السبت 20 ابريل 2024

حديث النفس.. ترى هل نلتقي؟!

مقالات24-2-2022 | 11:49

ترى هل نلتقى؟، أم كان لقاؤنا دربا من الخيال؟!، أم هو الأمل لرجاء لن يتحقق؟!، أم أن القدر سيجود علينا بلقاء تتعانق فيه أرواحنا؟!، أم هو الحلم الذى طالما صنعته لنفسى فى دروب من الوهم قد تكون سرابا؟!، ترى هل نلتقى ليحكى كل منا عن سنوات الفراق؟!، فلم أعد أؤمن بأن يكفينى أن أحلم بك حتى يزول العمر!!، فلقاؤك هو النعيم والألم.. هو الأمل كل الأمل ولو للحظة واحدة.. ليكون هو الحياة.. لقاء ترتاح له القلوب.. بل لقاء الحياة والموت الذى تنتهى عنده خطوات العمر فتتحقق كل أمانيه فيتوقف الزمن.. لقاؤك إذن هو كل شىء!

أحيانا نلح على أنفسنا لنذهب معها إلى محطة ما.. نقف هناك طويلا ننتظر من لا يأتى أو ربما انتظرنا أن نودع من خرج دون كلمة وداع.. أو حتى كلمة عتاب أو النهاية.. فلا تزال الجروح نازفة والعقل يملؤه الأسئلة بكيف؟ ولماذا؟ أو حتى لنؤكد لأنفسنا أنه ماض لن يعود فيصبح معه اللقاء مدينة الأحلام التى يصعب علينا الوصول إليها.. فنبحث عن المستحيل الذى نظن أنه أصبح ذكرى.. لكن الذكريات لا تموت أبدا.. فقلوبنا تحتفظ دائما بلقاءات ورغبات مختبأة تسعى للوصول إليها ولا تسمح بالهروب منها ونعيش نتحين الفرصة المناسبة لنخرج ما بداخل نفوسنا.. حتى لقاءاتنا بأنفسنا تحمل رغبات مكبوتة تجاهد للخروج.. فنعيش نعذب أنفسنا ونقيد أرواحنا لتصبح رهينة اللقاء المرجو.. لنحيا نتألم.. نشكو.. نشتاق فى كلام أو حتى فى صمت يصبح معه الرغبة فى اللقاء أغلى أمانيها.

كم منا عاش لقاءات مستحيلة فى خيالاته ولم يمنع نفسه من رجائها دون توقف عن الحلم بها.. ليس جنونا يا عزيزى إنه أمل اللقاء الذى نحيا به.. فيدفعنا لدروب نسلكها نعتقد أنها تقربنا منه.. ثم ماذا؟! نسير ونسير ولا نلتقى لكننا بذلنا ما فى وسعنا لكى نلتقى.

ولأحلامنا وأمانينا فى اللقاء ملامح وشروط ترسمها أنفسنا استعدادا للقاء.. فنرغب أن نلتقى بمن نحب على هيئة معينة تتفق مع الصورة الذهنية التى رسمناها لهم ولنا.. خاصة إذا كانت لقاءات ثانية أو تالية فيها نعبر عن الشوق والحنين أو حتى تكفير عن أخطاء قد تكون سببا فى الفراق أو حتى تكون فرصة للأخذ بالثأر ممن ظلمنا.. فتشتعل نفوسنا برغبات اللقاء حتى أنه يسيطر علينا بشكل قد يصل لأن يكون حلم العمر.. ونبذل كل غال ونفيس فى سبيله ونقضى أوقاتنا وحياتنا عالقين فى قيود الانتظار.. وقد تعمينا هذه الرغبة فنغفل أننا نتغير فى كل شيء بمرور الأيام والتجارب وحتى ملامحنا لم تعد كما هى.. وقد تكون مشاعرنا أيضا على الرغم من احتفاظ أنفسنا بذلك اللقاء القديم الجديد.. حتى أجسادنا تهرم وقد يهرم كل واحد منا بعيدا عن الآخر.. تحركه الأيام وتلقى بعلاماتها وربما طعناتها عليه فتترك عليه آثار وندبات ظاهرة ومخفية ومع كل علامة نضعف ونوهن ولا نبالى.. ونجاهد ونتحرك.. لكن بعدما يمر الزمان نكتشف أننا لم نعد كما كنا ولم يعد غيرنا كذلك.. والآن لماذا تتعجب أن اللقاء صار متعذرا أو حتى ميتا، أو حتى لو التقينا قد يكون لقاء الغرباء؟!.. وعندها تندم على سنوات الإعداد لهذا اللقاء.. لكنه القدر الذى أراد أن يريحك من قسوة الانتظار ويعطيك كلمته، ويقول لك لم يكن اللقاء مقسوما لك فالرحيل غدا أفضل من اللقاء.. ولم يتبق لك سوى أن تطرده من أحلامك. 

