بعد تدمير مدينتى "هيروشيما" و"نجازاكى" بالقنابل الذرية فى 6 و9 أغسطس 1945، تولد الخوف والرعب نتيجة الأهوال التى صاحبت هذا العمل الدنئ، فهى جريمة اهتز لها ضمير البشرية. فكان لابد من وجود رادع قوى لعدم تكرار استخدام الأسلحة النووية فى الحروب. وهنا ظهر ما نطلق عليه "الردع النووى".
والردع النووى يعنى منع طرف لطرف آخر من مهاجمته أو مهاجمة أسلحته النووية، وأن تظل الترسانة النووية غير معرضة للهجوم، أو تكون قدراتها النووية كافية لمنع مثل هذا الهجوم.
ثم أصبحت حجة الدول فى امتلاك الأسلحة النووية، هو ردع الدول الأخرى عن مهاجمتها ومهاجمة أسلحتها النووية، وذلك من خلال الوعد بالانتقام والتدمير المؤكد المتبادل.
يتطلب الردع النووى الناجح أن تحافظ الدولة على قدرتها على الانتقام، إما عن طريق الاستجابة قبل تدمير أسلحتها أو من خلال ضمان قدرتها على توجيه "ضربة انتقامية ثانية".
القوة التدميرية للسلاح النووى تعتمد على عملية الانشطار النووى أو الاندماج النووى، والقوة التدميرية لقنبلة نووية صغيرة تفوق بكثير القوة التدميرية لأضخم القنابل التقليدية، وتتمتع بعض الأسلحة النووية بقدرة دمار هائلة، من شأنها إزالة مدينة بكاملها من الوجود، وقتل مئات الآلاف، وتعريض حياة الأجيال القادمة للخطر من خلال الأضرار التى تلحقها بالبيئة على المدى البعيد.
الأسلحة النووية تصنف حسب القوة التفجيرية لها، والتى مرجعها مكافئ للقوة التفجيرية لمادة الـ "تى إن تى"، وقد تم تصنيفها بصنفين، وهم، أسلحة نووية تكتيكية وأسلحة نووية استراتيجية.
الأسلحة النووية التكتيكية هى التى تقل قوتها التفجيرية عن 15 كيلوطن من الـ "تى إن تى"، والقنابل التى قدرتها التفجيرية أعلى من هذا القدر، تصنف كأسلحة نووية استراتيجية.
هناك بعض أنواع القنابل النووية الاستراتيجية يمكن تخفيض قوتها التفجيرية فتصبح قنابل نووية تكتيكية، حيث يمكن التحكم فى قوتها التفجيرية من 0.3 إلى 340 كيلوطن مكافئ من مادة "تى إن تى"، هذه القنبلة موجود منها أكثر من 180 قنبلة فى شكل "قنبلة تكتيكية" فى دول حلف شمال الأطلسى "الناتو" فى أوربا. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الآلاف من الرؤوس النووية الاستراتيجية والتى يمكن تحويلها إلى قنابل تكتيكية.
الأسلحة النووية الاستراتيجية صمّمت فى الغالب لاستهداف عمق العدو، بعيداً عن جبهة القتال، فتلحق الدمار والخراب لمساحات واسعة من الأراضى، وتقوم بتدمير مدن بأكملها، وتقتل الملايين وتسبب تلوثا للبيئة الطبيعية، فتكون بمثابة خطر يهدد الأجيال القادمة.
القنابل النووية التكتيكية تستخدم فى ساحة المعارك، وضد أهداف صغيرة يصعب تدميرها بالقنابل التقليدية، مثال لذلك، حاملات الطائرات، والغواصات فى أعماق البحار والمحيطات، وتجمعات الإرهابيين فى باطن الجبال.
