الخميس 30 مايو 2024

فى يوم الشهيد : التضحيات مستمرة ومصر باقية


محمد غباشي

مقالات21-3-2022 | 20:20

محمد غباشي

قال النبي عليه الصلاة والسلام: "منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ".

إن يوم الشهيد يعكس اعتزاز الوطن بأبنائه ويجسد اسمى
معانى العطاء والروح الوطنية المخلصة لجنود مصر
الأوفياء المدافعين عن أمنها وسلامتها عبر تاريخها الطويل
والذين أضافوا إلى سجل الوطنية المصرية صفحات المجد
والكرامة يعتز بها أبناء مصر جيلا بعد جيل وتاريخ مصر
مليء بعلامات البطولة والفداء على مر التاريخ، ولكن جاء
اختيار 9 مارس منذ عام 1969 لأنه كان يوما حاسما في
تاريخ العسكرية المصرية، خاصة بالنسبة للصراع العربى
الإسرائيلى واستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، الذى ضرب
أروع مثال على الرغم من كونه رئيسا لأركان حرب القوات
المسلحة في ذلك الوقت، إلا أنه كان دائما في الصفوف
الأمامية تأكيدا على أن مكان القائد الحقيقى في الصفوف
الأمامية وسط الجنود الأبطال الأمر الذي أدى لاستشهاده
أمام الحد الأمامى واتخذت القوات المسلحة من استشهاده
رمزا وتأكيدا على أن نيل الشهادة شرف لجميع قادة وضباط
وصف وجنود القوات المسلحة وهذا ما نراه واضحا يوميا
من تضحيات أبطال القوات المسلحة.
فى يوم الشهيد الذي تحتفل به مصر نستعيد بطولات وأمجاد
قواتنا المسلحة، ونحيي أرواح شهدائنا الذين قدموا حياتهم
هدية فداء للوطن، ونقف تحية وإجلالا وتقديرا لجيل ذهبي
من شعب مصر أبى الخضوع للنكسة والانحناء للهزيمة،
فقدم العديد من التضحيات من أجل تحرير الأرض واستعادة
الكرامة مما جعل مراكز الأبحاث والدراسات الغربية ترصد
أن العنصر الرئيسى فى قوة القوات المسلحة المصرية يعود
إلى الفرد المقاتل وعقيدته القتالية وإيمانه بوطنه وأرضه
وبالتالى كانت الحروب الخبيثة مؤشرا إلى أن المصريين هم
من غيروا المفاهيم العسكرية بعد نصر أكتوبر المجيد، مما
دفع العدو لاتباع منهجية جديدة، وهى حروب الجيل الرابع
والتي تهتم بإفساد وتدمير عقول وقلوب الشباب بعدما قرر
الأعداء عدم قتال الجيش المصري في حرب نظامية مواجهة
مباشرة مرة أخرى واستخدام الحرب الخبيثة ضد البلاد،

