الخميس 25 ابريل 2024

بصحبة الروسيات والأوكرانيات

مقالات28-2-2022 | 16:28

صيف عام 1985، سافرت إلى موسكو وأمضينا ما يقرب من الشهر هناك، وكان ذلك ضمن وفد ضخم من الشباب المصري، ويضم كذلك عددا من الشخصيات عامة من مختلف الأحزاب السياسة والقوي الوطنية وأغلبها أسماء شهيرة تحتل الفضاء الفني والسياسي الآن .

 

كانت المناسبة حضور مهرجان الشباب السنوي، وافتتح الرئيس الأسبق لاتحاد السوفيتي (جورباتشوف)، المهرجان وأقيم في إستاد موسكو وكانت لافتات التغيير والبروسترويكا تملأ المكان والمناقشات وروح جديدة تدب في الأوصال.

 

فكان تجمعا من الآلاف الشخصيات ومن مختلف دول العالم فيلتقون ويتكلمون ويتناقشون، ويغنون ويرقصون وكانت سمة الأجيال الجديدة تحديدا والفتاة الروسية منهم هي النحافة ولكنها كانت لافتة بجمالها ورشاقتها وابتسامتها وحيوية الحركة ضمن جميع الوفود الشبابية، وكان الشعب الروسي كثيرا ما يلوح ويحيي الوفود التي تستقبلها بلاده بالابتسامة وبالورود لاسيما الوفد المصري الذي يكن له الروس مشاعر دافئة.

 

وفي أحد أيام المهرجان كان لدينا موعدا للقاء وحوار وعزومة على العشاء، وكانت ربة المنزل وعائلتها المستضيفة لنا من متوسطي وكبار السن وكانت الملاحظة انهم ممتلئ القوام قليلا أو كثيرا؟ ويشبهون أو كما نراهم في صور الأفلام القديمة، فشعرت بالألفة والدفء، وأثناء العشاء ربتت على ظهري آلام وأخذتني في حضنها وطلبت مني أن افتح شهيتي قليلا للأكل والطعام وقالت حتي تعرفي تتزوجي ؟! وضحكنا جميعا، وهذه القصة الحقيقية تضمنها كتاب الأستاذ عبد القادر شهيب ضمن ذكرياته عن نصف قرن صحافة.

 

بعدها بأيام تسللت (تسربت) خارج برنامج الوفد المصري وذلك لمصاحبة صديقات تعرفت عليهن من في أحد المناسبات الشبابية بالمؤتمر وكن من الشابات الروسيات والأوكرانيات بجمالهن الأخاذ ورقصت معهن، وظهرت صورًا لنا و للرقص الجماعي ضمن مجلة المرأة في دلالة على تفاعل مختلف الجنسيات من المرأة والشباب .

 

 بعد عقدين من الزمن ومنذ سنوات غير بعيدة كان يزورني في منزلي، وبناءً على دعوة عشاء من ابني لصديقه، وكانت الدعوة لشاب مصري يعمل معيدا بكلية الطب ولنحتفل معه بزوجته الأوكرانية وقصة حبهما، وكانت ممتلئة الجسم قليلا، وتذكرت مفارقة مهرجان موسكو فتبادلنا الحديث المرح حول ذلك والعميق أيضا وتحدثنا عن أحوالهم بعد الانفصال عن روسيا، ولم يكن لديها كراهية عميقة للروس فاللغة الثانية هناك كانت الروسية ولكنها من جيل لم يعش وحدة الاتحاد السوفيتي كدولة واحدة ولذلك الأجيال الجديدة يعتبرون علاقتهم بالروس دافئة وعائلية أيضا وهناك بعض المشاكل الاختلافات فقط وربما التعالي، ولكنهم ليسوا أعداءً فهناك قصص حب وزواج كثيرة بين الشباب من البلدين أي الروس وأوكرانيا، تذكرت هذه الحكايات والمشاهد ليس بمناسبة الحرب الحالية فقط، وإنما أيضا لمطالعة طفح السخافات التي تطلق لدينا على جمال المرأة الأوكرانية، وأن الرجال المصريين الأشاوس ينتظرهن بعد الحرب!

