السنة المطهرة وافتراءات المرجفين
أبو هريرة – رضى الله عنه
افتراءات وأباطيل متنوعة
رواة وأئمة الحديث
يوجه كارهو الدين الحق ، من معاندين ومدعين وغيرهم ، سهام تشكيك في رواة السنة النبوية وأئمة الحديث الشريف بالطعن والقدح ، وإثارة شبهات ، لهز الثقة في مرويات ومصنفات ، تحوي صحيح الحديث الشريف .
من أشهر من يناله الهجوم الوافر ، أبو هريرة والبخاري – رضي الله عنهما – علي الرغم من إحكام الرواية ، وفق معطيات علمية ، وسلامة عملية التصنيف العلمي وفق قواعد علمية ، كلها مجتمعة تشهد وتؤكد الدقة الفائقة في الرواية والتعلم والتعليم
بادئ ذي بدء : فإن المطاعن لراوية الإسلام أبي هريرة – رضي الله عنه – يأخذ منحي الطعن في الصحابة – رضي الله عنهم – من نفوس غير سوية ، لا تقف عند حدود الأدب ، فقد زكي الله – عز وجل – ذلكم الجيل تزكيةً متفردة ) والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ( (1) ، واثني عليهم سيدنا رسول الله - r - ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم .... )(2)
ويمكن إيراد أهم المطاعن علي النحو التالي :
مطاعن متعددة في شخصيته الاجتماعية تارة ، والسياسية تارة أخري ، والعلمية – وهي ببيت القصيد ! .
واني – في هذه السطور – أربأ براوية الإسلام أن يكون متهما فيدافع عنه ، أو مداناً فيعتذر عنه ! كلا ! والله ! فشخصية أبو هريرة - رضي الله عنه وأرضاه – تسمو علي كل تقولات وتخرصات ، وبهتان.
زعموا أنه كان فقيراً ، وأن عمر – رضي الله عنه – عزله من ولاية البحرين ، عندما حاسبه ووجده معه مالاً كثيراً ! ، الحق أن فقره ليس عيباً ، فليس الغني أو الثراء سبباً لنزاهة وليس الفقر سبباً لانحراف ، وأما ( قصة ) عزله ، فهو الذي عزل نفسه ، وأبي الاستمرار تفرغاً للعلم ، بعدما وضح أحقيته في مال حلال نماه (3) .
وزعموا أن حفظه للكم الكبير في زمن قصير ، مدعاة لاتهامه يوضع ( الحديث ) ! ، وطعنوا في مروياته تحت مجهر ( أهوائهم ) وعشي أبصارهم ! .
والحق الذي يجب المصير إليه أن الغرض من إثارة غبار التشكيك في شخصية راوية الإسلام ما هو إلا محاولات يائسة للهجوم علي ذاتية السنة النبوية ، بهز الثقة في أوثق وأشهر راوتها ! وأن دحض شبهات هؤلاء يسيرة ، تتضح في نصوص شرعية ـ وتوثيقات علمية تراثية ومعاصرة من أهل الذكر ، لا من مدعي الفكر !
أ ) سأل أبو هريرة رسول الله - r - قائلاً : يا رسول الله ، من اسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ فأجابه - r - قائلاً : ( لقد ظننت يا أبا هريرة ألاّ يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ، لما رأيت من حرصك علي الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ، أو نفسه )(4) .
ب ) أن رجلاً جاء زيد بن ثابت فسأله عن شئ فقال له زيد : عليك بابي هريرة ، فإنه بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ذات يوم ندعو الله تعالي ، ونذكر ربنا ، خرج علينا رسول الله - r - حتى جلس إلينا ، وقال : فجلس وسكتنا ، فقال : عودوا للذي كنتم فيه .
