الثلاثاء 7 مايو 2024

مزامير التلاوة.. الشيخ مصطفى إسماعيل مقرئ القصر الملكي (30-8)

الشيخ مصطفى إسماعيل

ثقافة9-4-2022 | 17:13

عبدالله مسعد

يأتي شهر رمضان المعظم وتتلألأ أصوات قراء القرآن الكريم، وتضم مدرسة التلاوة المصرية العديد من الأسماء البارزة التي تعدت شهرتها حاجز الزمان والمكان، أصوات من الجنَّة تشدو على أرض الكنانة، يمتازون بحلاوة الصوت ووضوح المخارج والتمكن من الأحكام والضوابط، فمصر هي مهد التلاوة، فكما قيل "نزل القرآن في مكة وقُرأ في مصر"، وغالبية مشاهير القراء مصريون، وهم من علموا العالم الإسلامي أصول وفن التلاوة بأصوات عبقرية متفردة، وأرسى العديد منهم أسس التلاوة، وكانت تلاوتهم لآيات القرآن الكريم مثار إبهار وتعظيم لكل من استمع إليهم، واستمد من أصواتهم شغفًا لفنون التلاوة والإنشاد الديني الجميل.

ويجتمع المصريون في شهر رمضان المبارك للاستماع إلى آيات الذكر الحكيم، من عدد من الشيوخ الذين أثروا في الوجدان المصري، وتقدم بوابة "دار الهلال" يوميًا خلال الشهر المبارك، مقطع إذاعي لأحد أشهر القراء الكرام.

الشيخ مصطفى إسماعيل، أبرز شيوخ التلاوة في مصر والعالم الإسلامي، وأول قارئ يسجل في الإذاعة المصرية دون أن يمتحن فيها، وصاحب قدرات صوتية مميزة فقد جمع بين عذوبة الصوت وقوة الأداء، ومزج بين علم القراءات وأحكام التلاوة وعلم التفسير وعلم المقامات، وكان يستحضر حجة القرآن في صوته ويبثها في أفئدة المستمعين لاستشعار جلال المعنى القرآني.

ولد في قرية ميت غزال، مركز السنطة، محافظة الغربية، 17 يونيو 1905، حفظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره في كُتاب القرية ثم التحق بالمعهد الأحمدي بطنطا ليتم دراسة القراءات وأحكام التلاوة.

واختاره الملك فاروق قارئًا للقصر الملكي، كما كرمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر واصطحبه معه السادات في زيارته للقدس، بينما كان أعظم ما قام به هو أن ترك خلفه 1300 تلاوة لا تزال تبث عبر إذاعة القرأن الكريم.

ذاعت شهرته في أنحاء محافظة الغربية والمحافظات المجاورة لها، ونصحه أحد المقربين منه بالذهاب إلى القاهرة، وبالفعل ذهب إلى هناك والتقى أحد المشايخ الذي استمع إليه واستحسن قراءته وعذوبة صوته ثم قدمه في اليوم التالي ليقرأ في احتفال تغيب عنه الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي لظرف طارئ وأعجب به الحاضرون، وكان ذلك بداية تعرف جمهور القاهرة على صوت الشيخ مصطفى إسماعيل عام 1943، وعين قارئًا للسورة بالجامع الأزهر قبل اعتماده بالإذاعة فكانت أول سابقة في ذلك الأمر.

استمع الملك فاروق لصوت الشيخ مصطفى إسماعيل في الحفل الذي نقلته الإذاعة من مسجد الإمام الحسين، فأعجب به وأصدر أمرًا ملكيًا بتكليفه ليكون قارئًا للقصر الملكي لإحياء ليالي رمضان بقصري رأس التين والمنتزه في الإسكندرية، كما كان الرئيس السادات يحبه كثيرًا ويعشق صوته.

ونزل الذكر الحكيم على رسولنا الكريم بلسان عربي مبين، إلا أن لغة العرب كانت متعددة اللهجات، فأنزل الله كتابه موافقا لتعدد لهجاتهم من باب التيسير، فقد جاء هذا الدين برفع المشقة والحرج، وهكذا فقد يسّر الله – عزّ وجلّ – تلاوةَ هذا القرآن على الأمَّة في القراءات المتواترة، وأنزله على أحرف سبعة؛ لأنه هو الدستور الذي تحيا به أمة الإسلام.

ومن هنا نشأ علم القراءات، وهو اصطلاحًا ما تمت نسبته من القراءة إلى أحد أئمةِ القراءات العشر المشهورين، وعرف ابن الجزري القراءات بأنها: "علمٌ بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها مَعزوًا لناقله"، وقال الدمياطي: "علم يُعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب الله تعالى واختلافهم في الحذف والإثبات والتحريك والتسكين والفصل والوصل، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال وغيره من حيث السماع".

وأقر رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – الصحابة الكرام على مختلف لهجاتهم، وكان يقرئ كل قبيلة بما يوافق لهجتها، فحرص ممثلوها أشد الحرص على ملازمة تلك القراءات التي يعلمهم إياها حرفا بحرف، وحركة بحركة.

ونقل التابعون هذه القراءات عن الصحابة بدرجة فائقة الإحكام والدقة والتجويد، وكرس ذوو الهمم العالية منهم حياتهم وأعمارهم وجهودهم لإقراء القرآن وضبط ألفاظه وتحقيق رواياته، وجعلوا هذه المهمة الرفيعة هدفهم الأوحد وشغلهم الشاغل، فأصبحوا أئمةً كمصابيح الدجي يقتدى بهم، ويؤخذ عنهم، وتشد إليهم الرحال، وقد نسبت القراءات إليهم.

وفي أواخر عهد التابعين؛ تسللت الكثير من مظاهر العجمة، وبعض من بوادر اللحن إلى القراءة، فانتفض علماء القرآن الفطناء، وأئمته الأتقياء، وعنوا بحصر القراءات وضبطها، وتحري أسانيدها، ونبذ ما شاذ من القراءات، فحازوا ثقة القراء واجتمع عليهم العلماء، وجابت شهرتهم الأمصار، إنهم أئمة القراءات العشر الأخيار، الذين تواترت قراءاتهم، وثبتت رواياتهم، ومن بين تلك القراءات التي اعتمدها العلماء:

1- نافع: وهو أبو رؤيم قارئ المدينة من تابعي التابعين توفي في المدينة196هـ، وراوياه هما: "قالون" وهو عيسى بن مينا المدني، و"ورش" عثمان بن سعيد المصري.

2- ابن كثير: عبد الله بن كثير قارئ مكة تابعي توفي بمكة 120 هـ، وراوياه هما: "البزي" أحمد بن محمد بن بزة المكي، "قنبل" محمد بن عبد الرحمن المكي.

3- أبو عمرو: زبان بن العلاء البصري توفي بالكوفة 154هـ، وراوياه هما: "الدوري" حفص بن عمر، "السوسي" صالح بن زبان.

4- ابن عامر : عبد الله بن عامر تابعي دمشقي توفي بها سنة118هـ، وراوياه هما: "هشام" بن عمار الدمشقي، "ابن ذكوان" عبد الله بن أحمد القرشي.

Egypt Air