وإن التاريخ سيتوقف كثيرا أمام ما قدمه أبناء الجيش المصري البواسل ورجال الشرطة المدنية الشرفاء، من تضحيات عظيمة ودعم الاستقرار ومواجهة الفوضى، في أوقات عصيبة مرت بهذا الوطن وقدموا ويقدمون أرواحهم
فداء للوطن، وهناك أمثلة عديدة منها الشهيد البطل الطاهر
أحمد منسى الذى ضحى بنفسه دفاعا عن الوطن على عكس ابن جيله، الإرهابى عشماوى الذى خان وباع وطنه موضحا أن هناك الكثير من شهداء الشرطة الذين منهم من استشهد أثناء تفكيك عبوة ناسفة أو أثناء تطهير الأوكار الإرهابية.
ولا تتوقف مسيرة تضحيات الجيش والشرطة المصرية في ما شاهدناه، ولا نزال على أهبة الاستعداد من حرب لا تقل ضراوة عن حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر وإن كانت تختلف معها فى الظروف والتفاصيل إلا أنها تعكس نفس العقيدة العسكرية التى تقوم على الذود بالروح عن الوطن والتحمل بجلد والصمود بشموخ من أجل مصالح مصر أرضا وشعبا.
وفى هذا الإطار أود أن أروى قصتين بطوليتين تعكسان مدى
الصلابة التى يتمتع بها الجندى المصرى وهو يخوض تلك
الحرب الجديدة التى يأتيه فيها العدو من صفوفه غدرا حيث
تحولت كل مصر إلى جبهات قتال. وهو ما يعكس الجيل
الجديد من الحروب حيث لا تقاتل على جبهة قتال معينة ولا
تعرف تمركزات محددة للعدو كما كان يحدث فى السابق
وإنما يأتيك غدرا من بين صفوفك ويهاجمك بكل خسة يحمل
أدوات غير تقليدية فتاكة.
ولكن مهما طور العدو من أدواته فإن الجندى المصرى له
بالمرصاد.
الحالة الأولى لنقيب شرطة من الحماية المدنية لتفكيك
المتفجرات استشهد فى عام 2016 كان يقوم بمهمة إبطال
عبوة ناسفة فى منطقة سكنية مزدحمة بوسط القاهرة وبالقرب
من إحدى محطات الوقود وتقدم النقيب الشهيد بكل شجاعة
لتفكيك العبوة ولكنها انفجرت قبل أن يتمكن النقيب من
تفكيكها حيث يختبئ الإرهابى وسط جموع المواطنين وقام
بالتفجير بواسطة الريموت كنترول وطاحت رأس البطل
الشهيد بالخوذة فى مشهد أبكى الجميع.
وقد حرصت على أن أشدد على يد السيدة الفاضلة والدته فى
يوم التكريم وأذهلنى صمودها ورضاها بما قسمه الله لها
فخورة بابنها الشاب الذى كان مقبلا على الحياة وإتمام
الزواج والذى لم يتمتع بما يتمتع به الشباب فى سنه وحرمت
معه الأحلام التى كانت تعقدها عليه وتراها تكبر معه.
الحالة الثانية هى لاستشهاد جندى من القوات المتواجدة فى
رفح والتى كانت تتعرض لهجمات إرهابية عديدة بعد ثورة
الشعب العظيمة فى 30 يونيو.
وقد هاجمت عناصر إرهابية الموقع الدفاعى لذلك الجندى
ولكنها لم تتمكن من اختراقه، واستمرت محاولاتهم اليائسة
حتى تقدم إرهابى يحمل حزاما ناسفا باتجاه القوات التى كان
عددها 14 يريد تفجير نفسه.. فلما رآه الجندى سارع إليه يحمله ويحتضنه بقوة وهو يعلم الوضع جيدا والمصير الذى يذهب إليه غير مبالٍ بحياته ولم يفكر فى شيء إلا فى فداء زملائه، فحمل الإرهابى وجرى به بعيدا عن الموقع حتى وصل إلى مسافة جيدة وقرر فداءهم ومع إصرار الجندى على إبعاد الإرهابي قام بتفجير نفسه فاستشهد على الفور وقتل الإرهابي ولم يتبق منهم أثرا إلا حذاء الشهيد ضاربا أروع الأمثلة البطولية التى تعكس بجلاء معدن الشعب والجيش المصرى.
وقد حرصت على تكريم والديه البسطاء الراضين بما قسمه
الله لهما وقمت بتقبيل يد الأم سائلا إياها: "إنتي رضّعتى
البطل إيه".
إن مسيرة التضحيات لا تتوقف مهما اختلفت العصور
وطبيعة الحروب، فإن عقيدة الجندى المصرى واحدة لا
تتغير وهى الدفاع عن الوطن، مصالحه وأرضه وشعبه، وعزيمته صلبة لا تلين.
ولو قرأ أهل الشر التاريخ لعرفوا أن لهذا الشعب درعا وسيفا
أبى إلا إعلاء مصلحة الوطن.
فمهما كانت أسلحتكم ومهما أعددتم من خطط إنا لكم بالمرصاد.. والموت فى سبيل الوطن أسمى أمانينا.
 فصدق الله العظيم "فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".
إبراهيم/أشرف