بقلم -نيفين الزهيري
في 11 سبتمبر 1993، وتحت أنظار واهتمام العالم أجمع تم توقيع اتقافية منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والذي حمل اسم "أوسلو"، بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون. وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية التي جرت في عام 1991 أفرز هذا الاتفاق فيما عرف بمؤتمر مدريد، وهي أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس. وشكل إعلان المبادئ والرسائل المتبادلة نقطة فارقة في شكل العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ولكن لم يكن يعلم هؤلاء الأطراف أن "اوسلو" ستقدم كعمل مسرحي علي العديد من المسارح في الولايات المتحدة الأمريكية بعد 24 عاما، بل وستحصد العديد من الجوائز المهمة لتطرقها إلي كواليس هذه الاتفاقية علي مدار 3 ساعات كاملة وهي مدة العرض.
فلقد نالت المسرحية لمؤلفها جيه.تي روجرز المستوحاة من اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط أرفع تكريم مسرحي بفوزها بجائزة توني لأفضل مسرحية في جوائز هذا العام في الحفل الذي أقيم في قاعة راديو سيتي في نيويورك، وقام روجرز بإهداء الجائزة إلي السيدات والسادة الذين يؤمنون بالديمقراطية ويؤمنون بالسلام والذين يستطيعون رؤية أعدائهم كبشر، بينما فاجأ مايكل أرونوف الجميع بفوزه بجائزة أفضل ممثل مساعد لدوره كمفاوض إسرائيلي في نفس المسرحية.
برودواي للندن
وتقدم هذه المسرحية منذ سنة في نيويورك وبالتحديد في يوليو 2016 علي مسرح برودواي، فهي لا تقلّ غنًى وطموحاً عن أيّ عمل مسرحي آخر في تاريخ برودواي الحديث، على رغم اختلافها في التعاطي مع فكرة الأداء المسرحي والتقنيات المشهدية وأمور أخرى. ومع تحقيق المسرحية نجاحاً شعبياً كبيراً واحتلت أخبارها الصفحات الأولى في الصحف، ما جعل منتجها ينتقل بها في أبريل الماضي إلى مسرح "فيفيان بومون ثياتر" الكبير (1200 مقعد) في لينكولن سنتر ، بعدما عُرضت على خشبة مسرح "ميتزي إي نيوهاوس" الأصغر حجماً، ومن المقرر ان تنتقل في سبتمبر المقبل الى لندن للعرض في العديد من المسارح هناك، كما قرر مارك بلات منتج "لالا لاند" اقتباس المسرحية سينمائيا.
9 أشهر
وأكد روجرز أن فكرة تناول هذه المفاوضات - التي استمرت تسعة اشهر في العام 1993- في عمل مسرحي بعدما تعرف في ديسمبر 2012 إلي الدبلوماسي النرويجي تيري رود لارسن، وزوجته منى يول المسهل الرئيسي لمفاوضات اوسلو، وقد أتى لحضور احدى مسرحياته، ويروي روجرز في مقدمة للمسرحية "ذهبنا الى احد المطاعم في لينكولن سنتر حيث تمت المقابلة والتي روى لي فيها الخطوات التي أقدم عليها للتوصل الى مفاوضات اوسلو، بالإضافة إلي جانب شبه مجهول من هذه المرحلة المصيرية إذ ان التاريخ يذكر خصوصا المصافحة التاريخية بين اسحق رابين وياسر عرفات في حديقة البيت الابيض التي سمحت لهما بنيل جائزة نوبل للسلام مع شيمون بيريز".
مفاوضون حائرون
وأكد روجرز أن المسرحية سجلت اهتماما كبيرا في نيويورك والتي تضم جالية يهودية ضخمة بسبب تقديمها بعض التفاصيل عن النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، كما أشار إلي ضحك الجمهور بشكل هيستيري أمام مشهد المفاوضين الحائرين بين مواقفهم المبدئية واكتشاف النقاط المشتركة التي تجمعهم بدءا بالفطائر التي تعدها الطباخة النرويجية، كما يتطرق العرض أيضا إلي أن هذه المفاوضات كان من المفترض أن تكون سرية، ولكن تقول منى يول التي تؤدي دورها الممثلة جنيفير ايليه في احد المشاهد "ثمة تسريب: وكالة فرانس برس تشير الى ان ثمة مفاوضات سرية في اوسلو".
6 جوائز
ويعود نجاح اوسلو كما أكد روجرز التي حصدت استحسان النقاد في أمريكا ورشحت لـ "6 جوائز" أخري في جوائز توني المسرحية، إلي أنها التفت إلي تعقيدات هذه المحادثات، وأنها لم تتطرق تقريبا الى مسألة القدس الشائكة جدا او الصلاحيات المناطة بالسلطة الفلسطينية في مشاهد المسرحية التي تعرض خلالها صور أرشيف لاعمال العنف التي كانت تسجل على الارض خلال المفاوضات.
