الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

تأملات في ليلة الإسراء والمعراج

مقالات3-3-2022 | 19:15

«عزيرٌ» شخصية يهودية، عاشت فيما بين سيدنا سليمان وسيدنا زكريا، وهي شخصية مختلف بشأنها هل يعد نبياً من أنبياء بني إسرائيل أم رجلا صالحا صديقاً كان يحفظ التوراة، وقد غالى فيه اليهود حتى أطلقوا عليه كذبا أنه ابن الله، المهم بيَّن الله في كتابه العزيز أن «عزير» مر على قرية خاوية على عروشها وتساءل كيف يعيد الله لها بهاءها ويجدد شأنها ويدخل الإيمان على أهلها فأماته الله مائة عام ثم بعثه.. بعثه كما هو.

ومرت عليه السنون كأنها يوم أو أقل، أكثر من ستة وثلاثين ألف يوم تمر عليه كأنها يوم أو بعض يوم، ثم يخبره الله بالحقيقة أنه مكث مائة عام، والدليل أن حماره الذي صحبه وجده جثة هامدة، لقد تحلل وأصبح عظاما نخرة، ولكن الأعجب أن طعامه وشرابه ظل كما هو ناضجا سليما والشراب لم يتبخر، فكلاهما (لم يتسنَّه) أي لا أثر للسنين عليهما.. لم يتأثر الطعام و لا الشراب كما تأثر الحمار الذي مات وتحلل بتأثير الزمن ومرور السنين عليهما، فأصبحت الصورة الآن كالآتي: عزير وطعامه وشرابه مرت عليهم السنوات كيوم أو بعض يوم، بينما حمار العزير مرت عليه السنوات كما هي.

 يستفاد من ذلك أن القدرة الإلهية صالحة، وأنها تستطيع أن تقهر الزمن بما شاءت وكيفما أرادت، فتطيله وتقصره، تُبارك فيه فيأتي آصف بن برخيا وزير سليمان بعرش بلقيس في غمضة عين من اليمن إلى الشام، وتضغطه فتمر المائة عام كدقائق على طعام العزير وشرابه، فيستفاد من ذلك أنه لا يستغرب ولا يستكثر أن يُسرى بالنبي الأحب الأكرم في رحلة الإسراء، ويعرج به في رحلة المعراج بكل ما في هاتين الرحلتين من انتقالات ومشاهدات وخُطَب وصعود وهبوط ومناقشات واستفسارات ومسامرات أحاديث وأحداث وتجليات وخصوصيات واختراق حجب الأكوان بمسافاتها الشاسعة.. لا يستبعد على فِكر المؤمن هذا الترقي الجسدي لخير خلق الله لما بعد السبع سموات.. وما أدراك ما تجاوز السبع سموات باتساعاتها.. إذ السماء الدنيا كما جاء في الأحاديث كحلقة في فلاة لما تليها من سماء وهكذا الثانية مع ما تليها حتى نصل إلى السماء السابعة وهي حلقة في فلاة عالم العرش الأقدس.

تقع هذه الأحداث التي تحتاج عمرا يقارب عمر البشرية، تقع في لحظات مباركات تمر على نبينا، يسرى به ويعرج ويعود ومهده لا يزال دافئا لم يبرد وكأن الزمن توقف له دون سواه كما حدث قريبا من ذلك مع طعام العزير مقارنة بحماره المتحلل، الملائكة نفسها تعرج إلى ربها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، بينما هذا شأن سرعة الثانية الواحدة لرسولنا ﷺ في ليلة استقبال وتشرف السماء بمقدمه.

 العجيب أن هناك من يَتشكك ويُشكِّك، و يقيس عطاء الله لخواصه من الأنبياء والرسل والصديقين على حاله الأعرج وتثاقل روحه وجسده القعيد فيستكثر فضل الله عليهم فينكر ويجره ذلك إلى ما لا يحمد عقباه، الشأن عند سيدنا رسول الله وإخوانه من الرسل وصديقيهم مغاير لعموم البشر .

 تأمل معي هذه اللطيفة واستأنس بها.. انظر إلى مسافة ما بين أصبعيه ﷺ أنت تراها كمسافة ما بين أصبعيك والأمر يختلف تماما في نظر سيادته فبينهما سنوات وأبعاد، يقول ﷺ بعثت أنا والساعة كهاتين ويفرج ما بين السبابة والوسطى، وتمر السنون و لم تقم القيامة بعد، رغم مرور أكثر من 1400 عام على هذه المقولة الشريفة.

مرت القرون ولم نصل إلى تمام المسافة في نظره ﷺ، يقول أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ويشير بذات أصبعيه فتأمل كم ضمت هذه المسافة اليسيرة في نظرك آلاف بل وملايين من كافلي الأيتام.. البعض يؤولها كناية ومجازا هذا في نظر من يقيس بأصبعيه هو، أما حقيقة الأمر فالله طبع حبيبه على الصدق و الحق وعدم المبالغة ، وأفصح وأبان ذلك في أصدق كتبه فقال (وما ينطق عن الهوى) .

اللهم صل على سيدنا محمد عبدك المخصوص بأكرم الخصوصيات المتجلى عليه بأجل التجليات الممدود من حضرة من ليس كمثله شيء وعلى آله وصحبه وسلم .