الجمعة 26 ابريل 2024

دلالات خطاب الرئيس السيسي حول قضية السد الأثيوبي (3)

مقالات7-3-2022 | 12:38

جاءت الدراسة المهمة التي أجراها الباحث المجتهد د. محمد عبد العزيز سيد طه عصيدة مدرس الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة بني سويف والمعنونة "سيميائية خطاب الرئيس السيسي حول قضية السد الأثيوبي خلال اطلاق مشروع تنمية الريف المصري"، والتي استهدفت الكشف عن الدلالات السيميائية الكامنة وراء إنتاج خطاب الرئيس السيسي (اللغوي والبصري) بإستاد القاهرة الدولي خلال اطلاق المشروع القومي لتنمية الريف المصري "حياة كريمة".

 

من الملامح الرئيسة لخطاب السيسي هو البدء بالخطاب الارتجالي قبل النصي المكتوب، بسرد حلمه القديم بأنه حال امتلاكه الأموال الخاصة (100 مليار جنيه) سيغير حياة المصريين في الأحياء العشوائية للأفضل، مستخدماً حركات جسدية ونظرات وتعبيرات وجهٍ تتضمن الرضا عما أنجزه خلال سنوات حكمه من خطوات فعلية للقضاء علي العشوائيات بتشييد المدن السكنية الجديدة في ربوع مصر. مستأنفاً حديثه بأن الله قد منحه الأكثر من المال وهو البركة، موجهاً الشكر والاعتراف بفضل الله علي الشعب المصري جميعاً في حفظه أمن وسلامة وطنهم، مستشهداً بما ألّم بالدول العربية الأخرى من دمار وتشريد. وهنا تؤكد البدايات الاستهلالية للخطاب الارتجالي للرئيس، الصبغة الدينية الوسطية للمتحدث اللصيقة الصلة بالشخصية المصرية حاضنة الحضارات الدينية السماوية. مما يشير ضمناً إلى التصدي لقوي الشر التي تحتكر الدين لذاتها وفق أيديولوجياتهم المتطرفة. مقدماً مقارنة بين الفكر الديني للجماعات المتطرفة التي تسخر الدين لأجل الدمار والخراب، وبين الفكر الإسلامي الوسطي السليم الذي يسعي لحفظ دماء الناس وتحسين سبل معيشتهم.

 

تتخذ القضايا أولوية طرحها وفقاً للأهمية التي تحظي بها لدي المتحدث والجمهور، إلا أن طبيعة الاحتفالية التي أُلقي خلالها الخطاب الرئاسي، فرض الاستهلال بالنجاحات الوطنية والاقتصادية التي حققها المتحدث خلال العقد الأخير، ووفقاً لرؤية رولان بارت فإن البدايات دائماً ما تمهد العلاقة بين المتلقي والمتحدث، فهي قاعدة انطلاق المرسل ليصل إلي مستمع الخطاب، فقد اتبع المتحدث تكتيك المصادرة علي المطلوب بجعل النتيجة مقدمة أو الاعتماد علي مقدمات تتضمن المطلوب إثباته، ليستنتج منها المستمع ما نريد أن يستنتجه، بغرض الإشارة إلي النتائج المستقبلية المرتقبة للقضية الرئيسة (الحقوق المائية). ومن خلال فحص بدايات نص خطاب الرئيس السيسي فقد جاءت مطولة إلي حد كبير، استعرض خلالها التحديات التي مر بها شعب مصر منذ 2012 وحتي يوم إلقاء الخطاب 15- 7-2021.

وقبل البدء في تحليل الخطاب الرئاسي، لابد من الوقوف عند أول إشارة سيميائية غير لفظية وهى توقيع وثيقة المشروع القومي لتنمية الريف المصري "حياة كريمة"، كما هو في الكادر التليفزيوني التالي، والتي تحمل في طياتها معني إصرار القيادة السياسية علي مواصلة الطريق رغم صعوبة التحديات وفق "استراتيجية التنمية المستدامة 2030" بتكاتف كافة فئات الشعب المصري المحتشدين باستاد القاهرة الدولي.

