الخميس 16 مايو 2024

من الإخوان إلى النخبة المصرية الكاذبة: شكرا لحسن تعاونكم معنا

6-7-2017 | 17:00

قبل يناير ٢٠١١ قال بعضهم مصر ليست تونس، وأظنهم صدقوا، فقد كانت مصر أسوأ من تونس، وأثناء أحداث يناير وما بعدها تأكدت بما لا يدع مجالا للشك أننا صرنا الأسوأ لأسباب كثيرة منها «نَكبتنا» ..عفوا أقصد «نُخبتنا» تلك النُخبة التى بحثت عن مصالحها، ودنياها، ونسيت مصلحة مصر ودنيا مصر وشعب مصر، تلك النُخبة التى سلمت مصر بعد ذلك لجماعة الإخوان أكبر لص فى التاريخ، هذا اللص الذى سرق الإسلام وصادره لنفسه، وسرق ثورة يناير، وسرق حُكم مصر، وفى كل تلك المشاهد كانت «نكبتنا» تساعده على تلك السرقات.

تذكرون جميعا شلة فندق «فيرمونت» التى ذهبت تبايع مرسى قبل انتخابات الرئاسة «المنكوبة» رأيتموهم وهم يقفون صفا يلتصقون بمحمد مرسي، والبسمة البلهاء ترتسم على وجوههم، وكلٌ يُمنِّى نفسه بجنات النعيم عندما يصبح مرسى رئيسا، حمدى قنديل الذى وقف سعيدا منتشيا وهو يلقى بيان التأييد لمرسى كان يُمنِّى نفسه بمنصب وزير الإعلام، وحسن نافعة عرَّاب هذا الاجتماع وقع فى يقينه أنه سيأخذ المكافأة وسينال موقع نائب رئيس الوزراء للشئون السياسية، وسيف عبد الفتاح أقسم للمُقربين منه أنه سيصبح وزيرا للثقافة، وأخذوا جميعا يوزعون المناصب على أنفسهم وفق هواهم، وكأننا كنا نرى هؤلاء الجائعين وهم يُحركون ألسنتهم ويتلمظون الطعام من مائدة الوهم، وحين عاتبت أحدُهم على ذهابه للفيرمونت مبايعا من كان يقول عنهم أنهم سيحوِّلون مصر إلى خرابة لو حكموا، فقال لي: وهل نتركهم يحوِّلونها إلى خرابة، إنما اقتربت منهم وواعدتهم لأحصل منهم على موقع رئيس الوزراء حينما يصلون للحكم فأنقذ مصر من سوء تخطيطهم! حينها جرى فى خاطرى ذلك المشهد التمثيلى الطريف حينما قال الممثل المُبدع الذى لم ينل حظا «لطفى الحكيم»: «يا سلام على مخك البلالنط، يا بحر العلم، يا ترعة المفهومية، يا فيلسوف الحمير» كانت هذه هى سخرية لطفى الحكيم على معتوهٍ أحمق، وحينما جرت هذا السخرية فى خاطرى لم أتبسم، ولكننى أسفت يومها وبعدها، أسفت على هؤلاء، ولكن أسفى على مصر أكبر.

