توالت الحلقات الأولى من مسلسل "بطلوع الروح" للكاتب محمد هشام عيبه والمخرجة كاملة أبو ذكرى، ليلتف الجميع حول تلك البدايات اللاهثة التي جعلتنا لا نستطيع الانتظار في ظل عمل متكامل يستحق الكتابة عنه بصورة منفصلة تتطرق إلى جوانبه المتعددة ومعالجته لقضية ملحة والدخول في عمق الحالة الإرهابية؛ إلا أن حلقاته التي اكتفت برقم ١٥، تطرح التساؤل هل كان هذا الرقم جانباً من ذلك الإيقاع السريع لطرح الأحداث وتقديم الشخصيات، بعيداً عن المط والتطويل الذى عانت منه الكثير من المسلسلات حتى أن بعض حلقاتها اتسمت باللا حدث في بعض الحلقات؟
سبق "بطلوع الروح" مسلسل "مين قال" للكاتبة مريم ناعوم والمخرجة نادين خان، والذى جاء كحالة درامية تتجه نوع قطاع من الشباب واقتربت من حياته ومشكلاته وإيقاعه وتنوع شخصياته، ويبدو أنها رأت هي الأخرى مفتاح الإيقاع السريع الذى يوازي ما طرحه هو رقم خمسة عشر، وكأنه مانع الإيقاع البطيء واستحداث بدائل لملأ الوقت وصولاً لنهاية الحلقة، فعبء الثلاثين حلقة لا تتحمله كافة المسلسلات ولا تسمح به كل الأحداث والشخصيات، ولذلك سقط الكثير منها في بحر "الثلاثين" ليغرق قليلاً ثم يعود وهكذا حتى نهاية الشهر .
ظهور الخمس عشرة حلقة، كان حلاً يرضى جميع الأطراف، ومساحة أخرى يمكن اللجوء إليها لطرح الدراما في إيقاع سريع يسمح للجميع بالاستمتاع. فليست كل المسلسلات في حاجة إلى هذا الكم من الساعات التي يضطر فريق العمل لإقحام تفاصيل وشخصيات تبعد المشاهد عن "العمل" وتسمح له بشرب الشاي والقهوة والذهاب إلى المشاوير المؤجلة وعند عودته لن يشعر بأي اختلاف، فالأحداث "على حطة إيده"!!
الخمس عشرة حلقة سبقها منذ سنوات الأربع عشرة وقبلها السباعية التي اكتفت بسبع حلقات والسهرات التليفزيونية التي كانت مجرد ساعة أو ساعة ونصف، فقد كان هناك إدراك لعلاقة الوقت بالعمل بعيداً عن اللعبة الإنتاجية التي تريد الربح دون الالتفات إلى العوامل الأخرى.
ويبدو أن المنصات أدركت تلك العلاقة، خاصة أنها أصبحت جهة الإنتاج والعرض، وبالتالي ليست في حاجة لنظرية "الكم" المستحدثة، ولذلك رأينا الست حلقات والثمان، وكأنها تعيد مرة أخرى "الوقت" لأصحابه، وتهتم بحالة الاستماع التي تاهت في "زحمة" الأعمال وحلقاتها الثلاثين.
نجاح الخمس عشرة وقبله العدد المحدود على المنصات يثبت أننا في حاجة لإعادة التفكير في "الثلاثين" فليس كل عمل يحتملها وكذلك المشاهد، خاصة أن الإصرار عليها يغرق العمل في بحور الإطالة والبطء ويبعده كثيراً عن شاطئ الإبداع.