قال زيد : فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة ، وجعل رسول الله - r - يؤمن علي دعائنا ، قال : ثم دعا أبو هريرة فقال : اللهم إني أسألك مثل الذي سألك صاحباي هذان ، وأسألك علماً لا ينسي فقال رسول الله - r - ( آمين ) ، فقلنا يا رسول الله ، ونحن نسأل الله علماً لا ينسي ، فقال رسول الله - r - : ( سبقكما بها الغلامالدوسي )(5)
ج ) أن عائشة – رضي الله عنها – دعت هذا الصحابي الجليل أبا هريرة ، وقالت : ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها النبي - r - ، هل سمعت إلا ما سمعنا ، وهل رأيت إلا ما رأينا ؟ فأجابها أبو هريرة قائلاً : يا أماه ، إني والله ما كان يشغلني عنه شئ(6)
روي مالك بن أبي عامر قال : كنت عند طلحة بن عبيد الله فدخل عليه رجل فقال يا أبا محمد والله ما ندري هذا اليماني أعلم برسول الله - r - أم أنتم ، تقول علي رسول الله - r - ما لم يقل ، يعني أبا هريرة . فقال طلحة : والله ما يشك أنه سمع من رسول الله - r - ما لم نسمع ، وعلم ما لم نعلم ، إذا كنا قوماً أغنياء ، لنا بيوت وأهلون ، كنا نأتي نبي الله - r - طرفي النهار ثم نرجع ، وكان أبو هريرة رضي الله عنه مسكيناً لا مال له ولا أهل ولا ولد ، إنما كانت يده مع يد النبي - r - ، وكان يدور معه حيثما دار ، ولا نشك أنه قد علم ما لم نعلم ، وسمع ما لم نسمع ، ولم يتهمه أحد منا أنه تقول علي رسول - r - ما لم يقل(7)
- دعا له رسول الله - r - بعدم نسيان العلم ، وحدث أن شكا أبو هريرة لرسول الله - r - النسيان فقال : يا رسول الله ، إني اسمع منك حديثاً كثيراً أنساه . فقال - r - له : ابسط رداءك . يقول أبو هريرة : فبسطته . فغرف بيديه ، ثم قال : ضمه ، فضممته ، فما نسيت شيئاً بعده (8) .
- روِي أنه جلس أمام رسول الله - r - ، فقال - r - : ( أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي هذا ثم يجمعه إلي صدره فإنه لم ينس شيئاً سمعه ، فبسطت بردة عليّ حتى فرغ من حديثه ثم جمعتها إلي صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئاً حدثني به ) (9) .
دافع عن نفسه : إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً ، ثم يتلو : ) إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ( إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله - r - بشبع بطنه ، ويحضر ما لا يحضرون ، ويحفظ ما لا يحفظون(10).
- في خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عيّن عمر أبا هريرة والياً لمنطقة
( البحرين ) وسار أبو هريرة إلي البحرين أميراً لها ، وظل فترة ثم عاد إلي المدينة ، واستقبله عمر ، وكان عمر يحاسب الولاة ، فوجد معه مبلغاً كبيراً ، فقال له : من أين لك هذا ؟
فقال أبو هريرة : عندي خيل تكاثرت ، وعندي عبيدي آخذ منهم مبالغ معينة كل شهر ، وآخذ عطائي – راتبي - من هذه المصادر الثلاث كان هذا المال الذي معي .
ولم يسكت عمر ، وإنما فتحا الحساب معاً تفصيلاً ، فأورد له أبو هريرة الحساب ، فاعترف عمر بأحقية أبي هريرة المال ، وأنه قد حصل عليه من طريق مشروعة .
وأراد عمر أن يعود أبو هريرة حاكماً للبحرين ثانية ، إلا أن أبا هريرة رفض ذلك ، مفضلاً أن يقيم في المدينة يعلم ويفيد(11) وسبقت الإشارة لهذا .
وشنعوا علي مرويات أهمها حديث الشفاعة ! وخبر ( ذو اليدين ) وغير ذلك كثير ، من محاولاتهم وسعاياتهم لإثارة شكوك ، حول ( الشخصية ) و ( النتاج العلمي ) للشخصية(12)
2 ) الإمام البخارى – رضى الله عنه – حقائق وريادة :
وجيز السيرة الذاتية : هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزيه الجعفى البخارى .
ولد يوم الجمعة الموافق الثالث عشر من شهر شوال سنة 194 هـ فى مدينة نجارى ، وذهبت عيناه فى صغره ، وردّ الله – عز وجل – بصره ببركة ودعاء أمه(13) .
توفى فى منطقة سمرقند عن اثنتين وستين سنة عام 256هـ ودفن يوم عيد الفطر بعد صلاة الظهر (14) ، بعد سلسلة من الابتدلاءات مبعثها الحسد من بعض الأقران ، وإطلاقهم شائعات واتهامات على غير الحقيقة ، مما اضطره حال حياته إلى النفى الاختيارى والإجبارى معا ، ولما دفن فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك عدة أيام (15) .
حياته العلمية :
رحل البخارى إلى أئمة الحديث النبوى الشريف فى بلاد متعددة منها : بغداد والبصرة والكوفة فى العراق ، ومكة والمدينة فى الحجاز ، وحمص وعسقلان فى الشام ، ومصر .
كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح ، ومائتى ألف حديث غير صحيح على علم غزير بأحوال الرجال ، وعلل الأخيار ، والجرح والتعديل ، على دراية بالصحيح من غير الصحيح .
وهبه الله – عز وجل – قريحة حافظة ، وذكاء حاد ، وصبر ومثابرة ، مما دفع أعلام الحديث إلى الشهادة له بإتقانه وتفوقه والاعتراف له بالفضل (16) ، ومما يذكر فيما نحق بصدده .
ومن ذلك قصته الشهيرة عن حفظه وإتقانه فعندما وصل إلى بغداد تناقل الناس أخباره وذاع صيته فأحب أهل الحديث أن يمتحنوه ، فعمدوا إلى مائة حديث ، فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن حديث لإسناد غير إسناده ، وإسناد متن آخر ، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها عليه فى المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فقام وسأله عن حديث من تلك العشرة ، فقال : لا أعرفه ، حتى فرغ من العشرة ، والبخارى يقول لا أعرفه ثم انتدب آخر من العشرة ، فكان حاله معه كذلك إلى تمام العشرة ، والبخارى لا يزيد عن قوله : لا أعرفه فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ، ويقول : الرجل فهم . وأما غيرهم فلم يدركوا ذلك ، ولما فرغوا من إلقاء الحديث عليه التفت إلى الأول فقال : أما حديثك الأول فكذا ، وحديثك الثانى كذا ، إلى آخر العشرة ، فرد كل متن إلى إسناده ، وفعل بالثانى مثل ذلك إلى أن فرغ فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل (17) .
نتاجه العلمى :
" الجامع الصحيح " المعروف عند الناس بكتاب " صحيح البخارى " وهو أول كتاب صنف فى الحديث الصحيح المجرد واستغرق تصنيف هذا الجامع ست عشرة سنة ، ولم يضع فى كتابه هذا إلا أصح ما ورد عن النبى - r - .
ومن مؤلفاته : الأدب المفرد ، والتاريخ الصغير ، والتاريخ الأوسط ، والتاريخ الكبير وهو أصل كتاب الرجال والتواريخ ،ن والتفسير الكبير ، والمسند الكبير ، وكتاب العلل ، ورفع اليدين فى الصلاة (18) . وغيرها .
كتابه الجامع الصحيح :
قال الحافظ بان حجر : " سماه الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله - r - . وسنته وأيامه " ( 19) .
سبب تأليفه للجامع الصحيح :
الذى دفع البخارى إلى تصنيف صحيحه هو استطالة الأسانيد ، وكثرة طرق الحديث وبالتالى كثرت الأحاديث بما فيها صحيح وضعيف ، وأصبح من العسير تمييز هذا من ذاك ، فوفر ذلك الإمام البخارى فى كتابه الجامع .
أ ) قال الحافظ ابن حجر ت 852 هـ : " لما رأى البخارى تلك التصانيف التى ألفت قبل عصره ، وجدها جامعة بين ما يدخل تحت الصحيح والتحسين ، والكثير منها يشمله التضعيف ، فلا يقال لغثه : سمين ، فحرك الذى لا يرتاب فيه أمين (20) .