 

  كانت أول كلمات ينطق بها المتحدث فور وقوفه بمنصة إلقاء الكلمة هي صيغة البسملة، لتأتي الإشارة السيميائية الثانية غير اللفظية وسط تفاعل وهتافات الجمهور، وهي نظرات متفائلة بانورامية لليمين واليسار حيث الجمهور المحتشد بالمدرجات، تحمل معاني الأمل بمستقبل أفضل لمصر، باصطفافهم وراء القيادة السياسية. موجهاً إليهم التحية وجزيل الشكر علي المساندة والدعم الشعبي.

ويبدأ المتحدث في إلقاء الخطاب النصي المكتوب، حيث تم تحليل البني في ضوء العلاقات السيميائية (العلامة- الدال- المدلول الغرض).

1- انتصار الهوية المصرية

   "أقف متحدثًا إليكم اليوم في لحظة يمتزج في نفسي مزيج من السعادة والفخر السعادة بوجودي في وسط رموز وممثلين من كافة فئات الشعب المصري والفخر بما حققناه معا من انتصارات متتالية وإنجازات عظيمة تحققت بسواعد أبناء مصر وبدماء شهدائنا الأبرار ..".

العلامة: انتصار الهوية المصرية

الدال: استعادة مصر

المدلول:

  • أيها الشعب الأبي الكريم.
  • رموز وممثلين من كافة فئات الشعب المصري.
  • بما حققناه معا من انتصارات متتالية وإنجازات عظيمة.
  • إرادة الأمة المصرية في استعادة مصر ممن أرادوا انتهاك قدسية أرضها.

 

الغرض: التأكيد على نجاح الرئيس في تحمل مسئولية الوطن بمساندة الشعب في التصدي للتحديات.

 

  استهل الرئيس السيسي خطابه النصي، بالتأكيد على أن الشعب هو مصدر السلطات، باعتباره ممثلاً لكل المصريين مدافعاً عن إرادتهم الوطنية في الحفاظ علي الهوية المصرية. ملقياً الضوء علي إجمال ما حققته الإدارة المصرية بمساندة القيادة السياسية ووحدة الصف المصري، في التصدي لجماعة الإخوان المسلمين الذين أرادوا انتهاك حرمة الدولة المصرية متخذين من العنف والفهم الخاطئ لصحيح الدين الإسلامي أداةً لطمس الهوية المصرية الأصيلة لصالح أيديولوجياتهم المتطرفة. وتجدر بنا الإشارة إلي أن تذكير الجمهور بالإنجازات والانتصارات التي حققتها الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس، يمثل تهدئة لحالة القلق الشعبي حول مصير المياه.

 

 

2- الانحياز المطلق للشعب

    "وأجدني ومعي الجيش المصري الذي شرفت بقيادته في تلك اللحظات العصيبة من تاريخ الوطن وقد كان انحيازنا مطلقًا لإرادة هذا الشعب العظيم. وعلى قدر ما كانت التحديات والصعوبات، التي واجهتنا جراء قرارنا شعبًا ودولة بأن نستعيد مصر من شرذمة البغي والضلال التي تتاجر بالوطن والدين .."

العلامة: الانحياز المطلق للشعب

الدال: إنقاذ الوطن

المدلول:

  • أجدني ومعي الجيش المصري كان انحيازنا مطلقًا لإرادة هذا الشعب العظيم.
  • نستعيد مصر من شرذمة البغي والضلال.
  • أن نحقق النصر المبين في معركتي البقاء والبناء.
  • زادي في رحلة العمل على رأس فريق إنقاذ الوطن هو التجرد والإخلاص،
  • لم تيأس بفعل آلات إعلامية تسعى لإحباط العزائم، ولم يثنها إرهاب غاشم عن أهدافها.
  • العبور بالوطن نحو آفاق المستقبل.

الغرض: تذكير الجماهير بالانحياز المطلق لهم، والتجرد والإخلاص للعبور بالوطن نحو آفاق المستقبل.

