الأحد 16 يونيو 2024

الوطن.. أم الشعبية؟ المعادلـة الصعبــة

6-7-2017 | 17:57

منذ  إعلان الحكومة قرارات زيادة أسعار المحروقات بداية هذا الأسبوع، وجدت نفسى محاصرا ومجبرا  على الدخول فى حوارات ومناقشات عديدة حول هذه القرارات الصعبة اشترك فيها مجموعات متباينة الثقافات والأعمار والمواقف ، بعضها مؤيد بشدة وله اعتباراته وبعضها معارض بشدة وله اعتباراته ، والبعض أخذ موقفا وسطا بمعنى أنه موافق من حيث المبدأ ولكنه اعترض على التوقيت والبعض اعترض على نسب هذه الزيادات

وبعد هذه المناقشات الميدانية المطولة والحادة أحيانا وجدت الجميع أو غالبية المتحاورين اتفقوا على الآتى:

-إن إصلاح مسار الاقتصاد المصرى ضرورة ملحة لاستمرار مسيرة التنمية وتحسين جودة الحياة للمواطن المصري.

- واتفقوا على أن عملية الإصلاح لو تمت منذ سنوات لكانت تكلفتها أقل معاناة على المواطن فالتأخير أضراره أكثر من فوائده بكثير ولو تمت العملية عندما بدأها الرئيس السادات واستمر فيها مبارك  لكانت أفضل بكثير .

- وأجمع المتحاورون أيضا على أن الرئيس السيسى غامر بشعبيته ولم يحسبها  بمعيار شخصى ولكنه حسبها بحسه الوطنى  وإخلاصه للأمانة التى حملها له شعب مصر ولم يرجئ الإصلاح لمن يأتى بعده كما فعل مبارك والسادات واتفق المتحاورون أن الرئيس والحكومة اختاروا الوطن على حساب شعبيتهم في معادلة أسعار المحروقات الصعبة .

- واتفقوا كذلك فى أنه لايمكن أن تستمر الدولة فى أن تأخذ من قوت الغلابة لكى تدعم به سعر بيع البنزين للأغنياء، فكل « تفويلة»  بنزين لسيارة  نجيب ساويرس أغنى رجل فى مصر مثلا  تدفع له الدولة على الأقل خمسين جنيها دعما.. فهل يا من تتحدثون باسم الغلابة توافقون على أن نأخذ من مال الشعب لنعطى للأغنياء والسفراء الأجانب، هل هذه هى الوطنية ؟

 - وأجمع المتحدثون معى  بأن الدولة لابد أن تدعم العلاج أو التعليم أو الرغيف .

- واتفقوا أيضا أن  مالكى السيارات ليسوا فقراء، حتى لو اعتبرنا أصحاب السيارات يستحقون الدعم فإن عدد السيارات فى مصر ٤ملايين سيارة تقريبا، ولو افترضنا أن كل سيارة تملكها أسرة مكونة من ٥أفراد تقريبا هذا يعنى أن  من يستفيد بدعم البنزين هم فقط ٢٠مليونا من ٩٣مليونا .مع العلم أن الفقراء هم من لا يملكون سيارات وهم الأولى بالرعاية.

- اعتبر المتحاورون زيادة سعر البنزين والسولار ستؤدى إلى زيادة تعريفة ركوب المواصلات، إلا أنهم نطقوا بها قولة حق يراد بها باطل .. لماذا ، لأن الحكومة أعلنت أنه لا زيادة فى أسعار تذاكر السكة الحديد ولا المترو ولا أتوبيسات النقل العام وهذه المواصلات هى التى تنقل الغالبية العظمى من الركاب ..يبقى  التاكسى والسرفيس وهو ما يجب أن تحكم شرطة المرور السيطرة عليه..لم يبق أمام الرئيس سوى رعاية محدودى الدخل..صحيح الزيادات الأخيرة  فى المرتبات  والمعاشات ودعم السلع التموينية أمر جيد ولكن هل من مزيد.

 كل ذلك يجعلنى أقول إنه من الإنصاف القول بأن الحكومة لم تخدع أحدا من شعب مصر فى قرارات رفع أسعار الوقود، لأنها أعلنت ومنذ البداية وبرنامج إصلاح اقتصادى سوف يكون تنفيذه صعبا للغاية سيتحمله القادرون وغير القادرين، تساءل المصريون كيف يضحى الرئيس السيسى بقرارات تمس شعبيته  مقابل الإصلاح الاقتصادى لكى تقف الدولة على عودها ..هل تساءل المصريون بأن هذا الرجل هو الذى سوف يتحمل شخصيا فاتورة قرارات تأخرت ٥٠ سنة .

