جاء ليدلى لأسرة التحرير بأقواله فى كل شئ.. ابتداءً من لحظة اغتيال الرئيس السادات إلى توليه وزارة الداخلية عام 1982 بأمر من الرئيس الجديد حسنى مبارك وحتى إقالته عام 1984 عقب اشتعال خلافاته الجذرية العميقة مع الدكتور فؤاد محيى الدين رئيس مجلس الوزراء، الرجل القوى آنذاك، الذى قيل إنه قال لمبارك الرئيس الجديد الذى خلف الرئيس السادات: "يا أنا.. يا حسن أبو باشا!"

كان طبيعيًا أن يفتتح الأستاذ حوار الأسبوع المثير بسؤال فاجأ صديقه وزير الداخلية السابق وزير الحكم المحلى آنذاك: احك لنا أسرار خلافك الكبير والعميق مع د. فؤاد محيى الدين رئيس مجلس الوزراء أقوى رجل فى مصر بعد رئيس الجمهورية بطبيعة الحال؟

راح اللواء حسن أبو باشا يكشف بالتفصيل نقاط الاتفاق ومساحة الاختلاف مع رئيس الوزراء.. لم يخف شيئًا.. بل كشف كل شيء.. قال إن د. فؤاد انزعج منه وامتعض عندما قال فى اجتماع لمجلس الوزراء إنه يتوقع أن يفوز الحزب الوطنى بـ75 % من مقاعد مجلس الشعب.. فأشاح د. فؤاد بوجهه وعاد بمقعده إلى الوراء حريصًا أن يمنح وزير داخليته ظهره!

 وراح الوزير أبو باشا يتكلم ويكشف لنا فى هذا الحوار السياسى المثير كل حكايات وأسرار خلافاته العميقة كوزير للداخلية مع رئيس الوزراء، الذى وصفه بأنه كان كل همه هو أن يفوز الحزب الوطنى كالعادة بأغلبية مقاعد البرلمان.. ولم يكن يهمه فى سبيل تحقيق هذا الهدف أى شيء قد يحدث فى البلد.. أى شيء على الإطلاق.. المهم عند د. فؤاد محيى الدين أن يكتسح الحزب الوطنى ويفوز مرشحيه بمقاعد مجلس الشعب فى انتخابات عام 1984  بأى طريقة!

وفجأة.. رأينا اللواء أبو باشا يتوقف عن الكلام وينظر بترقب وحذر إلى زميل كان جالسًا على يمين الأستاذ مكرم، أحس أنه سوف يقاطعه حيث صدرت عنه همهمات أكثر من مرة تنبئ وتوحى، من طريقة كلامه، بأن لديه ما يعترض عليه!

كان الزميل الجالس إلى يمين رئيس التحرير هو الزميل الراحل أحمد رسلان، المخبر الصحفى المخضرم، الذى ظل طوال حياته الصحفية الممتدة مندوبًا لمجلة المصور فى وزارتى التربية والتعليم، والتعليم العالى.

انبرى عمنا رسلان -رحمه الله- وقال بصوت أخذ يرتفع رويدًا رويدًا حتى ساد القاعة صمت رهيب: ما هو هما هما يا حسن بك.. بتوع الاتحاد القومى بقوا بعد كده بتوع الاتحاد الاشتراكى وبعد كده بقوا بتوع حزب مصر وبقوا فى النهاية بتوع الحزب الوطنى.. نفس الوجوه ونفس التصرفات مفيش أى حاجة اتغيرت.. انتخابات حرة إيه وبتاع إيه وديموقراطية إيه؟ كله محصل بعضه يا معالى الوزير!

 قال العم رسلان ما قاله.. وتكهرب الجو داخل القاعة.. اندهش الوزير أبو باشا ولم ينطق.. وحاول رئيس التحرير تخفيف وقع كلام عمنا رسلان قائلًا: اسمح لى يا معالى الوزير أن أصوغ ما قاله زميلى رسلان بطريقة أخرى.. لكن عين ونظرات أبو باشا ظلت تركز على وجه عمنا رسلان، الذى راح يهمهم بطريقته الساخرة: دول هما هما.. هما هما يا أستاذ مكرم!

 لم ينجح رئيس التحرير فى تخفيف الأجواء داخل القاعة.. وقال الوزير: استنى يا أستاذ محمد أحمد مكرم.. استنى يا أستاذ أحمد محمد مكرم.. استنى يا أستاذ مكرم أحمد محمد.. اتلخبط أبو باشا وتلجلج.. وتلعثم ونسى فى تلك اللحظة اسم صديقه الحميم رئيس التحرير!

كنت جالسًا كالعادة إلى يسار الأستاذ مكرم وأحسست بقدمه اليسرى تتحرك بعصبية زائدة وراح يشعل سيجارته المستوردة (كنت)، سيجارة بعد سيجارة، بعد أن تكهرب الجو تمامًا.

بعد 3 ساعات من هذا الحوار الساخن غادر الوزير أبو باشا دار الهلال ولسان حاله يكاد أن يقول ياريتنى ما جيت!

الأستاذ مكرم سألنى وهو يضحك: رسلان راح فين.. هو مشى وساب الندوة.. شوفه خليه يجيلى.. بحثت عن أستاذنا رسلان، قالولى فى البوابة ده مشى قبل الوزير ما يمشى.

اتصلت عليه فى تليفون بيته رد علي، قلت له رئيس التحرير كان عاوزك وبيدور عليك.. على فكرة يا أحمد بك الأستاذ مكرم كان بيدور عليك وهو بيضحك ويقول: والله فعلا هما هما.. عفارم عليك يا رسلان!

Dr.Randa
Dr.Radwa