  جاءت فقرة الانحياز المطلق للشعب مطولة، أكد الرئيس السيسي خلال كلمته الارتجالية قبل البدء في خطابه النصي المكتوب، بأنه دائما ما كان يحلم بتغيير أحوال المصريين بالمناطق العشوائية حال امتلاكه للمال الخاص (100 مليار جنيه)، منوهاً إلي انحيازه المطلق للمصريين وللكادحين قبل تقلد المناصب العسكرية الرفيعة أو تقلده سدة الحكم في مصر منذ يونيو 2014. وأنه حينما تقلد قيادة القوات المسلحة في تلك الحقبة العصيبة من تاريخ مصر، لم يكن لديه خيار سوي الانحياز المطلق لإرادة الشعب واثقاً في قدرته علي استعادة هوية مصر من شرذمة الضلال والبغي، منوهاً ضمناً بأنه لم يكن أبداً طامعاً في السلطة، وأن لبي نداء الشعب رغم اعتزازه بزيه العسكري، وخاض غمار التحدي وتحمل مسئولية البلاد لتحقيق النصر في معركة البقاء وكسر شوكة الإرهاب الغاشم الذي هدد حياة الأبرياء، ومعركة البناء للعبور بالوطن نحو آفاق المستقبل، مؤكداً علي تجرده وإخلاصه للوطن، مهما حاول الإعلام المعادي للدولة المصرية التشويه والتضليل أو إحباط العزائم. وأنه مهما كانت التحديات كبيرة فإن الإرادة السياسية بمساندة الشعب بكافة فئاته أقدر علي تخطيها.

 

 

3- إنجازات القيادة السياسية

"وعلى التوازي كان السباق مع الزمن لبناء مصر المستقبل وتعظيم قدراتها وأصولها فكانت المشروعات القومية الكبرى رمزًا يعبر عن إرادة المصريين في البناء.."

العلامة: إنجازات القيادة السياسية

الدال: بناء مصر المستقبل

المدلول:

  • واجهنا موجة إرهاب عاتية.
  • اقتحمنا مشكلات وأزمات اقتصادية متراكمة على مدار عقود.
  • أعدنا معا بناء مؤسساتنا الوطنية الدستورية وقد تشكلت الغرف التشريعية.
  • المشروعات القومية الكبرى رمزًا يعبر عن إرادة المصريين في البناء.
  • إسكان اجتماعي يوفر المسكن الملائم لشبابنا.
  • تطوير للمناطق الخطرة وغير الآمنة للقضاء على العشوائيات.
  • تحديث شامل لشبكة الطرق القومية. وزيادة الرقعة الزراعية.
  • تحسين جودة الحياة لحوالي ٥٨ مليون مواطن خلال السنوات الثلاث القادمة.

الغرض: الإشادة برؤية القيادة السياسية والاقتصادية لمواجهة كافة التحديات والأزمات.

   ذهب الرئيس السيسي إلي ذكر الإنجازات التي حققتها الدولة المصرية منذ توليه المسئولية، وهي إنجازات كبيرة في ظل تهديدات داخلية تمثلت في التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي استهدفت القوات المسلحة والشرطة وكذلك حياة الأبرياء لإفقاد الشعب الثقة في قدرة مؤسسات الدولة علي مواجهته، وهو ما ألقي بظلاله علي صناعة السياحة والاستثمار، وتهديدات خارجية تمثلت في تآمر العديد من الدول ذات المصالح السياسية والاقتصادية لفرض وصايتها علي الشعب المصري وتهديد أمنها القومي، مثل: التدخلات القطرية والتركية وإيواء العناصر الإرهابية، التوسعية الإيرانية وتدريب العناصر المتطرفة، تنظيم داعش بدولة ليبيا، النظام السوداني السابق ودعمه لعناصر تنظيم الإخوان.... الخ.

