الإثنين 13 مايو 2024

أزمة الإسلام في الحرب الروسية الأوكرانية

مقالات11-3-2022 | 11:46

لقد نال الإسلام أقساطا كبيرة من الأزمات عبر تاريخه، يرجع كثيرها لأسباب تخص المسلمين ويرجع قليلها لأسباب متعددة أخرى.

وقبل الحديث عن أزمة الإسلام فى هذه الأيام، دعونى أولاً أوضح لحضراتكم معنى كلمة أزمة !

ولقد أوصانا القرآن الكريم بالتعرف على الحضارات واللغات والأجناس المختلفة بقصد نشر السلام والسلم المجتمعى انطلاقا من المشتركات الإنسانية العامة.. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات (13)

ومن هذه المشتركات الإنسانية التى ينبغى أن تكون جسراً بين الشعوب والحضارات واللغات، " تكامل المفاهيم بين اللغات المختلفة ".. فكثيراً ما تختص اللغة العربية بمفاهيم ومضامين ليس لها مرادف فى اللغات اللاتينية، رغم أنها إضافة لوعاء العقل البشرى، والعكس صحيح، هناك مفاهيم فى لغات أخرى ليس لها مرادف فى اللغة العربية.

والأمثلة فى ذلك كثيرة، لعل من أبرزها فيما يخص موضوعنا:

إضافة اللغة الفرنسية مفهوماً واضحاً لكلمة "أزمة" ‏ Crisis وهى كلمة لاتينية فى الأصل  دخلت  اللغة الفرنسية وتعنى الظهور الحاد والمفاجئ لمرض أحد أعضاء الإنسان مثل الأزمة القلبية.. أو هى مشكلة غير متوقعة قد تؤدى إلى كارثة إن لم يتم علاجها، فى حين لا توجد فى معاجم اللغة العربية مرادف لهذه الكلمة فى اللغة الفرنسية !

المهم : أن الأزمة تعنى ظهور حاد  ومفاجئ  لمشكلة غير متوقعة قد تؤدى إلى كارثة !

هذا ويعتبر المدخل الدينى للشخصية المصرية هو المدخل الأكثر تأثيراً عليها ( إيجاباً أوسلباً)، والأكثر إقناعاً أيضاً.. ولذلك تعمد الاستعمار من قديم استهداف مصر فكرياً، بتغليف رسائله الى الشعب المصرى بغلاف الإسلام.

ولا أدل على ذلك من قيام نابليون إبان الحملة الفرنسية عام 1798 م بإعلان إسلامه المزيف فوق منبر الجامع الأزهر !

وظهرت الجماعات الإرهابية المتطرفة لتؤدي هذا الدور بكل إخلاص لأعداء مصر فى كل مكان .. حتى إن أمير الشعراء أحمد شوقى أنشد قصيدته الثعلب والديك ردا على هذا النمط.. فقال :

 

بـَرَزَ الثعـــْـــلَبُ يوماً * في شـِعـــار الواعـِظيـنا

فـَمـَشى في الأرضِ يـَهــْـدي * ويـَســُـبُّ المـاكرينا

ويقول: الحـــَــــمـْد لله * إلـــَـــه العالــــَــمينا

يا عـــِـــباد الله توبوا * فـَهو كـَهـْف ُ التــائبينا

                  

وازهـَدوا في الطـَيـْر إن الـ * عـَيـْش عـَيـْشُ الزاهـِدينا

واطـْلـُبوا الديـــك يؤذن * لصـَـلاة الصـُـبـْح فينا

فأتَى الديك َ رَســــُــولٌ * مـِن إمــام الناســــكينا

عـَرَضَ الأمرَ عـَلـَيـْـهِ * وهو يـَرجـــو أن يـَلينا

فأجـــــاب الديـكُ عـُذْراً * يا أضــَـل المهـْتـَدينا

بـَلـِّـغ الثـَعـْلـَبَ عـَنـي * عـَنْ جـُدودي الصالحـــينا

عن ذَوي التـِيجان مـِمـَّن * دَخــَــلَ البـَطـْنَ اللعينا

إنهم قـــالوا وخـَيـْرُ الـ * قـَوْلِ قـَـوْلُ العـــارفينا

" مـُخـْطـِئ ٌمـَنْ ظـَنّ يـَومـاً * أنَ لِلثـَعـْـلَبِ ديـــنا "

وقد احترفت جماعة الإخوان الإرهابية فى ممارسة هذا الدور لخطف المجتمع المصرى وأخونته بقصد الانتصار السياسى والوصول الى أهدافها الإرهابية، وهذا واضح للجميع لا يحتاج الى مزيد من التفصيل.