يحدث الضرر الأكثر انتشاراً للمبانى فى تفجير جوى للسلاح النووى، وهو تفجير على ارتفاع آلاف الأمتار فوق الهدف، وعندما تنعكس موجة الانفجار من سطح الأرض تزداد قوتها التدميرية. على النقيض من ذلك، فإن انفجاراً على سطح الأرض يحفر حفرة ضخمة، ويسحق كل شىء فى المنطقة المجاورة مباشرة، لكن آثار الانفجار لا تمتد إلى حد بعيد. ولذلك تستخدم الهجمات النووية على المدن تفجيرات نووية جوية، فى حين أن التفجيرات النووية الأرضية تستخدم على أهداف عسكرية صلبة مثل صوامع الصواريخ تحت الأرض.
استخدام عدد من الأسلحة النووية الصغيرة يكون أكثر فعالية من استخدام سلاح نووى واحد أكبر. على سبيل المثال، فإن عشرين رأسا حربيا نوويا يبلغ قوة تفجير السلاح الواحد منها 50 كيلوطن من "تى ان تى" (أى القوة التفجيرية الكلية 20 *50 = 1 ميجاطن من "تى ان تى")، تستطيع أن تدمر ما يقرب من ثلاثة أضعاف المساحة التى تم تدميرها بواسطة سلاح نووى واحد مكافئ عدديا لقوة تفجيرية 1 ميجاطن من "تى ان تى"، لذلك نجد أن الصواريخ الباليستية حاملة الرؤوس النووية، تحمل أكثر من سلاح نووى، إما بغرض ضرب عدد من الأهداف المنتقاة، أو لزيادة مساحة التدمير.
تمتلك روسيا أكثر من 5900 رأسا حربيا نوويا، وتمتلك أمريكا حوالى 5400، والصين 350، وفرنسا، 290، وبريطانيا 225، وباكستان 165، والهند 160، وإسرائيل 90، وكوريا الشمالية 20. هناك ما يقرب من 13000 سلاح نووى فى العالم، تقع فى حوالى 107 موقعاً فى 14 دولة. ما يقرب من 9000 من هذه الأسلحة هى فى الترسانات العسكرية. ما تبقى من الأسلحة هى فى التقاعد وتنتظر التفكيك. ما يقرب من 4000 سلاحاً متوفراً للعمليات، وهناك 1800 سلاح فى حالة تأهب قصوى وجاهزة للاستخدام فى غضون مهلة قصيرة.
توصيل السلاح النووى للهدف المعادى، يتم من خلال وسائل وطرق عديدة، مثال على ذلك، عن طريق الصواريخ الباليستية حاملة الرؤوس النووية، أو عن طريق قاذفات استراتيجية، أو عن طريق صواريخ تطلق من سفن حربية أو غواصات أو من خلال قذائف مدفعية.
توصلت أمريكا وروسيا إلى تطوير أسلحة تقليدية لها قوة تفجيرية كبيرة، مثال على ذلك، فى أمريكا، تم تطوير قنبلة تسمى "أم القنابل" قوة تفجيرها تعادل 11 طناً من مادة "تى إن تى"، وفى روسيا، تم تطوير قنبلة تسمى "أبو القنابل" قوة تفجيرها تعادل 44 طناً من مادة "تى إن تى".
الحرب النووية الشاملة ستستخدم فيها جميع الأسلحة النووية، سواء كانت أسلحة نووية انشطارية، أو أسلحة نووية اندماجية "هيدروجينية"، أو أسلحة نووية نيوترونية. تستخدم فى إدارة هذه الحرب مراكز قيادة وسيطرة متطورة جدا وشديدة التحصين، وتستخدم جميع وسائل الاتصالات السرية والمشفرة، بما فيها الأقمار الصناعية.