  إضافة إلي الأزمات الاقتصادية المتراكمة منذ عقود، مثل: الصحة والعشوائيات والطاقة... وغيرها. وهنا أراد المتحدث التأكيد ضمنياً بأن ما تحمله المواطن المصري من تبعات وقرارات الإصلاح الاقتصادي، مثل: تعويم الجنيه، ضريبة القيمة المضافة، رفع الدعم عن الكهرباء والمحروقات تدريجياً... وغيرها. كان نتاج تقاعس الحكومات السابقة عن اتخاذ القرارات الاقتصادية السليمة خوفاً علي مناصبهم، وأنه لابد من التصدي لها لضمان وصول الدعم لمستحقيه. إلا أن الدولة قد نجحت في تقليص قوائم انتظار العمليات الجراحية، إطلاق مبادرة 100 مليون صحة، القضاء علي فيروس التهاب الكبدي الوبائي، كما تصدت الدولة لملف الطاقة وتبدل الحال من انقطاع مستمر للتيار الكهربائي إلي تصدير الطاقة للخارج، بل إيجاد منابع جديدة للطاقة المتجددة (مشروع بنبان)، حولت الدولة الكثير من المناطق العشوائية إلي مدن سكنية ترفع من جودة حياة المصريين. وبناء وحدات الإسكان الاجتماعي لمواجهة قلة المعروض.

  تشكيل الغرف التشريعية الممثلة للشعب المصري التي تحمل علي عاتقها إصدار التشريعيات لإنفاذ إرادة الشعب في الإصلاح وتحقيق الاستقرار.

  انطلاق المشروعات القومية الكبرى لبناء مصر المستقبل وتعظيم قدراتها وأصولها، مثل: شبكة الطرق القومية، زيادة الرقعة الزراعية وتدشين الدلتا الجديدة، وصولاً للمشروع الوطني الأهم لتنمية الريف المصري حياة كريمة، لتحسين جودة الحياة لحوالي 58 مليون مواطن بأربعة آلاف قرية خلال السنوات الثلاث القادمة بموازنة تقارب الــ ٧٠٠ مليار جنيه، مما يقلص الفجوة الخدماتية بين الريف والحضر.

   وتتمثل أهمية تركيز السيسي على الإنجازات التي حققتها الدولة منذ توليه المسئولية، فيما يلي:

  • التأكيد على مدى تلاحم القيادة السياسية مع المواطن المصري.
  • التأكيد علي جدوى المشروعات القومية التي نفذتها الدولة ومازالت.
  • التأكيد علي نزاهة مسئولي الدولة ومحاربتها للفساد.
  • إثبات قدرة الدولة علي التصدي لمختلف الملفات السابقة، وبالتالي فهي قادرة علي إدارة ملف المياه.
  • استعادة ثقة الجمهور عقب الموقف السلبي لمجلس الأمن في حل مشكلة السد الإثيوبي، حيث سعي الاعلام المعادي إلي تأجيج مشاعر الخوف والقلق لدى المصريين.

 

 

4- الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة

   "وإنني إذ أعلن اليوم، انطلاق هذا المشروع الطموح مستعينا على تنفيذه بالله وبثقتي في قدرات المصريين - دولةً وشعبًا فإنني اعتبره تدشينًا للجمهورية الجديدة، الجمهورية المصرية القائمة بثباتٍ ورسوخ على مفهوم الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة .."

العلامة: الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة

الدال: تدشين الجمهورية الجديدة/بناء الإنسان المصري

المدلول:

  • الجمهورية القائمة بثباتٍ ورسوخ على مفهوم الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة.
  • القدرات الشاملة: عسكريًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، واجتماعيًا.
  • المواطنة وقبول الآخر.
  • ترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية والكرامة والإنسانية.
  • لبناء الإنسان المصري بناءً متكاملًا صحيًا وعقليًا وثقافيًا.

الغرض: الإعلان عن أسس الدولة المدنية الحديثة.