 هل سأل المصريون أنفسهم سؤالا ما هى مقومات القوة الشاملة للدولة التى يحرص عليها الرئيس السيسى  وعرفوا أنها القوة العسكرية وتنبه لها الرئيس السيسى منذ توليه والقوة الدبلوماسية بعودة علاقاتنا الخارجية فى أبهى صورها    والقوة الاقتصادية وقد أصبح لدينا مشروعات قومية تتحدث عن نفسها  والقوة الاجتماعية بتماسكها وتلاحمها والقوة الناعمة بإعلامها ومدى القدرة على التعليم ومدى قدرة البنيان المجتمعى الصحى على تحديث وتطوير ثقافة المجتمع القدرة على الإنتاج والإبداع ومدى تأثيرها فى محيطها ودوليا ومدى تأثير الأزمات ونجاح الدولة فى مواجهتها للإرهاب .

٥٠ عاما تقريبا الدولة كانت فيها ( بابا وماما ) كنا  ننتظر طوال هذه السنين أن تتحمل الدولة كل مشاكلنا خاصة التعليم والعلاج وبالفعل كانت تقوم بذلك غير أن الخدمات والدعم لم يكونا على الوضع الأكمل ولم يصلا إلى مستحقيها ، وأصبحت هناك فاتورة لابد من سدادها وظلت المعيشة فى مصر أقل من أى دولة  فى العالم وهنا كان لابد أن نبنى ونفيق للأجيال القادمة بعد أن تعدى الحيتان والمرتشون والفسدة على  حقوق الطبقتين المتوسطة والفقيرة .

وبالتالى كان لابد أن يتكافل  الجميع  لنتحمل هذه القرارات الصعبة  التى لابديل عنها لكى نبنى المقومات الشاملة للدولة المصرية .

● ● ●

وبالأرقام  فإن خطوة رفع أسعار الوقود التى تمت قبل أيام  قليلة أنجزت أكثر من ٨٠٪ من القرارات الصعبة فى برنامج الإصلاح الاقتصادى الجريء الذى شرعت مصر فى تنفيذه على مدار الأعوام الماضية وخاصة العام المالى ٢٠١٦ – ٢٠١٧.

صحيح أنه  فى ظل المتغيرات الحالية من حيث انخفاض القوة الشرائية للجنيه وارتفاع الأسعار يوما بعد يوم ولَم يستثن من ذلك حتى أسعار السلع الاستراتيجية التى وجب على الحكومة   الحفاظ على توفيرها  فقد أصبحت أولوية توفير الطعام والدواء من أجل البقاء على قيد الحياة هى أهم أولويات المواطن البسيط الذى يمثل ٩٠٪‏ من المجتمع فما بالنا بباقى الأولويات وضروريات الحياة كتوفير مسكّن آدمى للشباب وبناء مستشفيات ومدارس .

أرقام التكلفة التى لا يعرفها المواطن فى الوقود تقول  إنه رغم قرار تحريك أسعار الوقود، إلا أن الحكومة مازالت تدعم الوقود بمبالغ كبيرة من واقع التكلفة، فسعر بنزين ٨٠ تكلفته الحقيقية ٥.٥٠ جنيه، وبعد تحريك الأسعار  يسجل اللتر ٣.٦٥ جنيه بدلاً من ٢.٣٥ جنيه قبل الزيادة، بنسبة فعلية قدرها ٦٦٪ من التكلفة، ما يعنى أنه رغم تحريك سعر بنزين ٨٠  فإن الحكومة مازالت تدعمه بما قيمته ١.٨٥ جنيه للتر وسعر تكلفة بنزين ٩٢ حوالى ٧ جنيهات، وسجل السعر بعد قرار الحكومة اليوم ٥ جنيهات للتر بدلا من ٣.٥٠ جنيه فى السابق، بزيادة ١٥٠ قرشا ونسبة تغطية ٧١٪ من التكلفة، ما يعنى أن الدعم المخصص لبنزين ٩٢ بعد تحريك سعره قيمته جنيهان للتر.

 كما تبلغ التكلفة الحقيقية للتر السولار ٦.٢٥ جنيه، وبلغ سعر السولار بعد الزيادة الأخيرة ٣.٦٥ جنيه للتر بدلا من ٢.٣٥ جنيه قبل القرار، بزيادة قدرها ١٣٠ قرشا ونسبة تغطية ٥٨٪ من التكلفة الحقيقية، ما يعنى أن لتر السولار مازال مدعوما حتى الآن بـ٢.٦٠ جنيه.

 وتبلغ التكلفة الحقيقية لأسطوانة البوتاجاز «الأنبوبة» ١١٥ جنيها، بينما يبلغ سعرها بعد قرار الحكومة اليوم بتحريك أسعار الوقود ٣٠ جنيها بدلا من ١٥ قبل القرار، بنسبة تغطية ٢٦.١٪ من التكلفة، ما يعنى أن الدعم القائم على أسطوانة البوتاجاز حاليا ٨٥ جنيها.

