الجمعة 21 يونيو 2024

رأس وزير الآثار

8-7-2017 | 13:00

بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على الطريقة الكارثية التي استخدمت في اكتشاف واستخراج تمثال المطرية وما شابها من إهمال وتقصير، وربما غباء علمي فاضح، أمرت المستشارة رشيدة فتح الله، رئيس هيئة النيابة الإدارية بإحالة كل من رئيس قطاع الآثار المصرية بوزارة الآثار، ورئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحري ورئيس البعثة المصرية الألمانية المشتركة للتنقيب عن الآثار، ومدير منطقة آثار المطرية وعين شمس، وحارس أمن منطقة آثار المطرية، للمحاكمة العاجلة، وخلت قائمة الإحالة من اسم الدكتور خالد العناني وزير الآثار الذي لم نسمع منه تعليقا أو امتعاضا من الطريقة الكارثية لاستخراج التمثال، ناهيك عن فضيحة اسم صاحب التمثال، الذي قيل في البداية أنه للملك رمسيس الثاني، وفجأة "طلع " تمثال الملك "بسمتيك الأول"، كنت أتوقع أن يحيل وزير الآثار كل هؤلاء المتهمين للنيابة، بدلا من أن تتحرك النيابة ، التي تباشر تحقيقاتها بناءً على مذكرة أعدها مركز المعلومات والإعلام بالنيابة الإدارية، بعدما أثير بمواقع التواصل الاجتماعي أثناء اكتشاف تمثال أثري يعود للملك "بسمتيك الأول" من الأسرة السادسة والعشرين بالدولة الحديثة (أكثر من 600 عام قبل الميلاد) بـ"سوق الخميس" بمنطقة المطرية، من قبل البعثة المصرية الألمانية المشتركة للتنقيب عن الآثار واستخدام حفار؛ لاستخراج القطعة الأثرية من باطن الأرض وترك التمثال ــ عقب استخراجه يوم الخميس 9/3/2017 ــ في العراء دون حراسة، ليعبث به بعض الصبية وتنام وتبول عليه كلاب الشوارع دون اتباع الأسس والقواعد العلمية والتقنية لاستخراجه والتعامل معه.

أذكر أن ضجة إعلامية كبيرة أثيرت بشأن تلك الطريقة البشعة التي تم التعامل بها مع قطعة أثرية نادرا ما يتكرر اكتشافها، وأذكر أيضا الرد الباهت من وزير الآثار الذي رفض أي هجوم بل أثنى على الطريقة " العار " في استخراج التمثال المهم ، ووصفها بالعلمية، متحديا الجميع!

وفي صمت يشكر عليه، أمر المستشار ناجي عبد الحميد نائب رئيس الهيئة مدير النيابة الإدارية للآثار، بتشكيل لجنة علمية متخصصة من كبار أساتذة كلية الآثار بجامعة القاهرة برئاسة الأستاذ الدكتور العميد الأسبق للكلية، واستمعت النيابة إلى شهادة الخبير الألماني "ديترش راو كلاوس" رئيس البعثة الألمانية للتنقيب عن الآثار، والذي شهد بأنه في صباح يوم الثلاثاء 7/3/2017 تم اكتشاف بقايا تمثال أثري (قطعتين) بموقع العمل بسوق الخميس بالمطرية، وعليه تم إبلاغ المختصين بوزارة الآثار على الفور، وطلب إحضار طلمبات شفط مياه لوجود التمثال في تربة طينية مشبعة بالمياه، وتم استخراج الجزء الأول من التمثال باستخدام معدة ثقيلة (الحفار) رغم أنه لم يكن مسموحًا استخدام الحفار بموقع التنقيب؛ لخطورة ذلك، وما قد يترتب عليه من إتلاف للقطع الأثرية، وعقب استخراج الجزء الأول من بقايا التمثال الأثري يوم الخميس الموافق 9/3/2017، تم تركها في العراء حتى السبت الموافق 11/3/2017 مما عرضها للعبث من قبل بعض الصبية والمارة، وهي مسئولية الجانب المصري الذي كان يتعين عليه تغطيتها عقب استخراجها بالأساليب التقنية المتعارف عليها ووضع الحراسة اللازمة عليها، بينما تم استخراج باقي جسد التمثال باستخدام الرافعة الثقيلة لكونه يزن أكثر من ثمانية أطنان وفقًا للأصول العلمية المتبعة في هذا الشأن.

واستمعت النيابة للجنة الفنية السابق تشكيلها برئاسة الدكتور العميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، والتي قدمت تقريرها عقب إجراء المعاينة الفنية والذي انتهى إلى أن عملية استخراج الجزء الأول من التمثال الأثري شابها بعض الأخطاء والتي تمثلت في استخدام الحفار بتربة طينية بمنطقة حفائر، وهو أمر من شأنه تعريض ما قد يوجد من قطع أثرية للخطر، فضلاً عن ترك القطعة الأثرية الأولى في العراء لمدة يومين دون تعامل تقني ودون الحراسة اللازمة، مما سمح بالعبث بها من قبل بعض الصبية والمارة.

وبعد أن قامت النيابة بمواجهة المتهمين بما كشفت عنه التحقيقات من مخالفات شابت استخراج الجزء الأول من التمثال يوم 9/3/2017، انتهت إلى قرارها السابق بإحالتهم للمحاكمة العاجلة وذلك لما نسب إليهم (كل في اختصاصه) من:

ـ التقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال توفير الخامات اللازمة لتغليف القطعة الأثرية الأولى وتركها في العراء بالموقع دون التعامل الفوري معها ونقلها لمعامل الترميم في حينه حتى يوم 11/3/2017 مما سمح لبعض المارة والصبية من العبث بها.

ـ الإهمال في ترتيب الحراسة اللازمة للقطعة الأثرية الأولى خلال صباح يوم الجمعة الموافق 10/3/2017 مما ترتب عليه عبث بعض المارة والصبية بها وصعودهم أعلى جسم التمثال.

ـ كما أهابت النيابة بالقائمين على قطاع الآثار أن يكون التعامل مع تراث مصر الحضاري بما يتفق وبلاد صاحبة أقدم حضارة في التاريخ باعتبار أن آثار مصر ونفائسها هي الكنز الحقيقي الذي تناقلته الأجيال عبر آلاف الأعوام راسمة في طريقها تاريخ هذا البلد وعظمته منذ فجر الخليقة.

والحقيقة أن من يستحق المساءلة هو وزير الآثار نفسه، لهذا كنت أتمنى أن يقوم مجلس النواب بمساءلة السيد الوزير أو استجوابه بشأن هذه المهزلة العلمية العالمية، وكنت أتمنى أن يقوم الوزير بإحالة كل من شارك في هذه الجريمة بنفسه بدلا من الصمت غير المبرر!

وفي النهاية أقول إذا كان الوزير يعلم أن ما حدث مع تمثال المطرية جريمة فتلك مصيبة، وإذا كان لا يعلم فالمصيبة أعظم !

    الاكثر قراءة