تلك نخبة فاشلة صدعت رؤوسنا بنظريات ونظريات وإذا بهم فى نهاية المطاف أجهل من الجهل ذاته، يصدق فيهم المقولة الشهيرة لعميد الأدب العربي: «أولئك رضوا بجهلهم ورضى جهلهم عنهم» حين رأيتهم يهرعون إلى فندق الفيرمونت ليلتقوا بمحمد مرسى ويعاهدوه على الوقوف معه فى الانتخابات الرئاسية الماضية قلت فى نفسي: أبشرى بالخراب يا مصر، فمن كان من المفترض أن يفهموا جهلوا، ومن كان من المفترض أن يرتبوا أولويات الوطن ترتيبا صحيحا سلمونا لجماعة إرهابية هى فى حقيقتها أكبر خطر على الأمن القومى المصري، وجلوسها على كرسى الحكم جعل أسرارنا القومية كلًا مباحا للتنظيم الدولي، واليوم هى نفسها ذات النخبة التى تتحدث عن أن التنازل عن تيران وصنافير يهدد الأمن الوطنى المصري، العمى فى عيونكم، ألم تستشعروا الخطر على الأمن القومى يوم أن سلمتم مصر للإخوان؟! ومهما قلت فلن أستطيع شرح ما فى قلبى من ضيق من هؤلاء الأدعياء، ولكننى يوم أن قرأت بعد سقوط الإخوان لأحد كبار النخبة ـ أقصد النكبة ـ (حمدى قنديل) مذكرات قال فيها: إن مرسى رجل طيب، وأن الأيام لو عادت بى إلى الوراء لفعلت نفس الذى فعلته، وكنت أعتقد أن جماعة الإخوان ستطبق مشروعها السياسي»! كان كلامه كالفاجعة، وتعجبت من تلك الجهالة! ألم يعلم ذلك الرجل النخبوى الإعلامى أن جماعة الإخوان لم يكن لها مشروع سياسى للحكم، ولا أظن أنها فكرت فى يوم من الأيام أن يكون لها مشروع سياسي، وعلى مدار وجودها ظلت تلك الجماعة لا تحمل تصورا واضحا لمعنى الشعار الذى رفعوه (الإسلام هو الحل) وحين خاض مأمون الهضيبى انتخابات مجلس الشعب عام ١٩٩٥ وجد أنه من المناسب أن يضع برنامجا انتخابيا يصلح لمرشح لمجلس الشعب، وبعد ذلك أخذت جماعة الإخوان هذا البرنامج الفقير وجعلته برنامجا سياسيا لها حتى حان الحين منذ عدة سنوات فوضعوا برنامجا لحزب افتراضى ثم جعلوا هذا البرنامج بالحرف الواحد برنامج حزبهم الحرية والعدالة، ووضح من خلاله افتقارهم للأيديولوجية وفقرهم فى الفكر السياسى حتى أطلق البعض على هذا البرنامج ( فقر الفكر من فكر الفقر ) وكل ما كانت الجماعة تملكه عبر تاريخها كله هو فكرة (الضد) وفكرة الضد هذه تعنى أنهم يرفضون تصورات الحكم وفلسفات الإدارة كلها بزعم أنها تخالف الإسلام، لذلك نستطيع وصف تراث حسن البنا وأفكاره بأنه تراث «رافض» دون أن يقدم لنا تصورات محددة ومشروعا إسلاميا واضحا ودون أن يؤصل لسبب الرفض اللهم إلا من بعض عبارات عامة حماسية، لذلك كان مشروع البنا من المشاريع الفقيرة فكريا بغض النظر عن تميزه الحركي.

وحينما خاب أملى فى حمدى قنديل كواحد من تلك النخبة، إذ رأيته سطحيا ساذجا مشتاقا لمنصب ولو على أشلاء وطنه وقتئذ كتبت عنه كأحد من خاب أملنا فيهم، كأحد من شاركوا فى ضياع مصر كلها، كواحد من الذين بحثوا عن دنياهم ونسوا دنيا مصر، وقلت فيما كتبته : «لم تكن كل هذه الأشياء ماثلة أمام نخبتنا التى خيبتنا، رغم أنها كانت من المعلوم من السياسة بالضرورة، فكان أن اصطحب رفقة أشد منه جهلا وذهب ليبايع مرسي، وبعد المبايعة قال: إذا لم يف مرسى بوعوده فأمامنا ميدان التحرير، وبالفعل كان ميدان التحرير، وكانت كل ميادين مصر، وكانت ثورتنا، ولكن هل رضخت جماعة الإخوان أيها النخبوى أم أنها لا تزال تمارس إرهابها وتقتل رجالنا وتسفك دماء صحفيينا وتدمر منشآتنا التعليمية والدينية، حقا لقد كانت خيبتنا فى نخبتنا» وأظن أن وقع كلامى كان مؤلما له فأرسل لى رسالة على الهاتف قال فيها:«كنت أعتقد أنك مختلف عنهم، ولكن للأسف أنت مثلهم» فما كان منى إلا أن أرسلت له نفس الرسالة بذات الصيغة: «كنت أعتقد أنك مختلف عنهم ولكن للأسف أنت مثلهم» وبالفعل كان الأسف، ولكن أسفى على مصر أكبر.