 وتبلغ التكلفة الحقيقية للوحدة من المازوت ٤ جنيهات، بينما يبلغ السعر بعد قرار تحريك أسعار الوقود ٣.٣٣٤ جنيه، بعدما كان ٢.٣٣٤ جنيه قبل القرار، بزيادة قدرها جنيه واحد للوحدة، ونسبة تغطية ٨٣.٤٪ من التكلفة الفعلية، ما يعنى أن الدولة تدعم وحدة المازوت حتى الآن بـ٦٧ قرشا.

لذلك يأتى قرار تحريك أسعار الوقود  فى إطار خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادى وهيكلة المنظومة المالية للدولة، وتقليل الفجوة بين الإيرادات والمصروفات، ورغم خطوات الحكومة على طريق الإصلاح، فإن فاتورة دعم المواد البترولية فى الموازنة الجديدة وصلت إلى ١١٠ مليارات جنيه، بزيادة ٣٥ مليار جنيه خلال العام المالى الجارى ٢٠١٦/ ٢٠١٧، وفى العام المالى الجديد إن لم تأخذ الحكومة القرار كان الدعم سيصل إلى ١٥٠ مليار جنيه، وسيكون على حساب الصحة والتعليم،  ويأتى ذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط خلال العام المالى الماضى من ٤٠ دولارا للبرميل إلى ٥٢ دولارًا للبرميل، وارتفاع سعر الدولار من ٨.٨٨ جنيه إلى١٨ جنيها  علاوة على زيادة استهلاك مصر من الطاقة، من ٥٢ مليون طن فى ٢٠٠٧، إلى ٨٠ مليون طن فى ٢٠١٧كما أنه لم يعد مقبولا  أن يظل الأغنياء يحصلون على  دعم البنزين! .

كما أن تحريك أسعار الوقود يقلل عجز الموازنة العامة ويخفض الاستيراد واستنزاف الدولار والتماشى مع متطلبات صندوق النقد الدولى بخفض الدعم الحكومى على المنتجات البترولية مع العلم أن هذا البرنامج  الاقتصادى مصرى مائة فى المائة .

كما تساهم هذه القرارات فى سعى المصريين  للبدائل الأخرى من الطاقة الأرخص سعرا والأقل تكلفة، للحد من الاستهلاك ثم أن تخفيض الواردات أمر وطنى فى المقام الأول، لأنه يعنى اعتماد الدولة على مواردها دون حاجة للدين الداخلى والخارجي، وإمكانية سداد الدولة لالتزاماتها فى المستقبل.

● ● ●

نحن لسنا مبرراتية» نستخدم  أبواقنا لإقناع الناس بهذه القرارات لكننا نتكلم بمنطق المراقبة والمشاركة الميدانية لكى ننقل ردود الأفعال الموضوعية حول هذا القرار المدروس ولا نزايد باستخدام فئات محدودى الدخل والفقراء لأننا نعلم مدى حرص الرئيس والحكومة على هذه الشرائح مع معرفتنا بأنهم يشربون هذا الدواء المر ويتحملون فاتورة هذه القرارات .  ولم يكن رهاننا الوحيد إلا  على نجاح  هذا  البرنامج الاقتصادى وهل سيؤدى إلى الغرض المنشود وهل كل المؤشرات الاقتصادية  تبشر  بالأمل أو لا تبشر  خاصة ونحن نعلم  أن  الاحتياطى النقدى يخرج منه  ديون وقروض لها تكلفتها وفوائدها التى تأكل جزاً كبيرأَ من  الميزانية العامة للدولة .

وبهذه القرارات سينخفض الدعم إلى ١٠٥ مليارات جنيه، ليكون إجمالى الدعم لجميع السلع ٣٣٣ مليار جنيه، ومازال لدينا عجز ٣٠٪ من احتياجات السوق، ونحتاج إلى الدولار، وتوافر السيولة يواجه أزمة بسبب عدم وصول قيمة مبيعات المنتجات محليا إلى القيمة الحقيقية للتكلفة .

نحن نعلم أن  الحكومة المصرية  تحاول إحياء اقتصاد الدولة منذ ثورة ٢٠١١ التى أنهت ٣٠ عاما من حكم حسنى مبارك ثم إسقاط دولة الإخوان، حيث تراجعت احتياطات النقد الأجنبى فى مصر بشكل كبير فى ظل التوترات السياسية المستمرة. واستوردت مصر منتجات نفطية بقيمة ٨.٦ مليار دولار من ميزانية عام ٢٠١٥-٢٠١٦، وهو ما يعادل ٧٦ مليار جنيه مصرى وبعد تعويم الجنيه أصبح هذا المبلغ يعادل ١٢٠ مليار جنيه مصري.

حمى الله مصر من المتربصين بها فى الداخل من الطابور الخامس ، الخونة الذى لن يرضيهم إلا سقوط مصر، ومن المتربصين بها فى الخارج والذين أفشل لهم الشعب والجيش المصرى بقيادة الرئيس السيسى مخططاتهم التى أرادوا بها تمزيق الوطن العربى لولا ثورة ٣٠ يونيه التى نعيش ذكراها هذه الأيام .