الجمعة 26 ابريل 2024

حكايات من دفتر دولة التلاوة

مقالات7-4-2022 | 17:49

من هنا أشرقت شمس دولة التلاوة على الأرض، من كل فج عميق في المحروسة خرجت الحناجر الذهبية لعنان السماء، تتنقل بقلوب العاشقين بين المقامات، تخرج الأنغام من الحناجر الذهبية، لتسمعها الآذان وتتخيلها العين وكأنها تراها ويتفاعل معها اللسان، وتسكن القلوب دون خروج، وتسطر لنا تاريخ وحكايات في دفتر دولة التلاوة.

من هنا بدأ تاريخ دولة التلاوة، لتنحت أبرز خطوط الهوية المصرية، هنا التاريخ النابض بالحضارة الإسلامية، هنا صوت مصر يرفع الآذان ويردد آيات الذكر الحكيم في أرجاء المعمورة، نزل القرآن الكريم في مكة وحملته صدور الصحابة، ونبض به قلب المحروسة بأصوات المصريين.

 أتقن المقامات وقرأ القرآن بـ19 مقاماً، فكان شيخ دولة التلاوة، ولقبه البعض بـ"رئيس جمهورية التلاوة " كان ينتقل بسلاسة من نغمة إلى أخرى، متمكن من قدراته الصوتية يعرف متي يستخدمها، أنه الشيخ مصطفي إسماعيل ابن قرية ميت غزال، مركز السنطة، محافظة الغربية الذي يمزج بين علم القراءة وأحكام التلاوة وعلم التفسير وعلم المقامات، اختاره الملك فاروق قارئا للقصر الملكي وكرمه الرئيس جمال عبد الناصر وصاحب الرئيس السادات في زيارة القدس.

كان الشيخ حافظا للقرآن الكريم في سن الثانية عشر، التف حوله المريدين من العوام والملوك والرؤساء والفنانين، وعلى رأسهم الرئيس السادات الذي عشق تلاوة الشيخ لحد محاولة تقليدها، وكان ذلك هو سبب اصطحاب الرئيس له في رحلة القدس.

وكان الفنان المبدع عمار الشريعي من محبين صوته، ويدقق ويتابع اختيارات الشيخ للمقامات الموسيقية، ويحلل تلاوات الشيخ موسيقيا.

لم يكن الأمر يقف عند الشريعي بل أن صلاح منصور عمدة السينما المصرية كان يتعقب الشيخ مصطفي إسماعيل في مختلف وجهاته ويسافر خلفه من أجل للاستمتاع بصوته ويرافقه في بعض رحلاته عمنا الساخر الكبير محمود السعدني، والفنان شكري سرحان.

وفي دولة التلاوة أسماء عشقتها الآذان وحفظتها القلوب، مثل الشيخ الجليل محمود خليل الحصري، أول من سجل المصحف المرتل للإذاعة برواية حفص عن عاصم.

دعاه الرئيس عبد الناصر لقراءة القرآن في المؤتمر الإسلامي الأول عام 1960 الذي أقيم في نيودلهى، وفى 1967م حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عيد العلم، وكان القارئ الوحيد الذي رتل القرآن في الأمم المتحدة خلال زيارته عام 1977م بناء على طلب جميع الوفود العربية والإسلامية، والتقى بالرئيس جيمي كارتر، وفى عام 1978 رتل القرآن بقاعة الملوك بلندن، وأذن لصلاة الظهر في الكونجرس الأمريكي أثناء زيارة وفد مشيخة الأزهر لأمريكا.

ترحل أجساد شيوخ التلاوة، وتظل تلاوتهم تطل علينا من بيت التلاوة إذاعة القرآن الكريم من القاهرة، خرجت لتكون أحد أدوات الحفاظ علي آيات الذكر الحكيم، في 25 مارس عام 1964 على موجتين قصيرة ومتوسط لتصل وتغطي المنطقة العربية والإسلامية، لا تقف دولة التلاوة عند حدود التاريخ، أنه نهر يتدفق يخرج من وطن الأزهر الشريف لكل ربوع المعمورة، إنها مصر العظيمة بقواها الناعمة، ومبدعيها في دولة التلاوة، و بالرغم من ظهور أصوات عذبه في دول الخليج و العالم العربي، واعتلاء بعضهم للفضائيات المتخصصة و تواجدهم علي منصات التواصل الاجتماعي بقوة إلا أن دولة التلاوة المصرية ما تزال هي الشمس التي تشرق من بلد الأزهر الشريف لتنير المعمورة.

وفي الشهر الفضيل تظل تلاوة القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت، ومحمد صديق المنشاوي، لها طابع خاص في نفسي، أنهم جزء من أبجديات دولة التلاوة المصرية وهويتها التي تمتد عبر الزمن، وأحد علامات الشهر الفضيل لدي المصريين.

تظل دولة التلاوة جزء من روح رمضان في مصر، لا يمكنني أبد أن أتخيل بلد آخر على وجه الأرض يملك عبقرية مصر وقواها الناعمة التي أبدعت وأسعدت الملايين في تلاوة القرآن الكريم، وقدمت أجمل قصائد الإنشاد، متعكم الله بالشهر الفضيل وبأصوات دولة التلاوة.

Dr.Randa
Dr.Radwa