على الرغم من أن تداعيات الأزمة الأوكرانية الروسية ستلقي بآثارها على مصر شأنها في ذلك شأن كل دول العالم التي تأثرت بشكل أو بآخر بالحرب المندلعة إلا أن فضل الله على مصر كان عظيما بأن وفقها لإنجاز أجندة إصلاحات اقتصادية صعبة منحت مصر قدرة أكبر على امتصاص الأزمات العالمية وآخرها كورونا التي استطاعت مصر أن تحقق فيها معدل نمو رغم انكماش أصاب اقتصادات أخرى لم تقو على مواجهة التداعيات .
ما استطاعت الدولة تحقيقه من فوائض مالية نتيجة للإصلاح الاقتصادي كان أحد عوامل القوة التي يواحه بها اقتصاد مصر كل تلك الأزمات كما كان حرص القيادة السياسية على الحفاظ على احتياطي استراتيجي مريح من السلع الأساسية خفف من وقع الأزمة على الأسواق التي كانت مرشحة للمزيد من التداعيات نتيجة التضخم واضطراب سلاسل الإمداد العالمية الذي انعكس في قلة المعروض من السلع عالميا وبالتالي رفع أسعارها حيث تحملت الحكومة نسبة من الزيادات العالمية تخفيفا من الأعباء على المواطن وفق تصريحات لرئيس الوزراء ضرب مثلا لتحمل هذه الزيادات فأكد أن سعر الدقيق ارتفع في مصر بنسبة 9% قبل الأزمة، و17% بعد الأزمة، بينما زاد في العالم بنسبة 48% كذلك الزيت زاد بنسبة 10% في مصر، بينما وصل عالميا إلى 32% وهكذا
من هنا جاء نداء الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي دعا إلى ترشيد الاستيراد وهي ليست دعوة موجهة إلى الحكومة ورجال التجارة فحسب بل هي في الأصل موجهة إلى المصريين فعلينا جميعا أن نختار أن نعدل سلوكنا الاستهلاكي قبل أن يكون ذلك مفروضا علينا فنبدأ بالاستغناء عن كل ما يمكن الاستغناء عنه وتقليل استهلاك ما لا يمكن الاستغناء عنه وبالتالي يقل الطلب على الدولار الذي سيتحرك سعره تحت وقع رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة وبالتالي ستتجه الدولارات الموجهة إلى الاستثمار إلى السوق الأمريكية للاستفادة من هذا الرفع وهو ما يعني بالتبعية تأثر الأسواق الناشئة وفقدان جاذبيتها الاستثمارية .
لن نضع الرؤوس في الرمال مغمضي العين عن اضطراب اقتصادي عالمي لا يعلم مداه إلا الله نتيجة إرهاصات حرب عالمية مستعرة بين أمريكا وروسيا من ناحية وبين أمريكا والصين من ناحية أخرى للهيمنة على العالم بل يجب أن نعلي قيمة الاكتفاء وتعظيم الإنتاج المحلي فبدون ذلك سنبقى أكثر تأثرا بما يحدث حول العالم من اضطرات واردة.
وباستعراض فاتورة الاستيراد عبر البيانات الرسمية فنجد وفقا لهيئة الرقابة على الصادرات والواردات، فإن جهدا قد بذل لتقليل هذه الفاتورة حيث سجلت الواردات السلعية المصرية من دول العالم تراجعاً ملحوظاً، قدر فى عام 2015 بحوالي 72 مليار دولار مقابل 63.5 مليار دولارفي عام 2020 بتراجع حوالي 8.5 مليار دولار، وهذا قابله، ارتفاع في إجمالي الصادرات السلعية المصرية والتي سجلت فى عام 2015 حوالي 18.6 مليار دولار ارتفعت مع نهاية عام 2020 لتصل إلى 25.3 مليار دولار ، وساهمت هذه المؤشرات الايجابية فى إصلاح الخلل فى الميزان التجاري لمصر مع دول العالم والذي بلغ فى نهاية عام 2020 حوالي 38.3 مليار دولار مقارنة بـ 53.4 مليار دولار فى عام 2014.
من هنا يجب الانتباه إلى ضرورة ألا تمس الازمة العالمية الحالية مكتسبات حققناها بثمن باهظ للتحول إلي اقتصاد مرن يمتص الصدمات والتحول من بلد استهلاكي في المقام الأول إلى بلد منتج وجاذب للاسثمار في شتى المجالات ومن المهم ان نرفع الوعي بأبعاد الأزمة التي يصورها أهل الشر هذه الأيام بأنها صنيعة مصرية استعدادا لموجة لا مفر منها عالميا في ارتفاع أسعار السلع حيث يعمل اهل الشر على تأليب الناس وبث الخوف وتعمل بعض الأذرع التجارية الموالية لهم على إخفاء السلع ورفع بعضها دون أي مبرر .
إن الدولة المصرية لم تتخل يوما عن الفئات البسيطة والأسر الأولي بالرعاية بل تعمل كل أجهزتها على توفير السلع بأسعار مخفضة بضخها كميات كبيرة من المخزون لديها عبر المنافذ والمبادرات التي تعمل على ضبط الأسواق من ناحية وتعمل على ضبط نعرة الجشع التي قد تعتري البعض استغلالا للأزمة وهنا يجب كما أدى المواطن والدولة دورهما يجب أن يستدعي كل تاجر مسئوليته الوطنية وأن هذه الأيام ليست أيام تحقيق الأرباح بل هي أيام النزول بهامش الربح إلى أدني درجاته الممكنة كمساهمة ضرورية في الحفاظ على الوطن من شر إن وقع لاقدر الله فلن يستثني أحدا غنيا أو فقيرا.