أكدت جامعة الدول العربية أن الأزمة الإنسانية في سوريا لن تجد طريقها إلى الحل سوى عبر تسوية سياسية شاملة تستند إلى التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 2254 لسنة(2015)، وتحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري في تحديد مستقبله بحرية.
جاء ذلك في كلمة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، في جلسة مجلس الأمن، اليوم /الخميس/، حول الأزمة الإنسانية السورية.
وقال السفير حسام زكي إن الحل السياسي وحده يظل السبيل لإنهاء الصراع وخلق مناخ آمن ومحايد يضمن العودة الآمنة والكريمة والطوعية لملايين المشردين والنازحين واللاجئين، مجددا في هذا الإطار دعم الجامعة العربية لجهود المبعوث الأممي جير بيدرسون وتعهدها بمواصلة التعاون معه.
وأشار إلى أن الذكرى الحادية عشرة لاندلاع الأزمة السورية تتزامن مع اضطرابات عالمية خطيرة، تفرض تحديات إضافية على المجتمع الدولي وخطط استجابته للأزمات الإنسانية، ومن المتوقع ألا تكون الأزمة السورية بمنأى عن هذا المشهد القاتم الذي يلقي بظلاله على حالة السلم والأمن الدولي.
وتابع زكي: "وبرغم أن الأمل لا زال يحدونا في أن تتغلب لغة الدبلوماسية على لغة السلاح والاقتتال، إلا أن مخاوفنا تتزايد كل يوم مع تزايد معدلات النزوح في الحرب الدائرة في أوكرانيا، على نحو يطرح أمام المجتمع الدولي مسؤوليات ضخمة لاسيما فيما يتعلق بالتعامل مع التحديات والأزمات الإنسانية التي تزايدت وتيرتها مع تصاعد وتيرة الصراعات المسلحة في مناطق مختلفة من العالم".
وقال إن لدينا خشية حقيقية من انعكاسات وتداعيات الحرب في أوكرانيا على الأزمة السورية، سواء كان ذلك ميدانياً أو في تعامل مجلس الأمن معها، مضيفا أن "ما يواجهه النظام العالمي من تحديات خطيرة على خلفية الحرب يدفعنا إلى التأكيد مجدداً على أهمية ألا يتضاءل الاهتمام الدولي بالاحتياجات الإنسانية الملحة، أو ألا يتمكن المجلس من التعامل مع الشق الإنساني تحديداً لأسباب سياسية بحتة".
وأعرب السفير زكي عن تطلع الجامعة العربية لاستمرار آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، وتجديدها في يوليو القادم، بحيث يبتعد بهذا الموضوع الإنساني عن التسييس بسبب الأوضاع الحالية، معتبرا أن تجديد قرار مجلس الأمن 2585 أمر حيوي بالنسبة لمصير ملايين المحتاجين من الشعب السوري.
وأكد أن كل الأبعاد المتعلقة بالصراع السوري ساهمت في تشكيل أزمة إنسانية كارثية طالت جميع أبناء الشعب السوري بغض النظر عن مناطق تواجدهم، وانعكست آثارها المفجعة على عدة أجيال منه، وتفاقمت حدتها في ظل تزايد معدلات اللجوء والنزوح وتردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية وارتفاع معدلات الفقر، فضلاً عن تردي الأوضاع الصحية في ظل جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) والدمار الذي لحق بالمؤسسات العلاجية، والتي تخضع لعقوبات تجعلها عاجزة عن أداء أبسط مهامها الإنسانية.
وأوضح أن التقديرات تشير إلى أن 90% من أبناء الشعب السوري يعيشون حالياً تحت خط الفقر، ويعاني نحو 12.5 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وأدت سنوات الصراع إلى نزوح ولجوء أكثر من 12 مليون سوري، أي نصف سكان البلد تقريباً، وهي حالة فريدة- للأسف- في التاريخ المعاصر، وأصبح هناك أكثر من 14 مليون سوري في حاجة للمساعدة الإنسانية، إضافة إلى وجود عشرات الآلاف من المحتجزين والمختطفين والمفقودين.