 

لقد شاهدتهم بنفسي في هذه المجتمعات وغيرها وبصور مختلفة ومتعددة للجميع عن الذي تصدره الميديا لنا، فهناك المرأة النحيفة، وهناك الممتلئة وهناك الأكثر جمالا والأقل جمالا مثل كل المجتمعات في العالم.

 

ولكن زيادة النزعة الجنسية في منطقتنا الشرقية والعربية ومصر منها، هي التي تجسد ذلك الاستعلاء والتي لا ترى من المرأة إلا مجرد الجمال الجسدي فهي مجرد آلة حاسبة جنسية .

 

مثلما حدث منذ شهور قليلة في جريمة التلصص وتصوير امرأة أجنبية من شرق أوروبا أو أوكرانية ثم انتشار الفيديو لها انتشار النار في الهشيم وبلاغات ضدها بحجة التجاوز عن قيم المجتمع؟ رغم أن تصويرها تم خلسة، ومن على بعد مئات الأمتار من المرأة وبتلصص يبدو متعمدا على حياتها حتى أثناء وضعها الملابس على المنشر الخارجي في البلكونة.

 

ولم يكن ذلك السلوك منها وبالتأكيد بغرض وهدف إغراء وابتزاز معاليه وهتك عرضه وقيمه وهي على بعد نصف كيلو متر مربع ويفصل بينهما شارع!

 

ما يحدث لدينا ويتكرر هو طفح ودليل مرض على مدي انسداد ماسورة العقل والإنسانية، وتوغل الفكر الأحادي المتطرف والسلفي في التفكير تجاه المرأة وعدم رؤيتها ككائن مستقل يحب و يفكر ويعمل، ومازالت قرون عبودية الحرملك وتفسيراته وإنها الالة الحاسبة الجنسية تملأ الفضاء العام للمجتمع، وتكرسه أيضا مناهج تعليمية ودروس تخفي المرأة أصلا أو تضعها في قالب واحد وصورة محددة فقط فهي تفرق وتكرس ولمضمون واحد فقط هي صورة المرأة برداء الرأس (الحجاب ) في أغلب الدروس والمناهج الدينية مع انه هناك نساء بدون غطاء رأس؟

 

والآن يتم توزيع وتكريس لصورة المرأة الأوكرانية الجميلة الرشيقة فقط، وطغت على السوشيال ميديا بل وانتقلت إلى موضوعات إعلامية بالصحف الورقية اليومية.

 

والأمر يتكرر على الجانب الثاني في الغرب ولكن بصورة أخرى وليست المرأة هذه المرة، فسنري المنهج الاستبعادي للآخر وانعكس ذلك في التغطية لبعض وليس كل الصحافة والإعلام في الغرب مثل الإشارة في تغطيتهم الإعلامية للحرب، وبكلمات وجمل تدل على (نبرة ومضمون متعاليا وربما أحاديا ) فيقول البعض منهم بأسى وغضب واستغراب لما يحدث، وواصفا أوكرانيا بأنها دولة أوربية مسيحية حديثة وليست مثل بعض الدول العربية، وكأن حدوثه لبعض الدول أمرا عاديا ومقبولا، وسنلاحظ الاستعلاء أيضا بفتح أبواب الهجرة الشرعية الآن لشعب أوكرانيا، بينما تغلق الهجرة الشرعية وبشدة أمام الأفارقة والعرب حتى لمجرد السفر إلى دولهم.

 

مثل هذه المقولات الإعلامية لديهم على قلتها هي نتاج مناهج وفكر ومصالح أيضا تكرس باستعلاء الغرب ولتفوقه وحضارته، والتي لا ننكرها أو نرفضها لأنها نتاج جهد بشري تراكمي من الجميع (مع ملاحظة أن روسيا وحضارتها تاريخيا ضمن الغرب وحروبه).

 

تناسي الجميع نتيجة صراع السياسة والمصالح والحكم والحروب، وأن ما نسعي إليه هو الجوهر الإنساني سواء بالجميلة أو الرشيقة أو الممتلئة وبالأسمر من أصول أفريقية أو العربي وسواء مسلم أو يهودي أو بوذي، فالهم طايل الجميع، ولا تعايرني كما يقال في الأمثال.

Dr.Randa
Dr.Radwa