بقلم – سناء السعيد
جسد ترامب مثالا فاضحا للسياسة العنصرية، عندما بادر فوقع على أمر تنفيذى مساء السابع والعشرين من الشهر الماضى ليتم بمقتضاه منع رعايا سبع دول إسلامية وعربية من دخول أمريكا وهى سوريا والعراق وإيران واليمن وليبيا والسودان والصومال، وبرر الإجراء بأنه لحماية الولايات المتحدة من المتطرفين الذين يتطلعون لاستهداف الأمريكيين والمصالح الأمريكية، الإجراء كان صادما لا سيما بالنسبة لوزيرة العدل بالوكالة “سالى ييتس” التى رفضت تنفيذ القرار
وكان أن أصدرت تعميما تأمر فيه المدعين العامين بعدم تطبيق قرار ترامب المثير للجدل والذى منع بموجبه رعايا سبع دول من السفر إلى أمريكا لمدة ثلاثة أشهر وتجميده برنامج الهجرة لمدة أربعة أشهر، مع فرضه حظرا لأجل غير مسمى على دخول اللاجئين السوريين، ولقد شككت «سالى ييتس» فى قانونية وأخلاقية الأمر التنفيذى الذى اتخذه ترامب وقالت: (طوال فترة تولى وزارة العدل بالوكالة فإن وزارة العدل لن تعدم حججا للدفاع عن الأمر التنفيذى إلا إذا اقتنعت بأنه من المناسب فعل ذلك)، رد فعل ترامب جاء سريعا بعد أن هاله تجرؤ “سالى” على مخالفة ما يتخذه من إجراءات فسارع بإقالتها، وفى بيان صادر عن البيت الأبيض جاء فيه: (إن وزيرة العدل بالوكالة خانت وزارة العدل برفضها تطبيق قرار قانونى يرمى لحماية مواطنى أمريكا، وأن الرئيس ترامب قد أعفى «ييتس» من مهامها). ووصف البيان ييتس بأنها ضعيفة فيما يتعلق بالحدود وضعيفة جدا فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية.
ظهرت سالى ييتس كامرأة قوية آلمها اجتراء ترامب على العدل والقانون والدستور الأمريكي؛ فكان أن تحركت وأعلنت جهرا عدم دستورية الأمر التنفيذى الذى أصدره ترامب، تحركت على الفور لاتخاذ موقف إزائه، لم يهمها المنصب والاحتفاظ به، فالمناصب زائلة، ولكن موقفها المبهر سلط عليها الأضواء كعملة نادرة فى زمن ضاع فيه الشرف والكرامة، وغدا المال والسلطة هما المحركين الرئيسيين لإدارة ترامب، فى المقابل ظهر ترامب مفتقرا للحكمة بعد أن سيطر عليه الحقد والكراهية ليعصف بكل من يختلف معه، ولهذا سارع فأقال هذه الأيقونة الرائعة التى تستحق وسام الشرف لرفضها تطبيق قرار ظالم، وتنفيذ أوامر تعتبرها غير قانونية، ولقد تضافر معها أعضاء من الكونجرس ووجهوا لها التحية ووصفوا قرارات ترامب بأنها متسرعة.
وفى معرض ردود الفعل إزاء قرار ترامب تمرد تسعمائة موظف فى الخارجية الأمريكية ووقعوا على مذكرة داخلية تعارض قرار ترامب، وفى اليوم التالى لتمردهم، خيرهم المتحدث باسم البيت الأبيض بين تأدية مهامهم أو الرحيل، وخلافا لهؤلاء أعلن ستة عشر مدعيا عاما فى الحكومات المحلية تمردهم على ترامب ومعارضتهم للقرار الذى اتخذه، هذا إلى جانب ردود فعل خارجية عارضت قرار ترامب الصادم تصدرهم رئيس وزراء كندا الذى فتح حدود بلاده أمام كل لاجئ ترفض أمريكا دخوله. وسارع الرئيس الفرنسى فانتقد مواقف ترامب كلها، أما «ميركل» فلقد وصفت القرار بأنه انتهاك لروح التعاون الدولى ويتعارض مع المبادئ الأساسية للمساعدة الدولية للاجئين.
لقد ظهر ترامب كرجل فقد رشده وترك العنان للحقد والكراهية لكى تملى عليه اتخاذ قرارات فاشية ظالمة، قرارات ضد القانون والأخلاق معا، فالأمر التنفيذى الذى اتخذه يرسل إشارة مفادها أن أمريكا لا تريد استقبال أى مسلم، ظهر ترامب يدافع عن السياسة النزقة التى اعتمدها بعد أسبوع من توليه الرئاسة. والتى أثارت موجة احتجاجات عارمة قائلا: (إنها ستجعل أمريكا أكثر أمانا بوجه الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين)، ووسط ذلك غيب ترامب الحقيقة القائلة بأن القرار عنصرى يكرس التمييز إذ لا يمكن الحكم على رعايا أى دولة بشكل قاطع بأنهم سيئون، قرار ترامب أدانته الأمم المتحدة واعتبرته مخالفا لحقوق الإنسان، كما ندد به مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان معتبرا أنه سيئ النية ومخالف لحقوق الإنسان، فالتمييز على أساس الجنسية محظور بموجب قوانين حقوق الإنسان.
إنه ترامب الذى حطم بقراراته الرقم القياسى كأسرع رئيس يفقد تأييد أغلبية شعبه، فلقد ارتفعت نسبة معارضيه والراغبين فى رحيله عن المنصب إلى ٥١ ٪ بعد تسلمه الرئاسة بثمانية أيام، قراراته العشوائية الصادمة جاءت لتؤكد بأن أمريكا معه وتحت رئاسته ستمر بمنحى صعب وتهديد غير مسبوق، فهو الذى يرغب فى تغيير شكل المجتمع الأمريكى ومنع أى معارضة له ولسياسته، ولا غرابة فهو شخص سلطوى يلعب على مشاعر الشعب ويسعى إلى تحييد المعارضة الديمقراطية، ليتمكن من بناء دولة سلطوية وشعبوية.
ويثور التساؤل: هل الدول العربية قادرة على معاملة الرعايا الأمريكيين بالمثل أمام قرار ترامب العنصرى الذى يكرس التمييز؟، المنطق يقول بأنه لا يمكن الحكم على رعايا أى دولة بشكل قاطع بأنهم إرهابيون ومتطرفون، إلا أن ترامب شذ عن القاعدة وفقد العقلانية وضاجع العنصرية وكشف بأفعاله عن وجه قبيح لرئيس أخرق نزق .. ضل الطريق...