سطّرت خطوات مشوارها نجاحات متواصلة، كونها ابنة وزوجة مسؤولة وأمًا من طراز أول، وكاتبة روائية راقية.
اختزلت مخزون قراءتها في الصغر لتفجره إبداعًا في سن النضوج بعد أن تزوجت وصارتُ أمًا لثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة.
همزة الوصل بين اتحاد كتاب مصر ومبدعي الإسكندرية، وبشهادة زميلاتها ممن يقلبنها بـ "زينة مبدعات الإسكندرية" تقتطع من وقتها وتتكبد عناء السفر من الإسكندرية إلى القاهرة في خدمتهن، وليس هذا بغريب على من تحفظ للمرأة حقها في التناول داخل كتاباتها، وتجسدها شريكًا أساسيًا، وترصد تعدُد أدوارها من واقع الحياة اليومية، فتسلط الضوء على موروثاتها، وهمومها، ومشاركاتها جنبًا إلى جنب الرجل..
أربع مجموعات قصصية وثماني روايات حصيلة أعمالها حتى الآن التي نالت عنها الكثير من التكريمات..
عندما حاورتها أيقنتُ أنني أمام حالة إنسانية وإبداعية متفردة تتمز بالطيبة وتنشر المحبة لكل من حولها عبيرًا يتجسد في إبداعها، الإنسان بداخلها هو المبدع الحقيقي الذي يرسم الحياة، ابنة الصعيد السكندرية، الكاتبة الروائية منى سالم رئيسة شعبة "أدب الرحلات" باتحاد كتاب مصر، سفيرة السلام والمحبة.. في شهر الاحتفاء بالمرأة حاورتها بوابة "دار الهلال" فجاءت السطور التالية..
- كيف اكتشفتِ موهبتك في الكتابة؟
أنا بنت ندوة "الاثنين" بالإسكندرية، وبدأ اكتشاف الموهبة من خلال مشاركتي في مسابقة القصة القصيرة والشعر بجماعة الأدب العربي في قصر ثقافة مصطفى كامل بالإسكندرية، ومع الحضور لندوات الشعر هناك بدأتُ في كتابة شعر العامية، ثم طرحتُ قصتي فوجّهني المسؤول حينها للحضور مع ندوة الأحد من كل أسبوع الخاصة بكتابة القصة، ليأتي أول تعليق من مسؤول الندوة على قصتي، بأنها مصنفة لثلاث قصص، وينصحني بالحضور مع ندوة الاثنين بقصر ثقافة الأنفوشي في الإسكندرية، كونها ورشة أكثر تخصصًا في القصة والرواية والمخطوطات، فالتحقت بها وكان ذلك في عام 2000، وهي ندوة دائمة التنقيب عن الإبداع واكتشاف المواهب، تعقد الاثنين من كل أسبوع في صورة ورشة عمل يجتمع فيها كبار الكتاب لقراءة أعمال المبدعين وتحليلها وتقييمها والتوجيه إلى الكتابة الصحيحة، ثم طباعة كل كاتب لأعماله بجهوده الذاتية، لتخرج الندوة بسلسلة كبيرة من المطبوعات، تُناقش بعد ذلك من خلال أبحاث مؤتمرات الأدباء والأقاليم، ومن خلال كتب النقد بالنسبة للكتّاب الباحثين، ثم تُرسل للجرائد والمجلات لنشرها، هكذا جاء اكتشاف موهبتي ونبأني أستاذي الكاتب عبد الله هاشم رئيس نادي القصة حينذاك أنني مع مواصلة السماع والقراءة سأصقل الموهبة وأقف في صفوف كبار الكتاب، وكانت مجموعتي القصصية "بركان جبل الجليد" ثالث مطبوعات سلسلة ندوة الاثنين، تلتها مجموعة "شط الغريب" طباعة الندوة أيضًا، ليجدوا لونًا جديدًا ومخزونًا في كتابتي عن العادات والتقاليد والطقوس الشعبية والموروثات، ما لاقى تشجيعًا واهتمامًا كبيرًا، وكانت الكاتبات المبدعات في ندوة الاثنين وقت التحاقي معدودات على أصابع اليد الواحدة، إلى أن صرن منذ عدة سنوات 40 مبدعة، وتم تطوير الندوة وأضيف لها تعلم كتابة السيناريو.