ومنذ زمن انعقدت صلات بينى والدكتور نور فرحات أستاذ تاريخ القانون، الذى يطيب له أن يقدم نفسه للأمة بحسبه فقيها دستوريا، فالترويج للرجال فى زمننا يحتاج إلى تحويلهم إلى فقهاء دستوريين، وكل فقيه من هؤلاء لا علاقة له بالدستور اللهم إلا أنه قال فى يوم ما حينما مر على جماعة من الناس: «دستوركم يا إخوانا»، فحاز بذلك نوط الدستور من الطبقة الأولى! المهم أن نور فرحات الذىكانت له وقفات قديمة ضد الإخوان، إلا أنه كان عديم الأثر فى زمن حكمهم لمصر، وصمت صمت القبور كغيره من الكثيرين، إذ لم تكن مصر هى التى فى خاطرهم، ولكن خاطرهم كان لا يحمل إلا أمانيهم، وحينما لم يحصل نور فرحات على منصب ما، صبر على مضض، وانتظر انتظارا على أحر من الجمر، ثم خاض انتخابات البرلمان عن دائرة النزهة، فكان أن سقط، ومن بعدها أصبح فرحات يتلمظ من الغيظ، وكأنه كان ينتظر أن تقوم الدولة بتزوير نتيجة الانتخابات حتى ينجح، فأخذ ينتقل شيئا فشيئا من دائرة الوطن إلى دائرة أعداء الوطن، وليته اكتفى بالوقوف موقف المعارضة، ولكنه وقف مع الإخوان وعملاء قطر وعملاء المخابرات البريطانية والأمريكية فى تحركاتهم الرامية إلى إسقاط الدولة المصرية، ورغم اختلافى مع طريقة إدارة البرلمان المصري، وطريقة رئيسه الدكتور على عبدالعال إلا أننى لا أوافق على هؤلاء الذين يستهدفون هدم المؤسسات، لذلك أخذنى «القرف» من نور فرحات، الذى لم ينجح فى انتخابات البرلمان حينما صرَّح مؤخرا بأنه: «يجب حل البرلمان لأنه يشكل خطرا على الأمن القومي»، والحقيقة أن الذى يشكل خطرا على الأمن القومى هو نور فرحات وباسم يوسف ويسرى فودة وجمال عيد ومن على شاكلتهم من الذين تزدحم بصورهم الساحة، الآن البرلمان المصرى خطرٌ على الأمن القومي، أما تسليم مصر للإخوان كى تجلس على أخطر ملفات الأمن القومى فيها، ولكى يعبث التنظيم الدولى لهم فى لندن بهذه الملفات، كان هذا هو عين الحفاظ على الأمن القومي، يا سلام يادكتور نور على مخك البلالنط، يا بحر العلم وترعة المفهومية، يا فيلسوف الحمير، والحقيقة أننى لم آسف على هؤلاء جميعا، أسفت فقط على نور فرحات ذلك الرجل الذى فقد ظله، وأصبح يدا للإخوان تحركه الجماعة دون أن يدرى أنه أصبح أداة من أدواتهم، أسفت عليه، ولكن أسفى على مصر أكبر.