  صرح الرئيس السيسي خلال فعاليات الاحتفال ببدء حصاد القمح بمشروع المليون ونصف المليون فدان بمنطقة سهل الغاب بالفرافرة بالوادي الجديد في مايو 2016 " أن مصر شبه دولة ويجب أن تتحول إلى دولة حقيقية "، ليعلن بعد خمس سنوات من العمل الدؤوب تدشين الجمهورية الجديدة خلال إطلاق المشروع القومي لتنمية الريف المصري، في إشارة سيميائية إلي قوة الإرادة السياسية، مؤكداً قيامها علي مفهوم الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة بقدراتها الشاملة، إعلاء قيم المواطنة وقبول الآخر، ترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية والكرامة والإنسانية، وبناء المواطن المصري صحيًا وعقليًا وثقافيًا بما يناسب تطلعاته. فقد انصرف أذهان الكثير أن مصطلح الجمهورية الجديدة يعني افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، إلا أنها تشمل تنمية الإنسان بإطلاق العديد من المبادرات الرئاسية التي تمس حياة المواطنين بتحسين جودة معيشتهم، كما جاءت الجمهورية الجديدة لمواكبة تحديات العصر، ومواجهة حروب المستقبل وآلياته التي تسعي لاحتلال العقول بدلًا من الأوطان، لذا كانت الحاجة إلي مدن ذكية تتنبأ بهذه الحروب وتتحكم فيها، كخطوة استباقية للأحداث المتلاحقة من حولنا.

 

 

5- العهد والوعد

"إنني أجدد معكم العهد وأصدقكم الوعد بأن نبدأ جمهوريتنا الجديدة المولودة من رحم ثورتكم العظيمة في ٣٠ يونيو عازمين على المضي قدمًا نحو المزيد من العمل والبناء .."

العلامة: العهد والوعد

الدال: مزيد من العمل والبناء/الامتنان بجهود فئات الشعب ومؤسساته

المدلول:

  • أجدد معكم العهد وأصدقكم الوعد.
  • عازمين على المضي قدمًا نحو المزيد من العمل والبناء.
  • موفرين كافة السبل لشبابنا لتحقيق مستقبل يليق بهم.
  • أعبر عن عظيم امتناني للشعب المصري العظيم.
  • أتوجه بالشكر لرجال الجيش المصري والشرطة المصرية.
  • أشكر كل عامل، فلاح، عالم، كما أتوجه بتحية خاصة للمرأة المصرية العظيمة.

الغرض: التعهد بمواصلة العمل والبناء/ شحذ مساندة المجتمع ومؤسساته.

  جدد الرئيس العهد الذي قطعه علي نفسه أمام المصريين منذ انحيازه المطلق لجموع الشعب في ثورتهم ضد من أرادوا طمس الهوية المصرية وفق أيديولوجياتهم المتطرفة في 30 يونيو، والتي نقطة انطلاق نحو الجمهورية الجديدة بقدراتها الشاملة لتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية. فقد أردف المتحدث (داعمين المزيد من المساحات المشتركة بين أبناء الوطن موفرين كافة السبل لشبابنا) بعد عطف التنمية السياسية علي الاقتصادية، في إشارة سيميائية لمزيد من سبل دعم المشاركة السياسية للشباب لتحقيق مستقبل يليق بهم في وطنهم باعتبارهم قادة المستقبل وأمل الأمة في النهوض والتنمية للمشاركة في رسم السياسات، فقد كان أول كياناتها هو اتحاد شباب الجمهورية الجديدة. وجاء امتنان الرئيس للشعب المصري بمختلف فئاته ومؤسساته التي تصدت لكل التحديات التي هددت أمن مصر وسلامتها في الداخل والخارج لصون كرامة الوطن وحماية مقدراته، وقد اختتم تلك الفقرة بتوجيه التحية والشكر للمرأة المصرية التي تمثل نواة الأسرة والمجتمع المصري، التي كانت في طليعة المسيرة الوطنية. وبقراءة متعمقة لتلك الفقرة نجدها تحمل في طياتها إشارة سيميائية حول وحدة الصف الوطني ضد أية تدخلات في شئون الدولة باستخدام المنصات الإعلامية المعادية التي تسعي لتدميرها بنشر الشائعات والمعلومات الزائفة بما ينال من ثقة المواطنين في قيادتها السياسية.

 

 

6- العلاقات الخارجية

"إن مصر تدير علاقاتها الخارجية إقليميًا ودوليًا بثوابت راسخة ومستقرة قائمة على الاحترام المتبادل والجنوح للسلام وإعلاء قواعد القانون الدولي كما أن مصر أيضا قد أصبحت تمتلك من الأدوات السياسية والقوة العسكرية والاقتصادية ما يعزز من إنفاذ إرادتنا وحماية مقدراتنا.."