- ماذا عن خطوات مشوارك الإبداعي؟
تشجيعي والاهتمام الكبير في ندوة الاثنين دعاني لأن أكتب أكثر، فكانت روايتي "المشهرات" طباعة ندوة الاثنين، التي دُرّست في كتاب النقد بكلية الأداب بالإسكندرية، واستعان بها أحد دكاترة كلية أداب المنيا في مناقشة رسالة الدكتوراة الخاصة به، وتحولت إلى أعمال درامية ومسلسلات بالإذاعة. وحصلت على عضوية اتحاد كتاب مصر في2005، ثم توالت بعد ذلك كتابتي لرواية "البيوت في بر مصر" طباعة اتحاد كتاب مصر، ثم المجموعة القصصية "أوراق لم تسقط" طباعة سلسلة الكتاب الفضي بنادي القصة في القاهرة، ثم رواية "رجال في حياتي" ضمن مطبوعات الأقليم في الإسكندرية، ثم التحقت بانتخابات قصر ثقافة الأنفوشي وصرتُ عضوة مجلس إدارة بالقصر في2016، وأدرت ندوة "الاثنين" في العامين 2019، 2020 تحت إشراف أستاذي عبد الله هاشم رحمه الله، وأصبحتُ عضوة مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر منذ عامين، ورئيسًا لشعبة "أدب الرحلات"، وحصيلة أعمالي حتى الآنأربع مجموعات قصصية، وثماني روايات.
- حدثينا عن أدب الرحلات في حياة الروائية منى سالم؟
توليت أولى مهامي ككاتبة، عضوة لمجلس إدارة النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ورئيسة قسم شعبة "أدب الرحلات"، ولكن من قبل ذلك وأدب الرحلات حياتي، فمسقط رأسي في "قنا"، ونشأتي في "القاهرة"، وزواجي في الإسكندرية.. وجميعها رحلات مهمة في مشواري، فمراحل حياة الشخصية، ومراحل السفريات والنمو، كل ذلك أدب رحلات يستلزم البراعة في تسجيله.
- ماذا يمثّل لك شهر مارس من كل عام؟
مارس بالنسبة لي شهر الطبطبة على المرأة المصرية، خاصة بعد أن حصلتُ فيه سابقًا على منحة التفرغ بوزارة الثقافة عن روايتي "أحضان الغربة"، واعتبرتُ ذلك تكريمًا عظيمًا.
- لم تخلُ أعمالك من رصد لواقع المرأة في المجتمع.. كيف تناولتِ ذلك؟
الموهبة هي التي أعطتني هذه الإضافة وجعلتني قادرة على النظر للمرأة بعين راصدة تسجل أدوارها المتعددة في المجتمع، وأول مجموعة قصصية لي بعنوان "بركان جبل الجليد" تناولت فيها المرأة بعين الصمود، فكيف لبركان وسط جبل من الجليد! هنا أردت التعبير عن قوة وصمود المرأة التي يموت زوجها وتصبح معيلة لأولادها، وهذه المجموعة كتبتُ إهداءها لوالدة زوجي، لأنني خرجتُ منها بمخزون من الحكي، والتراث لفتاة تربت مع جدتها، ثم تناولتُ في المجموعتين القصصيتين "شط الغريب"، و"أوراق لم تسقط" صورًا مختلفة عن المرأة، ملتقطة بالعين من داخل قطار أبوقير، لفلاحات قادمات من قطارات المحافظات المختلفة، يحملن الخضار والجبن والطيور والفطائر والخبز لبيعها في الأسواق، بمعاونة صديقاتهن اللاتي يشاركهن صنع الخبز والفطائر في البيوت، حيث تكمن شطارة الفلاحة القادرة على مواكبة الحياة كونها شريكًا أساسيًا جنبًا إلى جنب الرجل، تشاركه تفاصيل حياته، لذا فعين الكاتب وحدها القادرة على الالتقاط والرصد وبراعة التسجيل، وعين الإبداع أن يلتقط الكاتب صورًا مختلفة وغنية من على الرصيف، كما كان يشير الأديب نجيب محفوظ "الإبداع على الرصيف".