وظهرت قوى كثيرة مع الإخوان تؤدى هذا الدور بقصد إفشال الدولة المصرية فى إطار حروب الجيل الرابع التى تدار على مصر هذه الأيام.

وهذا بالطبع يوجب على النخبة المصرية التصدى بكل حسم وقوة لكل هذه المحاولات حجة بحجة ورأياً برأى وإظهاراً للحقائق فى مواجهة الأكاذيب باسم الإسلام !

لأن الحرب علينا هى فى الأصل حربٌ فكرية وشائعات علمية تستهدف الوعى والعقل الجمعى وبالتالى مواجهة ذلك جزء من الجهاد فى سبيل الله، قال تعالى " وجاهدهم به جهاداً كبيرا" يعنى جهاد الكلمة فى مواجهة شبهات الخصم .

وعندما اشتدت الحرب الروسية الأوكرانية، والتى يعلم القاصى والدانى من الخبراء والمحللين أنها حرب بين أقطاب سياسية عالمية! ولا علاقة لها بالعقائد والأديان! تحركت الأذرع التنظيمية المنوطة بتجييش عواطف المسلمين ضد الروس بقصد الحشد الجماهيرى وتحويل هذه اللعبة السياسية إلى  بكائية  بعنوان " المسلمون فى أوكرانيا !  اللهم انصر إخواننا المسلمين فى أوكرانيا؟ إنها حرب على الإسلام والمسلمين ! الخ. 

ولقد وصلتني رسالة من بعض الأصدقاء بهذا المضمون وفيها استمالة حانية وخادعة للمسلمين بمغالطات تاريخية وخدع سياسية، ومصاغة باحتراف شديد. 

"تقول الرسالة المنتشرة على السوشيال ميديا  والتى يحركها ويسوقها عناصر  كتائب الجماعات الدينية ؟ وسأنقلها لكم كما هى دون اختصار! :

{ أتذكرين يا "أوكرانيا" يوم كنتم تحت

 راية الإسلام.. وهاجمكم الروس؟

«يوم غزونا موسكو وأحرقنا الكرملين»

في عام 1570 دخل ضابط روسي صليبي إلى قرية مسلمة في بلاد القرم (أوكرانيا) على رأس 500 جندي لنهبها وتدميرها، بعد أن عرف أن القيصر وقتها "إيفان الرابع" الملقب بالرهيب قد سمح بالهجوم العشوائي على بلاد المسلمين في أوكرانيا والإمارات المجاورة من قِبل الضباط والجنرالات الطماعين في الغنائم والأموال.

فقام كل ضابط طماع في الجيش الروسي القيصري بأخذ جنوده والهجوم على المدن والقرى المسلمة في بلاد القرم (أوكرانيا) وبلاد القوقاز وخوارزم.

فوصلت هذه الأخبار إلى السلطان العثماني وقتها "سليم الثاني" فغضب بشدة وعلم بوجوب الجهاد وتأديب الروس الذين ظنوا أنه بعد وفاة السلطان "سليمان القانوني" لن يردعهم أحد.

فأمر بتجهيز جيش عظيم قوامه اكثر من 120 ألف فارس يجرون أضخم المدافع ليزحفوا إلى بلاد القرم لإنقاذها.. فوصل الجيش العثماني إلى (أوكرانيا) ليقضي على القوات الروسية المنتشرة هناك وليحصد أرواح آلاف الجنود الذين كانوا ينهبون أراضي المسلمين.. فانسحبت القوات الروسية إلى الشمال إلى مدن روسيا فلحق بهم الأبطال، آلاف من فرسان المسلمين مع المدافع الثقيلة يجتاحون أراضي روسيا القيصرية للانتقام.

فقام القيصر "ايفان الرهيب" بجمع عشرات الآلاف من الجنود الروس في موسكو لينقذوا المدينة.

وصل المسلمون إلى موسكو في ربيع 1571 بقيادة والي القرم "دولت كيراى الأول" فقام هذا القائد بصف المدافع الثقيلة حول المدينة وأمر بقصفها.. فتعرضت موسكو لقصف كثيف مما أدى لاحتراق المدينة بالكامل، بعد ذلك اجتاح فرسان المسلمين المدينة وقاتلوا الجيش الروسي في أزقة وشوارع المدينة .