ولا أنكر أن صاحب الرغبة فى اللقاء يظل يتحين كل الفرص فى لقاء آخر خاصة لو كان لقاؤه بالمحبوب الذى باعدت بينهما الظروف وحالت العراقيل دون إتمام قصة الحب.. فيسكن قلبه وجه المحبوب بشكل لا يفارقه.. تتوق روحه له حتى ولو أبعدته المسافات.. فيتتبع أخباره ويتقصى عن أحواله، بل يذهب لنفس الأماكن التى كانا يمران بها ولسان حاله كنا هنا.. ويتساءل هل أعود إلى هنا لنعاود اللقاء أو نعيده؟ ويؤكد لنفسه أننى مازالت على العهد وافيا.. ألقاك فى عقلى وفكرى وقلبى.. ويحلو لى أن أزور عش الهوى المهجور عسى أن ألتقيك ولو صدفة.. لتصبح هذه الصدفة صاحبة الفضل فى اللقاء.. أو ربما تكون مثلى يحلو لك الطواف حول المكان الذى جمعنا فجعله خالدا يتحدى عوائق النسيان.. ومن يقول إننى نسيت.. أنه الشوق للقاء الذى ننسى فيه ما مر بنا من وجع وألم.. ونتساءل ترى هل ألقاك أم أصبح لقاؤنا أطلالا نعشق زيارتها؟! ممزقون نعيش فى مكان وقلوبنا فى مكان آخر فى تعلق مرضى تحركه الرغبة الملحة للاقتراب التى تزداد بمرور الأيام ليصبح الانتظار وقودا لها.. تائهون مشردون نرى وجه المحبوب فى وجوه الآخرين ونشتم رائحته فى أنوفنا لنتعذب بالرغبة فى اللقاء.

وقد ننتظر اللقاء ونحن نعلم أنه لن يتم لكننا نكذب على أنفسنا خوفا من الألم.. ونتساءل هل كنا سنلتقى أم أننا كنا نحلم؟! فنكابر ولا نقطع الرجاء فى تحقيق أمنية مستحيلة، وتقول لا أحد يمنعنى من أن أحلم بلقاء قريب بمن حالت بينى وبينه الظروف.. فتتحلى نفوسنا بشيء من الأمل الوهمى الذى يدفعنا لأن نعيش فى انتظار لقاء تحمله الأيام القادمة.. وتقول عسى أن نلتقى لأخبرك عن لوعتى وشوقى فى غيابك فى لقاء ممزوج بالسعادة والشوق والحنين.. تحركه الرغبة واللهفة.. يبحث عن وجهة يمشيها محاولا الوصول إلى ما يحب ومن يحب.. وتسيطر هذه الحالة على عقله وفكره لدرجة أنه يتمنى أن يغمض عينيه ليراه يتحقق.. ولسان حاله إنه حلم قيد الانتظار لكنه ليس مستحيلا!!

