لا يعلم الكثير أن المقاهي المصرية تعدّ جزء يمثِّل تاريخ مهم من تاريخ جمهورية مصر العربية، وأنها ليست مجرد أماكن للتجمعات وقضاء أوقات الفراغ كما يظن البعض، فداخل مصر العديد من المقاهي ذات التاريخ والأثر، الذي يفوح منه عبق التاريخ، وقد شهدت المقاهي المصرية إنطلاقًا فكريًّا وثقافيًا كبيرًا، على مر حقبات زمنية مؤثرة استطاعت تغيير التاريخ، حيث جمعت المقاهي كافة الطبقات الاجتماعية أسفل سقفها، واكتسبت شهرتها من قامات مرتاديها، على كافة المستويات الفكرية والثقافية وفي مختلف المجالات، السياسية والفنية والأدبية وغيرها.
مقهى زهرة البستان، الشهير بملتقى الأدباء والفنانين، كما هو مكتوب على اللافتة الخاصة به، وهو أحد أشهر مقاهي وسط البلد الآن، في ساحة كبيرة وطويلة في مكان مفتوح، تجد على جدرانها صور مرسومة لقامات الأدب والطرب، كالسيدة أم كلثوم، ونجيب محفوظ، وأحمد فؤاد نجم، والأبنودي، وغيرهم.. وتجد الزحام دائما هناك، خاصةً في شهر رمضان، حيث الأجواء التي ليس لها مثيل، تشعر بروح مختلفة، تقودك إلى متعة غير مسبوقة، وزينة من فوقك تشير إلى أنك تجلس في مدينة الألوان أو الأحلام، ومن حولك أصوات الناس كل منهم في حديثه الخاص.
على مدار 80 عامًا هو تاريخ هذا المقهى الشهير، الذي كان نافذة للقاء الأدباء والشعراء، وملتقى اجتمعاتهم، ومازال، ويقع المقهى قرب ميدان طلعت حرب، خلف مقهى ريش، الشهير بندوات نجيب محفوظ الأسبوعية، فتجد فيه ناس من مختلف الطبقات والمجالات العملية والفكرية.
كان يجلس على المقهى في وقت سابق الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، وخيري شلبي، وعلاء الأسواني، وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم، تجدهم يجلسون بين الناس ومع الناس دون حواجز وعلى طاولة واحدة، دون قيود.
وتجد في مقهى البستان أحلام الشباب تبدأ من هناك، في جلسة سمر، أو جلسة نقاش، أو جلسة منفردة في قراءة كتاب، أو تلحين أغنية، أو أي عمل أدبي أو فني، تجد الأفكار تتعدد وتتكاثر، ويملأوها التفائل والحماس، بما يتمتع به المقهى من أجواء خيالية، حيث يجتمع مبار الأدباء بالشباب الصغير الذي ينتلك حلم وفكرة.