ب ) وقال : " وقوى عزمه ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين فى الحديث والفقه ، إسحاق بن راهويه ، حيث قال : لو جمعتهم كتاباً لصحيح سنة رسول الله - r - ، قال البخارى : فوقع ذلك فى قلبى ، فأخذت فى جمع الجامع الصحيح (21) .
ج ) وقال الحافظ أيضاً : " وروينا بالإسناد الثابت أن البخارى قال : " رأيت النبى - r - وكأنى بين يديه وبيدى مروحة أذب عنه ، فسألت بعض المعبرين ، فقال لى : أنت تذب عنه الكذب ، فهو الذى حملنى على إخراج الجامع " (22) .
موضوعه ، والكشف عن مغزاه فيه :
يعد صحيح البخارى مرحلة هامة من مراحل تطور علم الحديث رواية ، إذ كانت المؤلفات فى هذا العلم قبله لا تفرد الحديث الصحيح بالتأليف ، باستثناء موطأ الإمام مالك .
قال الإمام النووى ت 676 هـ : " ليس مقصود البخارى الاقتصار على الأحاديث فقط ، بل مراده الاستنباط منها والاستدلال لأبواب أرادها (23) .
وقال الحافظ ابن حجر ت 852هـ : " تقرر أنه التزم الصحة ، وأنه لا يورد فيه إلا حديثاً صحيحاً هذا أصل موضوعه ، وهو مستفاد من تسميته إياه الجامع الصحيح ، ومما نقلناه عنه من رواية الأئمة عنه صريحاً ، ثم رأى أن لا يخليه من الفوائد الفقهية من المتون معانى كثيرة فرقها فى أبواب الكتاب بحسب تناسبها ، واعتنى فيه بآيات الأحكام فانتزع منها الدلالات البديعة ، وسلك فى الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة " (24) .
بيان تقطيعه للحديث وفائدة إعادته :
قال ابن حجر ت 852هـ : " قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسى : اعلم أن البخارى كان يذكر الحديث فى كتابه فى مواضع ويستدل به فى كل باب بإسناد آخر ، ويستخرج منه بحسن استنباطه وغزارة فقه معنى يقتضيه الباب الذى أخرجه فيه ، وقلما يورد حديثاً فى موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد ، وإنما يورده من طريق أخرى لمعان أخرى " (25) .
وقال أيضاً : " وأما تقطيعه للحديث فى الأبواب تارة واقتصاره منه على بعضه أخرى فذلك لأنه إن كان المتن قصيراً أو مرتبطاً بعضه ببعض وقد اشتمل على حكمين فصاعدا فإنه يعيده بحسب ذلك مراعياً مع ذلك عدم إخلائه من فائدة حديثية " (26) .
المنهجية العلمية :
قال الحافظ ابن طاهر ت 507 هـ : " شرط البخارى ومسلم أ يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقله إلى الصحابى المشهور من غير اختلاف بين الثقاة الأثبات ، ويكون إسناده متصلاً غير مقطوع ... إلا أن مسلماً أخرج أحاديث أقوام ترك البخارى حديثهم لشبهة وقعت فى نفسه ، أخرج مسلم أحاديثهم بإزالة الشبهة مثل حمادة بن مسلمة ، وسهيل بن أبى صالح ، وداود بن أبى هند ، وغيرهم (27) .
وكان من شرط البخارى أن لا يدخل فى كتابه إلا أصح ما ورد من الحديث ، ولهذا ترك الكثير من الصحيح لحال الطول (28) واشترط – بالإضافة إلى الشروط العامة للحديث الصحيح – طول ملازمة الراوى لشيخه ، لأن ذلك أدعى إلى حفظه وضبطه ، كما اشترط أن يثبت عنده تاريخياً لقاء الذى يرويه عنه بصيغة تحتمل السماع وعدمه .
طريقة البخارى فى تنظيم كتابه :
قسم البخارى كتابه إلى كتب ، والكتب إلى أبواب ، بدأه بكتاب بدء الوحى ، لأنه أساس لكل الشرائع ، إلى أن ختمه بكتاب التوحيد ، وعدة كتبه (97) كتاباً ، وعدة أبوابه (3450) .