وقال السفير زكي إن جامعة الدول العربية تدرك الآثار الخطيرة لهذه الأزمة على الاستقرار في المشرق العربي، بل وفي المنطقة العربية على اتساعها، وتتابع تداعياتها وآثارها المؤلمة التي تطال الدول المجاورة لسوريا، لاسيما الدول العربية المستضيفة للسوريين وفي مقدمتها لبنان والأردن، واللتان تتحملان أعباء ضخمة في سبيل توفير الإغاثة والخدمات الأساسية للنازحين السوريين، رغم ما يشكله ذلك من ضغوط كبيرة على البنى التحتية والقطاعات الحيوية في تلك الدول خاصة قطاعي التعليم والصحة.
وأضاف أن لبنان يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين نسبة إلى عدد سكانه، والأردن يستضيف ما يزيد على مليون سوري منذ بداية الصراع، وهو ما يضع عبئاً هائلاً على كاهل دولة ليست ذات موارد كبيرة، مشيرا إلى أن الجامعة العربية تتطلع لأن يسهم مؤتمر "بروكسل" السادس لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، والمقرر عقده في 10 مايو القادم، في التخفيف من حدة هذه المأساة الإنسانية التي طال أمدها، وحشد الدعم اللازم لمساندة الدول المستضيفة للنازحين السوريين.
وأشار إلى أن دعم النازحين واللاجئين هو مسؤولية تشاركية بين المجتمع الدولي والدول المستضيفة، دونما تمييز على أساس اللون أو العرق أو الدين "كما بتنا نسمع مؤخراً بكل أسف"، فاللاجئ والنازح من نزاع مسلح هو إنسان قبل أي اعتبار، انهارت ظروف حياته الطبيعية دون رغبة منه أو قدرة على مواجهة الواقع الصعب، مؤكدا أن الاهتمام بهم والتضامن مع أحوالهم وتقديم يد المساعدة لهم إنما هو من صميم مسؤوليات المجتمع الدولي بكافة مكوناته، معربا عن أمله في أن يضطلع كل طرف بما عليه في هذا الخصوص.
وأشار إلى أن مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية اعتمد، في 9 مارس الجاري، قراره حول الأزمة السورية، وأهم ما جاء في القرار الذي يشكل أساس الموقف العربي من الشق الإنساني في الأزمة أن هناك قلقا عربيا كبيرا من تدهور الأوضاع الإنسانية، ومن العواقب الكارثية التي يمكن أن تترتب على استمرار العنف في مناطق متفرقة من سوريا على الرغم من ثبات خطوط التماس في شمال غرب وشمال شرق البلاد على مدى 20 شهراً، وكذلك هناك اهتمام بتثبيت الاستقرار والتصدي لظواهر انعدام الأمن والاغتيالات وتهريب المخدرات في الجنوب السوري لتمكين اللاجئين من العودة الطوعية إلى وطنهم ووقف تفاقم الأوضاع في الجنوب.
وأضاف أن القرار أكد على أنه يوجد قلق مشروع إزاء الأوضاع الإنسانية المتردية التي يشهدها مخيم الهول وتجمع الركبان، ولذلك فهناك مطالبة من الأطراف الدولية والسورية بتحمل مسئولياتها والسماح بتأمين ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية من الداخل السوري، والتأكيد على أهمية عودة كل قاطني الركبان إلى مناطقهم، وتفكيكه وإخلائه بشكل تام، كما يوجد قلق مبرر وحقيقي إزاء أية ترتيبات جديدة على الأرض من شأنها أن تشكل تهديداً لوحدة الأراضي السورية، والرفض القاطع لكل المحاولات التي تهدف إلى فرض تغييرات ديموغرافية قد ترسخ لواقع جديد على الأرض السورية، وكذلك للاستباحة الجوية المستمرة للأجواء السورية من جانب إسرائيل.
وأشار إلى أن مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية رحب باعتماد مجلس الأمن القرار 2585 لسنة (2021) بشأن تجديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية، وطالب الدول المانحة بسرعة الوفاء بتعهداتها التي أعلنت عنها في مؤتمرات المانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا.