الأحاديث المتكررة للرئيس عبدالفتاح السيسى عن التعليم تشير إلى أننا فى حاجة شديدة إلى التطوير والمتابعة..واتخاذ الإجراءات الشديدة للمتابعة والتقييم المستمر.. لضمان أن يفضى هذا التطوير إلى خريج مؤهل تماماً لسوق العمل وليس لمجرد الحصول على ورقة أو شهادة..تثبت فقط انه حاصل على بكالوريوس أو ليسانس.
الحقيقة أننا فى حاجة إلى «ماستر» أونموذج للتعليم..لا يسمح للطالب بالتخرج إلا بعد انطباق المواصفات والمعايير المطلوبة.. والمطابقة لهذا النموذج المتقدم الذى وضعناه لا أن تترك الأمور لمجرد أيام وسنوات «تعدى» خلال الدراسة فى الجامعات دون وجود متابعة أو تقييم يفضى لمستوى الخريج والتساهل فى ذلك إلى الحد الذى ينتج عنه خريجون تأهيلهم ومستواهم العلمى لا يرقى إلى الحد الأدنى لمتطلبات سوق العمل.. وهو ما أشار إليه الرئيس السيسى فى حديثه عن تدريب 300 ألف خريج فى مجال البرمجيات من خريجى كليات الهندسة والحاسب الآلى وتكنولوجيا المعلومات ولم ينجح سوى 110 خريجين منهم رغم ان الدولة أبدت استعدادها لانفاق 30 ألف دولار على الخريج الواحد ليحصل على وظيفة تدر له دخلاً لا يقل عن 20 ألف دولار.
الحقيقة ان الوصول إلى مستوى خريج على درجة علمية كبيرة تواكب متطلبات سوق العمل أمر متشعب ومركب ويدخل فى هذه المهمة أكثر من طرف سواء نظام التعليم نفسه أو الطالب أو الجامعة والمعهد الذى تتم الدراسة فيه لذلك من المهم النظر إلى كل طرف من خلال إخراج رؤية خاصة به تحظى بالجديد والمتابعة والتقييم الذى لا يتم التفريط فيه تحت أى سبب من الأسباب وأن كل طرف لابد أن يلتزم بالمعايير والمواصفات القياسية.
دعونا نتحدث عن نظام التعليم.. فلا شك أننا فى حاجة إلى التطوير بعد أن عانى النظام القديم من الثغرات وعدم المواكبة لروح العصر وعدم قدرته على تفجير إبداعات ومواهب التلاميذ والطلاب لكن هذا التطوير لابد أن يصل فى مكوناته إلى أولياء الأمور والتلاميذ.. ما هى أهدافه ومكوناته وآلياته وكيفية التعامل معه لابد أن نفك شفرات النظام الجديد بمعنى أن يكون هناك توافق من خلال فهم ووعى بالنظام الجديد ويحتاج ذلك إلى شرح وطمأنة الناس.. وتعريف الطالب بطرق وأساليب التعامل مع المناهج أو مشروع التطوير الجديد.. وكيف يتم تقييمه وفقاً للنظام الجديد وماهية روح الامتحانات.
الأمر الثانى والمهم.. لابد من التركيز على الموضوعات والمجالات المطلوبة لسوق العمل من خلال رؤية متكاملة يضعها المسئولون والخبراء.. ويتم تدريب الطلاب وتأهيلهم عليها على أعلى مستوى وتوفير دورات وبرامج على مجالات ومتطلبات سوق العمل حتى بعد التخرج وتكون بأسعار فى متناول الأسر المصرية ولا تكبد الدولة خسائر فى نفس الوقت..المهم هو الإتاحة لكل من يرغب فى الحصول على فرصة عمل تناسب سوق العمل من خلال تعليمه وتدريبه وتأهيله على يد خبراء ومتخصصين على أعلى مستوى وكفاءة لاكتساب مهارات جديدة وبالاضافة إلى المشروع الذى تتبناه وزارة الاتصالات ويكلف الدولة 30 ألف دولار للخريج الواحد.
لماذا لا تتيح الوزارة برامج تدريب وتأهيل مدفوعة الثمن ويتحملها الراغبون فى الحصول على الدورات التى تتسق مع سوق العمل وتفتح أبواباً جديدة أمام الخريجين للحصول على فرص عمل حقيقية؟.