فالمسرحية تتلاءم مع طموح مؤلفها جاي. تي. روجرز المعروف في عالم الكتابة الدرامية، وكذلك مع طموحات اثنين من شخصيّاتها، تيري رود لارسن ومنى جول، اللذين يمثلان الزوجين النرويجيّين الحقيقيين، اللذين ساهما في إطلاق سلسلة محادثات سلام سرّية بين إسرائيل ومنظمة التحرير، أدّت لاحقاً إلى إبرام اتفاق أوسلو، الاتفاق الذي أحدث سجالاً عربياً وعالمياً وانقسم حوله حتى الفلسطينيين والعرب، وجسّد في نظر كثيرين لحظة أمل عابرة في خضم الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي كلّف الفلسطينيين كثيراً من الدم والخراب والنزوح.
14 ممثلا
وقد اخرج العمل بارتليت شير الذي كشف من خلال اداء الممثلين الاربعة عشر عواطفهم وطموحاتهم وتعاطفهم المتعاظم الذي راح يجمع بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني والوسيطين النرويجيين اللذين ادى دوريهما جيفرسون مايز وجنيفير ايليه وهما كانا مرشحين لجائزتي افضل ممثل وممثلة، مع بعض شخصيات المسرحية خارجة عن المألوف مثل دور مايكل ارونوف الذي لعب شخصية المسئول في وزارة الخارجية الاسرائيلية اوري سفير، والممثل دانييل ارويسكيس الذي ادى دورين في المسرحية، الاستاذ الجامعي الاسرائيلي الذي اوفد أولا بصفة غير رسمية من قبل إسرائيل الى هذه المحادثات ومن ثم دور شيمون بيريز وصولا الى المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي الجانب الفلسطيني ادى انطوني عزيزي دور احمد قريع المدير العام لدائرة الشئون الاقتصادية والتخطيط في منظمة التحرير الذي يظهر في المسرحية جانبا محببا جدا وحسا ابتكاريا للتوصل الى اتفاق، قد يبدو مشهد المصافحة في حدائق البيت الابيض بعيدا جدا اليوم الا ان مسرحية "اوسلو" تعطي الحضور على مدى ثلاث ساعات الانطباع بأن السلام في متناول اليد كما أكد روجرز.
تواصل وحسب
بينما في نهاية العرض، قيل إنّ السلام الناتج من اتفاق أوسلو، فلم يصمد كثيراً أو كما يجب، مع ذلك، وفي لحظة تهيمن فيها الانقسامات الخبيثة على خلفيّة عرقيّة ودينيّة، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضاً في دول العالم، تعكس هذه الدراما مقولة "إي. إم. فورستر"، "تواصل وحسب"، وتطرح أسئلة حول السبب الذي يجعل هذا التواصل مستحيلاً.
وعلي الرغم من اعتقاد مؤلف مسرحية أوسلو بأنها تعكس الواقع، إلا أن أعضاء الوفد الإسرائيلي الذين شاركوا في محادثات السلام في أوسلو، فكان لهم رأي آخر، فالمستشار القضائي للوفد الإسرائيلي الذي شارك في المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين، يوئيل زينجر الذي شاهد المسرحية قال "ليست هناك علاقة تقريبًا بين ما مشاهد المسرحية وبين الواقع حيث تختلف شخصيات المسرحية التي تحمل أسماء شخصيات حقيقية شاركت في صياغة مسودة اتّفاق أوسلو في طابعها عن الشخصيات التي يدور الحديث عنها. هناك مشاهد يصرخ فيها الدبلوماسيون الإسرائيليون والفلسطينيون، يشتمون، وحتى أنهم يتشاجرون بالأيدي.
وأضاف زينجر إن "كل الشخصيات الإسرائيلية في المسرحية تبدو كرسومات. شخصيًّا، شعرت بعدم ارتياح عندما رأيت أنه تُستخدم أسماء في المسرحية لشخصيات أعرفها وتُنسب إليها صفات لا تُميّزها"، ويأمل كاتب المسرحية أن تُعرض في رام الله وتل أبيب أيضا وقال"إذا عُرضت فيهما فهذا عمل رائع، فهناك احتمال أكبر لأن تُعرض المسرحية في تل أبيب من أن تُعرض في رام الله. وفي حال عرضها من المؤكد أنها ستثير جدلا وهناك من سيعرب عن عدم رضاه عنها" قال كاتب المسرحية في مقابلة معه لصحيفة "هآرتس".