رئيس دولة أمريكا ورئيس دولة روسيا، لهم طائرة تسمى طائرة "يوم القيامة"، وهى مخصصة لحمايتهم، حال اندلاع حرب نووية، تعتبر مركز قيادة جوى، الطائرة صنعت بمواصفات عالية ونادرة، ويمكن للطائرة التحليق لمدة 7 أيام متواصلة بدون توقف، وتتفوق قوتها عن أسطول الدفاع الجوى الأمريكى، الطائرة محصنة ضد الهجوم النووى والنيازك، وتتواصل مع كل بقعة على كوكب الأرض، ولديها القدرة على التواصل مع الغواصات، ويبلع سعر الطائرة الواحدة حوالى 225 مليون دولار، هكذا سينجو رؤساء الدول العظمى من الحرب النووية.
قيام حرب نووية شاملة سوف تقضى على سكان المدن المستهدفة بالقنابل النووية، لكن تأثيرها سوف يشمل سكان كوكب الأرض، فالغبار النووى الناتج من تفجير القنابل النووية سوف يؤدى إلى فناء ما تبقى من سكان كوكب الأرض، فهذا الغبار سوف يؤدى إلى حجب ضوء الشمس لمدة لا تقل عن عام، وبالتالى تنخفض درجة حرارة سطح الأرض، وتتجمد الكائنات الحية، كما أن طبقة الأوزون سوف تختفى، وتزداد نسبة الأشعة "فوق البنفسجية" القادمة من الشمس، والأشعة المدمرة والمهلكة القادمة من الفضاء الخارجى، لكى تقضى على ما تبقى من الكائنات الحية.
لذلك، إذا قامت حرب نووية شاملة، فلن يكون هناك منتصر لأن الدمار سيعم الأحياء فى كوكب الأرض. وبذلك أصبح استخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية شبه مستحيل.
عندما أصبح عامل الوقت فى المعارك الحربية مهماً للغايةً، لفرض أمر الواقع وللتقليل من الخسائرالمادية والبشرية، فقد لجأت كل من أمريكا وروسيا بالتلويح باستخدام القنابل النووية التكتيكية فى المعارك الحربية المشتعلة حاليا. والقنابل النووية التكتيكية، قوة تفجيرها تعادل ما بين 300 طن الى15 كيلوطن من مادة "تى إن تى".
القنابل النووية التكتيكية تستخدم فى ساحة المعركة فى جبهة القتال، وتوفر قوة انفجارية هائلة وفى مساحات محدودة، وهى قادرة على حسم المعارك فى فترة زمنية قصيرة. فقوتها التفجيرية أكبر بكثير من أشد وأقوى القنابل الغير نووية. وهى تتكون من جزئين، أول جزء عبارة عن قنبلة خارقة تستطيع اختراق أعماق الأرض، والجزء الثانى هى القنبلة النووية التى ينتج عنها انفجار نووى فى عمق الأرض.
من حيث التلوث الإشعاعى الناتج من استخدام سلاح نووى أياً كان قوته التفجيرية، فلا يوجد فرق بين قنبلة نووية استراتيجية وقنبلة نووية تكتيكية، فالمناطق التى ستستخدم فيها هذه الأسلحة ستصبح ملوثة بالمواد المشعة، وتصبح غير صالحة للحياة، فسوف تدمر الإنسان والنبات والحيوان ومكونات البيئة الطبيعية.
الدول النووية على دراية بأن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية سوف تزيد من تأزّم الأمور، والتى بدورها سوف تؤدى إلى زيادة حدة الصراع العسكرى، والذى سيؤدى إلى استخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية، ولذلك سوف يعمل الكل على عدم استخدام الأسلحة النووية التكتيكية.
الآن نستطيع أن نقول إن الحرب النووية الشاملة ضرب من الخيال، وإن نزع السلاح النووى هو أفضل وسيلة للوقاية من هذه الأخطار، فهذا الشئ المخيف والمرعب يقتل الأمل بداخلنا، والذى كنا من خلاله نأمل أن تسود حالة السلام والمحبة دائماً بين شعوب العالم المختلفة.
ونرى أن الأسلحة النووية التكتيكية تعتبر التفافاً حول عدم تنفيذ التزامات معاهدات خفض الأسلحة النووية الاستراتيجية الموقعة بين واشنطن وموسكو.