أما الأخ وحيد حامد فقد كان من أعاجيب مصر، فهو رجل نرجسى ذاتى يعيش حول نفسه، يرى أنه الأعلى والأعظم والأروع، وحينما هاجم وحيد حامد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حوار له بإحدى الصحف قائلا: «لو مش قادر يشيل الشيلة يمشي» قلت ما علينا هذا رأيه وحرية الرأى مكفولة للجميع، ثم عندما تراجع عن كلامه هذا فى حوار تليفزيونى قائلا: «إنما قلت ذلك تحت تأثير الغضب من واقعة قتل جنودنا» قلت لا ضير الرجل قال رأيا ثم تراجع عنه، وحرية التراجع مكفولة للجميع، وبعد أن صدر حكم المحكمة الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين تيران وصنافير قال وحيد حامد لأحد المواقع الإخبارية الكبرى: «لقد استقبلت حكم مصرية تيران وصنافير بفرح شديد وارتياح كبير لأننى كنت أعلم منذ أن كنت صغيرا أن الجزيرتين مصريتان» قلت لا مشاحة فى الآراء، فهذا رأيه وهذا ارتياحه، وكل واحد حر فى ارتياحه، وحرية الارتياح مكفولة للجميع، وبعد ذلك وإذ أخذ الشارع المصرى ينقسم بشأن الجزيرتين فيظهر مؤيدون هنا ومعارضون هناك، أخرج لنا وحيد حامد رأيا مبدعا تراجع فيه عن فرحه وارتياحه، وأمسك العصا من المنتصف فقال: «إذا كانت تيران وصنافير مصريتين وتنازلنا عنها فهذه نكسة، وإذا كانتا سعوديتين فهما من حقها، والفيصل فى هذا الأمر للجغرافيا والتاريخ» ورغم هذا التراجع عن الارتياح إلا أنه حر فى تراجعه، خاصة أن حرية التراجع مكفولة للجميع، وبعد هذا التراجع بشهر أراد أن يتراجع عن التراجع، فقال: «إن تيران وصنافير مثل فيلم الخطايا حينما قال عماد حمدى لعبد الحليم حافظ انت مش ابني» وظهر من تراجع التراجع أن وحيد حامد يسخر من الدولة المصرية والقائمين عليها ويعتبرهم تنازلوا عن الجزيرتين وكأن ملكيتهما كانت «سِفاحا» وليست هناك مشكلة من السخرية وخفة الظل، فكل إنسان حر فى سخريته، فحق السخرية من الدولة والقائمين عليها مكفول للجميع، وخفة الظل مثل التدخين الذى هو مسئولية كل مدخن، وخفة الظل مسئولية كل خفيف يتحمل وحده عاقبتها، ولن أحدثك عن مسلسل «الفجاعة»، سواء ما يتعلق بالجزء الأول أو ما يتعلق بالجزء الثاني، ولن أقول لك إن الجزء الأول تلقى عنه وحيد حامد كتاب شكر من مرشد الإخوان، والجزء الثانى أظنه كان بتكليف من المرشد المسجون، ولكن الذى يعنينى هنا هو أن وحيد حامد الذى ظهر بمظهر الرجل الذى يعادى جماعة الإخوان ويقف ضدها إذا به يصرح قبل رمضان فى حوار بجريدة كبرى بأنه لا يعادى الإخوان، وأنه يحبهم وله صداقات معهم ومع رموزهم، وأنهم زاروه فى المستشفى حينما كان يُعالج فى ألمانيا، وأنه يتمنى أن تعود جماعة الإخوان مرة أخرى إلى المشهد المصرى، بحيث يقومون بدور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، هنا يا سادتى الكرام لا يمكن أن أقول إنه حر فى رأيه، فالرجل الذى يؤرخ للجماعة دراميا يُحبهم، ويتمنى أن يكون مثل المطوفين فى المملكة السعودية، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يا سلام على مخك البلالنط، يا بحر العلم وترعة المفهومية، لن آسف عليك أبدا ولكنى آسف على من يصدقك ويظن أنك شيء، ولكن أسفى على مصر أكبر.