 حمل نص الخطاب المكتوب بشكل ضمني تحذيراً للمجتمع الدولي بشكلٍ عام عقب تخاذل مجلس الأمن عن ردع التعنت الإثيوبي، وكذلك تحذيراً للحكومة الإثيوبية التي اتخذت إجراءات أحادية في ملء وتشغيل السد، وقد تمثل هذا التضمين في استخدام عدد من الثنائيات البنيوية، منها: (الاحترام المتبادل والاستخدام الرشيد للقوة/امتلاك أدوات إنفاذ الإرادة) والاحترام المتبادل هو عدم ممانعة مصر حقوق الجانب الإثيوبي والسوداني ودول حوض النيل في جعل المجري المائي شراكة للتنمية الاقتصادية دون فرض الدولة المصرية القوة كأكبر قوة عسكرية في أفريقيا والشرق الأوسط، أما امتلاك أدوات إنفاذ الإرادة فيتمثل في قدرات مصر العسكرية والاقتصادية والسياسية التي يمكن استغلالها لحماية حقوقها المائية.

  كما أشار الخطاب إلي ثنائية (الجنوح للسلام /المساس بدوائر الأمن القومي ومقدرات الوطن) حيث استخدم المتحدث لغة جسد حازمة عند النطق بجملة "إن المساس بأمن مصر القومي خط أحمر ولا يمكن اجتيازه "شاء من شاء.. وأبى من أبى"، ثم أردفها بــ "إن ممارسة الحكمة والجنوح للسلام لا يعنى بأي شكل من الأشكال السماح بالمساس بمقدرات هذا الوطن والذي لن نسمح لأي ما كان أن يقترب منه" ثم استخدم نبرة صوت هادئة ذات دلالة سيميائية تشير إلي الإمساك بزمام الأمور "ولدينا في سبيل الحفاظ عليه خيارات متعددة نقررها طبقًا للموقف وطبقًا للظروف". وهذا تكرار للتحذير الذي أطلقه الرئيس للمجتمع الدولي بقناة السويس عقب تعويم السفينة الجانحة Ever Given "محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر واللي عايز يجرب يجرب، وإلا هيبقي فيه حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد".

  جاء النص المكتوب تدريجياً في صياغة التحذير وصولاً لأعلي مستوياته "والذي لن نسمح لأي ما كان أن يقترب منه" وهذا يحمل في طياته تحذيراً ضميناً لدولة إسرائيل، حيث أثيرت معلومات استخباراتية حول تأمين السد الإثيوبي بمنظومة صواريخ إسرائيلية من طراز Spyder-MR المضادة للطيران، وبالتالي توجيه رسالة للولايات المتحدة الأمريكية التي تتولي مسئولية أمن إسرائيل ودعمها بأحدث التكنولوجيات العسكرية والمقاتلات الشبحية F35 لضمان تفوقها النوعي بالمنطقة العربية. ويري السياسيين إمكانية ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تمارسها مصر علي الدول الممولة لبناء السد حيث إن الصين لها علاقات تجارية مع مصر تقدير بـــ 7 مليارات دولار سنوياً واستثمارات بقيمة 500 مليون دولار، علاوة على وجود نحو ألف شركة صينية تعمل داخل مصر، كما أن إيطاليا لها علاقات تجارية معنا تقدر بنحو 5.7 مليار دولار سنوياً. وسياسياً يمكن لإسرائيل فيمكن الضغط عليها بأكثر من ورقة كالمصالحة الفلسطينية ومراجعة أسعار تصدير الغاز الطبيعي، والذي تحصل عليه بأسعار أرخص من أسعاره العالمية وفقاً لاتفاقية أبرمت في عهد مبارك، علاوة على التلويح بإمكان مراجعة معاهدة السلام وفقاً لما هو منصوص عليه بها.

Dr.Randa
Dr.Radwa

الاكثر قراءة