وتجدر الإشارة إلى النسخ كما اختلفت فى تقديم بعض الكتب والأبواب على بعض ، اختلفت فى اعتبار بعض الكتب أبواباً وبعض الأبواب كتباً (29) .
تكراره لبعض الأحاديث وتجزئتها واختصارها :
جرى الإمام البخارى فى صحيحه على تكراره لبعض الأحاديث أو تجزئتها ، أو اختصارها فى الأبواب المختلفة ، وذلك بحسب ما يستخرج منها من الأحكام ، وبحسب ما يقتضيه المقام ، والبخارى لا يفعل ذلك غالباً إلا لفوائد تعود إما إلى سند الحديث أو متنه وقلما يورد حديثاً واحداً بإسناد واحد ،ن ولفظ واحد فى موضعين إلا نادراً ( 30) .
تتمة :
الأحاديث المعلقة فى صحيح البخارى :
التعليق هو أن يحذف من مبتدأ إسناذ الحديث راو أو أكثر وذلك مثل قول البخارى مثلاً : قال مالك عن نافع عن ابن عمر كذا ، أو قال مجاهد عن ابن عباس عن النبى - r - .
فكل ذلك معلق ؛ لأن بين البخارى وبين مالك ، ومجاهد بعض رواة غير مذكورين وتعليقات البخارى منها ما هو مرفوع وما هو موقوف وما هو بصيغة الجزم : كقال ، وروى ، وذكر .
ومنها ما هو بصيغة التضعيف : كقيل وروى ويذكر .
وتعليقات البخارى منها ما هو صحيح ومنها ما ليس بصحيح ، ومنها ما هو على شرطه ، ومنها ما ليس كذلك ، ولا يقال كيف يورد البخارى فى كتابه ما ليس بصحيح ، لأن الأحاديث المعلقة إنما هى تذكر للاستشهاد على معنى أو قول أو للترجيح أو لغير ذلك من الأغراض(31) .
عدد أحاديث صحيح البخارى :
قال ابن الصلاح ت 643 هـ : " وجملة ما فى صحيح البخارى سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً بالأحاديث المكررة ، وقد قيل أنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث ، إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين ، وربما عد الحديث الواحد المروى بالإسنادين حديثين " (32) .
وقال الحافظ بن حجر ت 852هـ : " فجميع ما فى صحيح البخارى من المتون الموصولة بلا تكرير على التحرير ألفا حديث وستمائة حديث وحديثان .
ومن المتون المعلقة المرفوعة التى لم يوصلها فى موضع آخر من الجامع مائة وتسعة وخمسون حديثا ، فجميع ذلك ألفا حديث وسبعمائة وواحد وستون حديثا ، وبين هذا العدد الذى حررته والعدد الذى ذكره ابن الصلاح وغيره تفاوت كثير وما عرفت من أين أتى الوهم فى ذلك ، ثم تأولته على أنه يحتمل أن يكون العاد الأول الذى قلدوه فى ذلك كان إذا رأى الحديث مطولاً فى موضع ومختصراً فى موضع آخر يظن أن المختصر غير المطول إما لبعد العهد به ، أو لقلة المعرفة بالصناعة ، ففى الكتاب من هذا النمط شئ كثير ، وحينئذ يتبين السبب فى تفاوت ما بين العددين ، والله الموفق (33) .
عناية العلماء بصحيح البخارى :
اهتم العلماء على اختلاف طبقاتهم وتباين مذاهبهم بـ " صحيح البخارى " من حيث السماع والرواية والضبط والكتابة ، وشرح أحاديثه وتراجم رجاله ، واختصاره وتجريده أسانيده(34) .
قال ابن حجر ت 852 هـ : " ذكر الفربرى أنه سمعه منه تسعون ألفا (35) .