إذن النظام الجديد للتعليم المتطور والعصرى يحتاج شرحاً ووعياً وتفهيماً وترغيباً وحواراً حتى تتفق جميع الأطراف على أهميته لأن المواطن أو ولى الأمر خائف دون أن يتعرف على جوهر ومضمون وأهداف وآليات التطوير وأنها تحقق طموحاته وآماله وتطلعاته فى مستقبل أفضل يواكب سوق العمل ويتيح له مهارات كبيرة.
لابد أن نوضح للناس كيف يتعاملون مع النظام الجديد.. وكيف يتفوقون وماهية المناهج وكيفية الارتقاء بمستويات الطلاب والتلاميذ وبالتالى الخريجون.
فبعيداً عن المستفيدين بالنظام القديم من عباقرة وسماسرة الدروس الخصوصية والكتب الخارجية علينا أن نطمئن التلميذ وولى الأمر ونهدئ من روعهم وذلك لن يتحقق إلا بالحوار والوعى والفهم والإدراك لخطورة التمسك بالنظام القديم فى ظل تسارع التطور وايقاع العصر ومتطلبات سوق العمل.
وفيما يتعلق بالمدرسة والجامعة والكلية والمعهد.. هل تطبق عليهم الشروط والمواصفات والمعايير المطلوبة.. هل تتوافر فيها متطلبات إعداد وتأهيل تلميذ أو خريج على درجة علمية وتأهيل عالٍ رفيع المستوي.
وما قاله الرئيس السيسى عن ضعف مستوى الخريجين من كليات الهندسة والحاسب الآلى وتكنولوجيا المعلومات.. فى اعتقادى انه ليس مسئولية الطالب فقط ولكن ما يقدم إليه من تعليم.. وطبيعة انضباط ورؤية ودقة ومتابعة الكلية التى يدرس فيها.. هل التزمت بالجديد والمتابعة والانتظام الدقيق لسير العملية التعليمية.. وهل وفرت الأجهزة والمعامل والتكنولوجيا الحديثة أم مجرد أسماء وعناوين أو كما يقولون «والاسم كلية».. هل توفرت فيها كل عناصر ومقومات وامكانيات عملية تعليمية على أحدث مستوى تستطيع أن تؤدى فى النهاية إلى خريج تم تأهيله على أعلى مستوى وطبقا لمواصفات ومتطلبات سوق العمل هل الكليات والمعاهد الخاصة الموجودة تتوافر فيها عناصر ومقومات وامكانيات عملية تعليمية متطورة أم بعضها فقط من يملك هذه الامكانيات والمقومات.. وباقى الجامعات وتخصصاتها المختلفة مجرد مشروع أو بيزنس أو سبوبة لجمع الأموال والملايين من خلال المصروفات الدراسية.
السؤال المهم أيضاً هل الجامعات الحكومية تمتلك المتابعة والتقييم لضمان خريج على أعلى مستوي.. هل عضو هيئة التدريس لديه المسئولية الذاتية للاطمئنان على مستوى طلابه وقدراتهم.. هل هناك وسائل لعملية تقييم نهائى تقيس مستوى الطالب قبل تخرجه وصلاحيته لسوق العمل؟.
إننا فى حاجة إلى أن نغرس فى أعضاء هيئة التدريس البعد القومى والمسئولية الوطنية وادراكهم أن ما يقومون به عمل وطنى فريد من خلال تقديم خريج على أعلى درجة وليس مجرد أداء واجب، والسؤال المهم هل تم اختبار قدرات وامكانيات الطالب قبل تخرجه حتى تمنحه شهادة تحمل جدارة واستحقاق لسوق العمل.
عندما أتذكر ما حدث فى كلية طب الأسنان بجامعة دمنهور يصيبنى الرعب والهلع.. فكيف لكلية متخصصة فى طب الأسنان لا تتوافر بها أدنى مقومات التعليم فى هذا المجال ومن سمح بها.. ومن تستر على هذا الوضع كل هذه السنوات.. وأخشى أن يكون هناك نماذج مازالت موجودة لم تخرج إلى النور سواء فى التعليم الجامعى العام أو الخاص.. وهو ما يستوجب رقابة وتفتيشاً دورياً والسؤال عن كل صغيرة وكبيرة من خلال خبراء ومشايخ ورموز فى مجال التعليم بتخصصاته المختلفة.