- احتفظتِ للمرأة بأدوارٍ لا يستهان بها في أعمالك الروائية أيضًا.. حدثينا عن ذلك؟
رصدت رواية "المشهرات" في 2005 العادات والتقاليد والطقوس الشعبية للجدة الكبيرة حاملة الموروث، ومنظور الأم والجدة وأم الزوج للعقبات التي تقف حائلًا أمام المرأة، ولا تجد لها حلولًا إلا في موروثاتهن، ففي حياتنا لا نستطيع التخلي عن موروثاتنا. وتناولت رواية "رجال في حياتي" 2010 دور الرجل في حياة البطلة، أبًا وأخًا ومعلمًا وزوجًا، وتضمنت فصولًا بأسماء معلميها، وتأثرها بهم منذ نعومة أظافرها إلى أن صارت فتاة ثم زوجة وأمًا، كما تناولت فصلًا عن الزوج والمطبخ، وتصف الرواية كيف أن الرجل والمرأة لا ينفصلان كونهما داعمين لبعضهما البعض في الحياة، ولكن يبقى العبء الأكبر يقع على المرأة.
وفي رواية "البيوت في بر مصر" 2010 أسقطتُ الضوء على سيرة ذاتية كاملة ومتواصلة الأجيال لبطل الرواية رب الأسرة المكافح الذي تزوج في سن كبيرة بعد أن اطمأن على زواج إخوته، ثم قدُم بزوجته من الصعيد إلى القاهرة، وأنجبت الزوجة سبعة أبناء غير خمسة توفوا، لتتحمل وحدها عبء التربية ومسؤولية البيت في ظل ظروف عملٍ قاسية لزوجها المنشغل عنهم ليوفر لهم حياة كريمة، وأهديتُ روايتي هذه للأديب العظيم نجيب محفوظ.
أما "أحضان الغربة" فتستعرض واقعًا مغايرًا للمرأة كانت تعيشه في الطبقات الشعبية حينذاك، وتسقط الرواية الضوء على ثلاث سيدات صديقات يسكنّ الأكشاك الخشبية، تنجب إحداهن الأبناء، وتُحرم الأخرى من الإنجاب، بينما يتوفى كل مولود تلده الثالثة، لينقذ الموروث حياة أحد أطفالها التي اعتادت موتهم، وتربط الصديقات علاقة تراحم، فيتناوبن تربية الأبناء معًا. وتصورالرواية تفاصيل حياتهن في هذه الأكشاك، من "وابور الجاز" للطهي، والفرن البلدي للخبز، والراديو، والسرير أبوعمدان، والرف الخشب المستخدم في وضع لامبة الجاز والراديو عليه، والكنبة السحارة، والمسمار الذي يربطن فيه حبل الغسيل، والأطباق وعلب الصفيح التي كنّ يجمعن فيها نقاط أمطار الشتاء، حياة مليئة بالسرد لتفاصيل ويوميات المرأة في الطبقات الشعبية حينذاك.
وفي "زينة الوادي من باريس" الصادرة بالتزامن مع معرض الكتاب2022، قصة مستوحاة من واقع الوادي الجديد، أبطالها أسرة مكونة من أربعة رجال أشقاء وزواجاتهم، ولهم عادتهم وتربيتهم الخاصة، وباريس قرية في الوادي، حيث القرى هناك تحمل أسماء عواصم عالمية شهيرة، وتصوّر الرواية واقعية حياة هذه الأسرة من خلال رحلة بحثها عن جمل تائه في الصحراء، ويتوفى أحد الأشقاء في أثناء الرحلة، وتدخل زوجته "نهر" في معاناة مع أسرة الزوج كونها بل سند، فتحاول إحدى زوجات الأشقاء التخلص منها بإلقائها في "بركة الدود"، وهو مكان بالصحراء في وادي العطرون، لتبدو بعد العثور عليها فاقدة لسرد ما حدث لها، فتنتوي الانتقام، لكنها لا تستطيع بعد محاولة ناجحة من شقيق زوجها الأكبر للم شتات الأسرة وعودة ترابطها، بعرض زواجها من أحد أشقائه، وإعطاء فرصة ثانية لزوجة الشقيق التي ألحقت بها الأذى، لتعود الأسرة التي عانت كثيرًا من تحول في النفوس خلال رحلة البحث.