وأما شروحه والتعليق عليه ونحوه ، فقد قام به العلماء حق القيام بحيث لم يدعوا أمراً يرتبط به إلا بحثوه وتعرضوا له ولا مشكلاً من ألفاظه وأسمائه وتراجمه إلا بينوه وأذهبوا الشبه عنه (36) .
من شروح صحيح البخارى :
- أعلام السنن للخطابى ت 386 هـ أول شرح لصحيح البخارى .
- شرح صحيح البخارى ، لابن بطال المالكى ت 449هـ .
- شرح مشكل البخارى ، للواسطى ت 637 هـ .
- شرح البخارى ، للنووى ت 676هـ ، شرح فيه كتابى " بدء الوحى ، والإيمان " ولم يكمله .
- الكواكب الدرارى ، للكرمانى ت 786 هـ .
- فتح البارى ، لابن حجر ت 852هـ وهو أهم شروحه .
مطاعن المرجفين من علمانيين وماسونيين ومن منكرى السنة النبوية ( قرآنيين ) :
ولم يسلم البخاري – رضي الله عنه – من محاولاتهم العبثية لإثارة الشكوك تجاهه ، رغم بيئته العلمية الصالحة ، وما منّ الله – تعالي – به عليه من الاستيعاب والحفظ وما منحه من الملكات والقدرات العلمية ، وما وهبه المولي الكريم – سبحانه وتعالي – من ذكائه ونبوغه ، ومنهجه المتفرد في التصنيف ، وثناء العلماء عليه ، وتفرغه الكامل لطلب العلم ، ونتاجه العملي ، وإجماع الأمة علي صدقة والثقة فيه ، وتلقي الأمة في كل عصر ومصر ، وجيل وقبيل ، كتابه ( الجامع الصحيح ) (37) بالقبول رغم كل هذا فإن أعداء السنة ، تارة يشغبون علي البخاري لجنسيته غير العربية ! وتارة أنه مخترع السنة كأنه افتراها ، ولندع صاحب كتاب دفع شبهات عن السنة النبوية يورد دفاعاً علمياً محكماً خلاصته البخاري ليس أول من جمع السنة النبوية الصحيحة ووثقها تدويناً وحفظاً وتخريجاً ، بل وثقت السنة النبوية قبله بأزمان حيث : -
- أمر رسول الله - r - كتابة الكثير من السنة ، وكتب كثير من الصحابة أحاديث رسول الله - r - وتناقلت الأمة أحاديثه - r - جيلاً بعد جيل .
- وما كتبه الصحابة أمامه - r - كالصحيفة لعبد الله بن عمرو وكتاب الفرائض لزيد بن ثابت ، ومنها ما كتبه الصحابة لأنفسهم ، ومنها ما كتبه التابعون كالصحيفة الصحيحة لهمام بن منبه ، والتي نسختها الخطية موجودة بالمكتبات ، وقد طبعت وشاعت ، وهي موجودة في ثنايا كتب السنة المعتمدة .
وكتب أبي حنيفة في الحديث – له عشرون كتاباً في الحديث وكذلك الإمام الشافعي له مؤلفات كثيرة ، كلها معتمدة علي الكتاب والسنة ، فله :
- مسند الشافعي .
- وسنن الشافعي .
- والأم في الفقه ، وأحاديث يسوقها بالإسناد .
- وجامع العلم في أصول الفقه ومصطلح الحديث .
- واختلاف الحديث في مصطلح الحديث .
وعمر بن راشد المتوفي له كتابه ( الجامع ) وصاحبا أبي حنيفة ، وأبو داود ، والصنعائي ، وابن أبي شيبة وغيرهم ، كان هذا كله قبل ولادة البخاري بأزمان ! .
وبهذا يظهر ضحالة ما شغبوا به ، وأما قبول الأمة لصحيحه المشهور فأوضح من الشمس في عالية النهار (38) ، (39) .
ولو أنّ الشاغبين نظروا بتجرد علمي في السيرة العلمية للبخاري لعرفوا قدره ، إلا أنهم :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
أ. د. أحمد محمود كريمة
أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة
كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين القاهرة
رئيس ومؤسس " التآلف بين الناس " الخيرية
: www.taalof.com