ومنذ أيام جمعنى إفطارٌ مع بعض الشخصيات العامة التى تعوِّل عليها الدولة، وكان صوت أحدهم يصل لى من مائدة قريبة، وهو يقول: «أعظم شيء قام به الرئيس عبد الفتاح السيسى هو اتفاقية تيران وصنافير، وقد وقع القضاء فى خطأ فادح حينما تدخل فى هذا الأمر، والأمر كله وفقا للدستور موكول للبرلمان، اللى بيحصل ده تهريج وينبغى على هؤلاء الأراجوزات، الذين يدَّعون أن الجزيرتين مصريتان أن يصمتوا فقد أثاروا فتنة فى البلاد» كان هذا المتحدث هو أحد كبار المثقفين المصريين، حيث يعتبره البعض مفكرا وفيلسوفا ومتحدثا بارعا، وبسبب هذه الشهرة وقدراته «الكلامية» أسندت له الدولة مؤخرا موقعا متميزا كان يحلم به طوال حياته، وبعد الإفطار أخذ الحضور يتنقلون من مائدة لأخرى للسلام والتعارف وما إلى ذلك، وكان من نصيبى أن جلست على مائدة فيها بعض الإعلاميين وكبار الصحفيين، وكان معظمهم يبدى استياءه من موضوع الجزيرتين، سواء من ناحية التسويق الإعلامي، أو الإخراج السياسي، أو المعالجة القانونية، وكان بعضهم يتحدث عن مصرية تيران وصنافير وعدم جواز التنازل عنها وما إلى ذلك، وحينها جلس على المائدة ذلك «النخبوى الكلامنجي»، وحينما استمع لحوار الجالسين وعرف مشاربهم وتوجهاتهم السياسية إذا به يقول: «السيسى ذبح الديمقراطية، وتعدَّى على أحكام القضاء، مبارك نفسه رغم سوئه لم يكن ليقبل أن يتعدى على أحكام القضاء كما فعل السيسي» ثم استطرد الكلامنجى قائلا وهو يضع فى فمه قطعة بسبوسة: «تيران وصنافير مصرية وأنا أشهد على ذلك وستظل مصرية فى الضمير الوطني، لكن الشعب حاليا فى حالة خمول، ويوم أن يستعيد عافيته فسيطيح بمن باعوا أرضه» حينئذ قلت له وأنا أبدى تعجبي:» ولكننى سمعت حوارا إذاعيا لك يا فلان وأنت تؤكد على سعودية الجزيرتين وأن الضمير الوطنى المصرى لا يمكن أن يقبل تمصير جزيرتين سعوديتين» فانتفض المثقف الكلامنجى فلان الفلانى، وهو يقول: «انت سمعت ده؟ فى أى شبكة إذاعية؟ لقد حرَّفوا الحوار لأنه كان حوارا مسجلا ولعبوا فى المونتاج، أنا لم أقل ذلك» ووقع الاتهام على المونتاج، وكم من الجرائم تُرتكب باسم المونتاج، وقام المثقف من المائدة ليجلس على أخرى يبحث عن مشاربها وتوجهاتها فيعطيها من طرف اللسان ما يناسبها، ويأخذ من حلوياتها ما يناسبه، وقتها أسفت على هذا المثقف النخبوى الكلامنجي، ولكن أسفى على مصر أكبر.

ومن زعيط إلى معيط إلى نطاط الحيط، ومن صاحب القناة الفضائية إلى صاحب الجريدة إلى صاحب قناة الجزيرة، إلى صاحب الجمعيات التى تتلقى تمويلا بالملايين، إلى الكاتب اللوذعي، إلى السياسى المحترف، إلى البرلمانى الحنجوري، إلى هؤلاء جميعا من الذين يبكون الآن على تيران وصنافير ويقولون إن الأمن المصرى فى خطر، ألم يكن فى خطر وأنتم تُسلمون مصر للإخوان؟ ألم يكن فى خطر وأنتم تتحالفون معهم؟ ألم يكن فى خطر وأنتم تسعون للترويج لأفكارهم؟ ألم تكن فى خطر وأنتم تتلقون الملايين من جهات أجنبية مشبوهة توظفكم فى تخريب مصر وتقسيمها وتفتيت وحدتها؟ ألم يكن فى خطر وأنتم تسافرون إلى قطر وتجلسون مع الممول ليكلفكم بالواجب المدرسى أيها التلاميذ؟ نعم من حق أى مصرى وطنى أن يغضب بخصوص تيران وصنافير، من حقه أن ينحاز إلى مصريتهما، ولكن من حق أى مصرى وطنى آخر أن ينحاز إلى إنفاذ اتفاقية تعيين الحدود المائية حتى ولو ترتب عليها سعودة الجزيرتين، هذا الحق وذاك الحق مكفول للمصريين الوطنيين فقط وحدهم دون غيرهم، مكفول للمصريين، الذين يعرفون قيمة مصر ويتحملون من أجلها ما لا يتحمله بشر، الوطنيون الحقيقيون وحدهم دون غيرهم هم الأوْلى بالغضب، وهم أصحاب الحق فى التعبير عن غضبهم دون أن يسمحوا للإخوان بالدخول إلى المشهد، الوطنيون الحقيقيون وحدهم دون غيرهم هم أصحاب الحق فى التعبير عن موافقتهم على الاتفاقية حتى ولو كانت مؤلمة لهم، دون أن يسمحوا للمنافقين الباحثين عن المناصب بالدخول إلى المشهد، وفى كلتا الحالتين لا يجوز أن يدخل مع هؤلاء وأولئك أهل العمالة والجهالة والسخافة والخُطب، لا يجوز أن يدخل معهم البهلوانات والأراجوزات والراقصات، الآكلون على الموائد كلها والآكلات، هؤلاء لا آسف عليهم، إنما أسفى على من يصدقهم ويقع فى خداعهم، ولكن أسفى على مصر أكبر.