- من أين جاء مخزون كتاباتك عن العادات والتقاليد والطقوس الشعبية والموروثات؟
من شغفي للقراءة منذ طفولتي في الصف الثالث الإبتدائي، فكنت أنتقي الكتب القديمة منزوعة الأغلفة وأشعر في قراءتها بمتعة خاصة، وكنت حريصة على قراءة كل شيء حتى قصصات الورق الصغيرة أحفظها لقراءتها بعد الانتهاء من مهام بيت الأسرة، حرصت أيضًا في الصغر على قراءة المجلات العلمية المترجمة والشهيرة، فمعرفة الجمهور بكتاباتي كان نتاج مخزون قراءتي في الصغر الذي تفجر في سن النضوج بعد أن تزوجت وصرتُ أمًا لثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، حيث بدأت حينها إصقال الموهبة بحضور الندوات والتوفيق بين مسؤولياتي كزوجة وأم وكاتبة.
- كيف وفقتِ بين طرفي المعادلة الصعبة في حياتك كونك كاتبة روائية وأمًا لثلاثة أبناء؟
جاءت أولى مشاركاتي في مسابقة القصة القصيرة وأبنائي في مرحل التعليم المختلفة، لأنني تزوجت في سن صغيرة وفقًا لعادات وتقاليد الصعيد، لكن شغفي بالقراءة ساعدني كثيرًا، فتحقيق الذات والحلم ليس مستحيلًا، فقط يحتاج إلى تنظيم يجعل الإنسان قادرًا على عمل كل شيء. كنت أمارس الكتابة صباحًا بعد تحضير أبنائي وذهابهم إلى المدرسة، ثم أنشغل بعمل الغداء، وأعود لمتابعة مذاكرتهم حتى السادسة مساءً، حينها أذهب لحضور الندوات، وأعود بعد شراء متطلبات غداء اليوم الذي يليه لأجهزه ليلًا حتى لا يستغرق طهيه وقتًا كبيرًا.
- وماذا لو تعارضت أولويات البيت مع أولويات العمل؟
عندما تتعارض أولوياتي بين البيت والعمل أُجعل اهتمامي للبيت ثم البيت، وموهبتي تلي بيتي، فإذا ناداني البيت في أمر ضروري ألبي له وأعتذر عن الذهاب إلى الندوة، لكنّ تفاهم الزوجين يولد النجاح بنسبة تفوق الـ90 في المائة، فالتفاهم بيني وزوجي سببًا رئيسيًا في نجاحي، بعد أن أعطاني الحرية وتفهّم لمهام عملي وتدرجي فيه، وهو شريكي في كل شيء.
- لُقبتِ بـ "ابنة الطين" كيف رأيتِ هذا اللقب؟ وماذا يمثل لك؟
رأيته لقبًا فلسفيًا يحمل معانٍ مهمة في تاريخ كتاباتي عن الموروثات، يجسد مفهوم الأصالة، كالشجرة تعود لجزورها في كتاباتها، ولقبني به الكاتب والناقد العراقي أحمد سعدون البزوني في أحد مقالاته النقدية، وأعتز بهذا اللقب بل إنه من أحب الألقاب إلى قلبي.
- وماذا قال النقّاد عن الروائية منى سالم؟
"منى سالم تكتب بعيدًا عن الجنس الفج" قالتها الناقدة الدكتورة زينب العسّال في أولى مناقشة لروايتي "المشهرات" التي لاقى مناقشتها حضورًا كبيرًا لم أكن أتوقعه.
و"تخلع ثوب جدتها لتتأمله من جديد" قالها الناقد الفلسطيني غريب عسقلاني في دراسة نقدية عن "المشهرات".
ومقولة الناقد العراقي أحمد سعدون البزوني "بارعة في "طبخ الأدب" أو "أدب المطبخ" بدراسته النقدية لرواتيّ "المشهرات" و"البيوت في بر مصر" تحت عنوان "سمار القمح".