وقاموا بإحراق مبنى "الكرملين" والذي يعتبر من أعظم رموز روسيا السياسية والتاريخية وقتل عشرات الآلاف من الجنود الروس في المدينة ليشهد جنود المسلمين سقوط الصليب الذهبي من أعلى مبنى "الكرملين" وهرب جنود القيصر مع إمبراطورهم "إيفان" يَجرُّون أذيال الهزيمة.

هذا ما فعله المسلمون حين هجم الروس على "أوكرانيا" حين كانت تحت راية المسلمين.

التاريخ لا يكذب اقروا التاريخ لتروا عظمة الإسلام والمسلمين عندما كانوا مسلمين حقيقين } انتهت الرسالة. 

 

بالطبع من صاغ هذه الرسالة ونشرها اعتبر أوكرانيا تمثل الإسلام! وروسيا تمثل الكفر!

وافتراء وكذباً ودجلاً ساق موقف السلطان العثمانى سليم الثانى وهزيمته للروس وهذا من أساليب الجماعة الإرهابية فى التسويق بإلحاح أن أردوغان والنظام التركى امتداد للخلافة العثمانية التى كانت تدافع عن الإسلام !

ولست هنا بصدد الرد على الأكاذيب التى تحملها تلك الرسالة والتى أبرزها أن السلطان العثمانى سليم الثانى والملقب بالسكير! والذي قتل شقيقه وأطفال شقيقة خوفاً على ملكه!  دافع عن الإسلام يوماً !

ولست أيضاً بصدد مناقشة أكذوبة -أوكرانيا كانت مسلمة! والروس الكفرة أخرجوها من الإسلام !

فروسيا يعيش فيها 28 مليون مسلم وبها ستة آلاف مسجد! كما يوجد فى أوكرانيا عدد كبير من المسلمين كشأن بقية الدول فى هذه المنطقة !

ولكن أناقش فى مقالى هذا نجاح بعض المسلمين الحمقى والمغفلين بامتياز فى بلع الطعم ووضع دين الإسلام فى أزمة جديدة فوق أزماته !  بقبول تلك الشائعات ونشرها والاصطفاف العاطفى مع من يتلاعب بعواطفهم ويسوقهم كالقطيع كما يريد فى الاتجاه الذى يريده !

فضلاً عن جماعات إرهابية تتاجر بدين الله وتعرضه كبضاعة رخيصة فى سوق العهر السياسى !! لكسب المال وامتيازات الغرب !

وأعلنت السلطات الأوكرانية بفتح الباب أمام الجهاديين المسلمين وإعطائهم الجنسية والكثير من الامتيازات فى مقابل قتال الروس وإعلان الجهاد باسم الإسلام ! كما فعلوا فى البلاد العربية التى خربوها !

وفى رد فعل عكسي قام بوتين بالاستعانة بعشرة آلاف مقاتل شيشاني مسلم ودفع بهم على الجبهة الأوكرانية !

وبات شعار "الله أكبر" يتم استئجاره لمن يدفع ويدعم ! ويعلم الله أن الإسلام ليس له ناقة ولا جمل فى هذه الصراعات الدولية، ولقد أمر الله المسلمين أن يجعلوا الإسلام لله ديناً خالصاً قال تعالى "ألا لله الدين الخالص " .

ولكن بعض المسلمين عصوا أمر ربهم وزجوا بالإسلام فى كل مصيبة واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون!

هل تأكد لديكم ما ذكرته كثيرا فى مقالاتى بضرورة  مشروع الإصلاح الدينى بعيداً عن الصراعات الدولية التى تستأجر عمماً ولحى؟

وماذا نحن فاعلون لانتشال الإسلام من براثن كلاب سكك الأرض وذئاب الصراعات الدولية ؟

لقد حذرنا القرآن من نقل الأخبار دون بينة فقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ  سورة الحجرات الآية 6

ولهذا أقترح عاجلاً على المدى القريب :

أ-رصد الإشاعات التى لها طابع دينى.

ب- عمل برنامج دينى تلفزيونى متخصص فى الرد على شبهات التطرّف والإشاعات التى تحمل طابعاً دينياً بالحجة والبرهان بصورة شيقة ومقبولة شعبياً دون تقعر أو تجاوز

ج- تسجيل الردود على الشبهات والإشاعات يومياً او أسبوعياً فى فيديوهات لا تتجاوز الدقيقتين وكذلك فى بوستات قصيرة ونشرها على السوشيال ميديا ومنتديات الشباب

وتظل هذه العملية بصورة مستمرة للرد على الكتائب الإلكترونية المعادية الصانعة لهذه الإشاعات .. اللهم إنى قد بلغت اللهم فاشهد.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.