إن التطوير أمر مهم للغاية وضرورة حتمية من أجل التقدم واضافة موارد بشرية ومادية جديدة لكن من المهم أيضا متابعة تفاصيل هذا التطوير.. وشموله بالتقييم الدائم والمستمر.. وألا يترك لوتيرة النمطية والاعتيادية والكلام يمضى على أحسن وجه ويكثر الكلام المعسول وضرورة مصارحة النفس والوقوف على النتائج بموضوعية ان أهم مقومات النجاح هو موضوعية تقييم التطوير.. ودائماً السؤال هل تتوافر فى مكونات نظام التعليم الجامعى العام والخاص مقومات النجاح.. هل تتوافر الامكانيات ومتطلبات كل تخصص هل تتم متابعة كل طالب والوقوف على مستواه.. فلدينا عشرات بل مئات الكليات النظرية وعلى سبيل المثال تخصصات الإعلام مثلاً تجاوزت رقم الثلاثين والسؤال هل تتوافر فيها كل الامكانيات والمقومات والمتطلبات لتخريج إعلامى أو صحفى على المستوى المطلوب؟.
هل جميع كليات الهندسة والحاسبات وتكنولوجيا المعلومات تتوفر فيها كل متطلبات إعداد وتأهيل خريج مواكب لسوق العمل.
نحتاج رؤية ونظرة شاملة لتطوير التعليم تبدأ من التعليم الأساسى وحتى الجامعى..التطوير فى حد ذاته ليس أمراً صعباً ولكن الصعب أو المهم هو متابعة وتقييم هذا التطوير بمعنى أننى أريد أن أقف على رأس كل طالب للوقوف على مستواه ودرجة إعداده وتأهيله وضمان كفاءته قبل التخرج.. والسؤال لماذا لا يتضمن التأهيل والإعداد داخل الجامعات خاصة فى مجال الهندسة أو الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات تدريباً ميدانياً أو فى المؤسسات أو وزارة الاتصالات وتطمئن على أنه يواكب سوق العمل؟.. لماذا يضيع الوقت فى علوم ودراسة نظرية دون احتكاك حقيقى بمتطلبات سوق العمل؟.. لماذا تضيع إجازة الصيف دون الدفع بالطلاب إلى ميادين ومواقع ومؤسسات العمل على أرض الواقع؟.
أحسنت وزارة التعليم العالى كما قال الدكتور خالد عبدالغفار بالتوسع فى كليات التكنولوجيا.. لكن المهم أن تكون هناك نظم تعليمية وتدريبية موضوعية وحازمة وصارمة وتقييم حقيقى واثق فى توفير كافة المتطلبات لها لنجاحها لكن المهم المتابعة والتقييم حتى تفرز الخريج الذى ننشده لسوق العمل فى الداخل والخارج.
الحقيقة ان العقود الماضية كشفت بوضوح عورات النظام التعليمى القديم والحاجة الشديدة لنظام جديد أكثر تطوراً وملاءمة للعصر وسوق العمل والتكنولوجيا.. لكن أخشى ان يكون التطوير فى الامكانيات فى دولة لا تتأخر عن توفير كل شيء «زى» ما الكتاب بيقول وان يظل البشر على نفس الحال وبالعقلية القديمة.. والإدارة العقيمة الشكلية التى لا تطمئن إلى أن الأهداف المطلوبة تتحقق وهذا يحتاج إلى تقييم خلاق ومتابعة على مدار الساعة خاصة عن البرامج التعليمية ومدى استجابة الطلاب لها ومدى تأهيلهم وتدريبهم.. فلم تعد الأمور تتطلب رفاهية الجلوس فى المكاتب أو الاكتفاء بالشرح والمغادرة على الفور دون الوقوف على جدوى العملية التعليمية ومخرجاتها ونتائجها فى مستوى الطالب أو الخريج عاماً بعام هذا فى اعتقادى هو الأهم.
تحيا مصر