وإذا كان السعى للقاء جل سعادة البعض فإن الهروب من غيره وارد أيضا.. إذا ما كان يبعث على الكآبة مثل لقاءات العتاب والثأر وأخذ الحقوق لشفاء النفس ونصرتها وأخرى لا تجد ما تدافع فيها عن نفسك.. ولكن رغم ذلك قد يكون وجودك فيها قدريا مهما بذلت من محاولات الاحتياط والحذر.. فقد تكون إرادة الله أن يأخذ كل ذى حق حقه.

ولقاءات تتناغم فيها الأرواح وتتآلف وعلى الرغم أنها المرة الأولى إلا أننا نسأل أنفسنا هل هذه أول لقاءاتنا وكأننا التقينا من قبل فى عالم آخر.. ومن فرط سرورنا وسعادتنا لا نشعر بالزمن ونود ألا تنتهى ونتمنى تكرارها.. فنلتقى ونفارق وتظل رغبة اللقاء الثانى أمنية غالية قد تتحقق أو لا تتحقق.

وهل هناك لقاءات تحدث فجأة؟! بالطبع ممكنة الحدوث.. فنحن نسير فى حياتنا لا نملك كل الخيوط ولا التحكم فى محيطات خطواتنا فما نقابله قدر لا حيلة لنا فيه، فقط نعمل ما علينا الذى سيحاسبنا الله عليه لتكون لقاءاتنا غير المحسوبة، والتى تحكمها الصدفة والمفأجأة.. قد تكون جميلة أو عكس ذلك على الرغم من ترتيب أجندة حياتك على لقاءات معينة أو متوقعة لكن كل شيء وارد الحدوث.. فإذا ما منحتك السعادة تتمنى تكرارها وتظل تدور فى مدارات أمل اللقاء مرات أخرى أو حتى تحتفظ بمكاسب هذا اللقاء فى ذاكرتك وتتفادى غيرها التى حققت لك خسائر مهما كانت بسيطة.. فقد تخلق فى نفسك التفاؤل أو التشاؤم على حسب النتائج التى تحققت.

ونلتقى ونفترق وهو حال الدنيا فكل لقاء يعقبه فراق.. لكن رغبتنا فى اللقاء الثانى قد تحكمه ظروف وأمور قد تجعلنا نفترق أو نعاود اللقاء فى مفترق الطريق أو منتصف الطريق.. قد نبدأ حكايات من جديد او قد تكون نهاية للقديم.. لكننا نحتفظ لأنفسنا فى خيالاتنا بلقاءات تعبر عن معانى الرغبة وحب الاستحواذ فلا أحد منا يتقبل الفقد والبعد مهما كانت الخسائر ففى كل مرة فراق يجعلنا نردد على أنفسنا يا ليتنى لم أقابلك وأعيش أسيرا للقاء ثانى!! ونتساءل ترى هل نلتقى لنتسامح ويغفر كل منا للآخر!!

ومهما ذهبنا وعدنا من لقاءات سيبقى لقاء المولى عز وجل هو اللقاء الأهم والمحبب.. فكل لحظة سعى وطاعة نحو المولى هى لحظة لقاء.. فنلتقى بالله فى الطاعات والصلوات والدعاء.. فلقاءاتنا بالبشر قد تحتاج منا للسفر وقطع المسافات، لكن لقاءاتنا بالخالق يكفيك أن ترفع يدك للسماء تدعوه وأن يعمر قلبك بالإيمان وأنت ماكث مكانك فهو أقرب إليك من حبل الوريد.. يكفيك أن تناجيه فيسمعك قريب مجيب الدعوات.. الله لا يحتاج منك لتنازلات أو حتى اشتراطات يكفيه أن تأتيه بقلب سليم مملوء بالتوبة ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.. فإن تقربت إليه شبرا تقرب إليك ذراعا وإن تقربت إليه ذراعا تقرب إليك باعا وإن أتيته تمشى أتى إليك هرولة طوبى للقاء الرب الذى لا يخيب ظن عبده.