الثلاثاء 2 يوليو 2024

الاعتراف سيد الأدلة

6-7-2017 | 23:53

بقلم –  سناء السعيد

عودنا الغرب المريض دوما على شعارات يرددها ويفرضها على الآخرين كشروط إذعان، بينما هو لا يعتد بها ولا يطبقها، والنموذج بريطانيا رأس الأفعى، والتى كثيرا ما تتحدث عن احترام حقوق الإنسان ومراعاة الحريات، بيد أن ممارساتها تصفعها لتبدو حقيقتها ناصعة كفزاعة ضد الحريات وضد حقوق الإنسان، ويكفى ممارساتها الصادمة التى تشهد على تورطها فى جرائم بشعة كان من بينها تلك الجريمة التى ارتكبها جهاز مخابراتها فى ١٩٩٧ عندما اغتال الأميرة ديانا، وهى الجريمة التى كشف عنها مؤخرا من نفذها ويدعى “جون هوبكنز” وهو ضابط متقاعد فى المخابرات البريطانية الداخلية “إم آى ــ ٥”، فلقد فاجأ الجميع بسلسلة اعترافات تتعلق بموت الأميرة ديانا، وكشف النقاب عن أنه كان أحد العاملين بالجهاز ومكلف باغتيال الشخصيات التى تشكل تهديدا للأمن الداخلى لبريطانيا، وأنه تورط فى اغتيال ٢٣ شخصية كلفته بها وكالة الاستخبارات البريطانية فى الفترة ما بين ١٩٧٣ ـ ١٩٩٩ وكان اغتيال الأميرة ديانا إحدى هذه المهمات.

أما ما حدا به إلى كشف المستور اليوم فهو صراعه مع المرض لا سيما بعد أن أخبره الأطباء بأنه قد لا يعيش إلا أسابيع قليلة. ولهذا خرج ليفجر قنبلة من العيار الثقيل ويعترف بجرمه ويدلى بتفاصيل العملية الدنيئة التى نفذها والمكلف بها من قبل الجهاز الاستخبارى، بعد أن تأكد له أن ديانا كانت تعرف الكثير من الأسرار الملكية وتكره العائلة، وأنها كانت تستطيع إظهار ذلك فى أى وقت وبشكل علنى، ويتحدث “ جون” عن أن رئيسه فى الجهاز استدعاه وكلفه بالمهمة وأبلغه بأنه تلقى الأمر مباشرة من الأمير” فيليب”، وطلب منه أن تظهر العملية وكأنها حادث سير. ومن ثم جاء الادعاء فى تبرير مصرع الأميرة من خلال أكذوبة تقول إن سائق الأميرة تناول الكثير من الكحول وفقد السيطرة على السيارة المرسيدس التى كان يقودها حيث كان يسير بسرعة ١٦٠ كلم فى الساعة. ويتحدث جون هوبكنز بمزيج من الندم قائلا: (لم أكن قد قتلت امرأة من قبل. ولكنى أطعت الأوامر. فعلت ذلك من أجل الملكة ومن أجل بريطانيا). وكشف النقاب عن أن القصر الملكى أوعز لوسائل الإعلام أن تحيك القصة بشكل جيد وتروى الأحداث فى السياق نفسه بحيث يبدو مصرع الأميرة ديانا ناجما عن حادث السيارة.

جاء موت ديانا ليضع نهاية لأسطورة القرن العشرين التى شغلت العالم بأخبارها منذ دخولها العائلة الملكية البريطانية عام ٨١ زوجة لولى العهد الأمير تشارلز، وحتى بعد موتها فى الساعات الأخيرة من ٣١ أغسطس ٩٧ مع صديقها المصرى “دودى الفايد” فى حادث اصطدام السيارة التى تقلهما فى نفق الما فى باريس، والتى كانت تفتقر لمعايير السلامة، إنها ديانا التى عاشت أعنف المشاهد المأساوية على الإطلاق فى قصر باكنجهام حيث جمعتها علاقة فاترة بالأمير تشارلز، وهو الرجل الذى لم يكن يحفل بها، فلقد كان مشتتا بينها وبين حبيبته السابقة “كاميلا باركر” التى أصبحت زوجته فيما بعد، ولا شك أن مقتل ديانا كان له وقع الفاجعة على ملايين البريطانيين ومحبيها عبر العالم، كثيرون تحدثوا عن فك طلاسم مقتل أميرة ويلز حيث طغت الحيرة والغموض على الحادث الذى مازال الملايين يتلهفون لمعرفة تفاصيله وأسراره، واليوم جاء الخبر اليقين على لسان عميل المخابرات جون هوبكنز.. حدا به إلى ذلك شعوره بدنو أجله، ومن ثم رأى أن يبرئ ساحته من تأنيب الضمير ووجد ضالته عبر الاعتراف بجريمة الاغتيال، وبأن الحادث كان مدبرا.

أراد الله للحق أن يظهر. وقد يكون الاعتراف قد جاء متأخرا ولكنه يوثق للحقيقة التى تظهر كيف أن بريطانيا لا تتورع عن ارتكاب أى جريمة. وما كان “جون” ليعترف بما اقترف إلا لأنه بات على شفا الموت، وبالتالى لم يعد يخشى اعتقاله أو توقيع أى قصاص عليه لاسيما أن التحقيق فى هذه الجريمة معقد وقد يستمر وقتا طويلا بسبب ندرة التسجيلات التى توثق عمل جهاز المخابرات، فضلا عن أن معظم زملاء جون قد توفوا، وبالتالى لم يعد يأبه على حياته بعد أن اعتبر نفسه فى عداد الراحلين.....