نعم نعلم أن المسئولية ثقيلة، وأن البلاد كانت قد وصلت قبل ثورة يناير إلى هوة سحيقة من الفشل، لذلك قامت الثورة، وإن لم تكن قد قامت فى يناير كانت ستقوم حتما فى أى تاريخ آخر، إلا أن تلك النخب الكاذبة كانت بعيدة كل البعد عن الثورة، لا علاقة لها بها، فالبيت المصرى الذى كان آيلا للسقوط لم يعمل أحد على ترميمه، أو مواجهة تصدعاته، كل ما فى الأمر أن الحاكم كان بين الحين والحين يقوم بطلاء البيت من الخارج لإخفاء الشقوق والتصدعات، فيزيد الأمر سوءً، فيقترض النظام من هنا أو هناك ليقوم بإطعام الشعب حتى لا يشعر بهوْل الكارثة، أو يقوم عن طريق الخبراء بترحيل نسبة كبيرة من العجز فى الموازنة لأعوام مقبلة، فتتفاقم المشكلة فى المستقبل.

ولا أحب أن يظن أحد أن مصر قد خلت من النخب الحقيقية المؤثرة، صاحبة المواقف الوطنية الحقيقية، فأنا لست عدميا أجلد الجميع، ومصر لا يمكن أن تخلوا من النجباء الرائعين، فمن منا لا يعرف الدكتور أحمد يس نصار أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية طب أسيوط والذى أعتبره غاندى الحركة الوطنية المصرية، وهو واحد من أكبر المثقفين المصريين أصحاب المواقف الوطنية القيمية، ومعه الدكتور عمرو شريف الطبيب الفيلسوف وأستاذ الجراحة فى كلية طب عين شمس، وهو أنجب من أنجبت مصر فى مجالات الجراحة والفلسفة فى آن واحد، وتكفيه مؤلفاته التى واجه بها الإلحاد بحيث أصبح واحدا من أكبر فلاسفة مواجهة الإلحاد فى العالم، ومن منا لا يعرف المهندس الفيلسوف أحمد إبراهيم حلمى فيلسوف الهرم وواضع أعظم مؤلف عن فلسفة الهرم سواء من ناحية البناء أو فلسفة العقيدة، ومن منا لا يعرف الدكتور الرائع المبدع وسيم السيسى وعبقريته المتفردة فى علمه الطبى وفى قراءته الواعية لتاريخ مصر القديم، ومن منا لا يعرف الدكتور المثقف الوطنى ثاقب البصيرة صفوت حاتم صاحب القلم الوطنى والرؤية التحليلية المستبصرة، والمخرج الإذاعى الكبير صفى الدين حسن، والفنان الكبير الفذ نبيل الحلفاوي، وآخرين وآخرين وآخرين لا يمكن أن يتسع المكان لذكرهم ولكنهم جميعا يؤثرون فى الدوائر التى تحيط بهم، سواء اتسعت هذه الدوائر أو ضاقت، وإنى لآسف على عدم انتباه الدولة لهؤلاء وغيرهم من نجباء مصر الحقيقيين، ولذلك فإن أسفى على مصر أكبر.