في 21 رمضان عام 95هـ ، توفي الحجاج بن يوسف الثقفي، أحد رجالات الدولة الأموية، وواحد من مشاهير التاريخ الإسلامي والذي اشتهر بالقوّة والعنف في معاملة الخصوم.
اسمه : أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، ولد في ثقيف بمدينة الطائف، في عام الجماعة 41 هـ، وأمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي .
نشأ في الطائف، وتعلم القرآن والحديث والفصاحة، ثم عمل في مطلع شبابه معلم صبيان مع أبيه، يعلم الفتية القرآن والحديث، ويفقههم في الدين، لكنه لم يكن راضياً بعمله هذا، على الرغم من تأثيره الكبير عليه، فقد اشتهر بتعظيمه للقرآن.
كانت الطائف وقتها بين ولاية عبد الله بن الزبير، وبين ولاية الأمويين، لكن أصحاب عبد الله بن الزبير تجبروا على أهل الطائف، فقرر الحجاج الانطلاق إلى الشام، حاضرة الخلافة الأموية المتعثرة، التي تركها مروان بن الحكم نهباً بين المتحاربين.
وفي الشام، التحق بشرطة الإمارة التي كانت تعاني من مشاكل جمة، منها سوء التنظيم، واستخفاف أفراد الشرطة بالنظام، وقلة المجندين.
فأبدى حماسة وانضباطاً، وسارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل خطأ أو خلل، وأخذ نفسه بالشدة. فقربه روح بن زنباع قائد الشرطة إليه، ورفع مكانته، ورقاه فوق أصحابه، فأخذهم بالشدة، وعاقبهم لأي سبب أو خلل، فضبطهم، وسير أمورهم بالطاعة المطلقة لأولياء الأمر.
فرأى فيه روح بن زنباع العزيمة والقوة الماضية، فقدمه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، وكان داهية مقداماً، جمع الدولة الأموية وحماها من السقوط، فأسسها من جديد.
كانت الشرطة كانت في حالة سيئة، وقد استهون جند الإمارة عملهم فتهاونوا، فعلم أمرهم عبد الملك بن مروان، وعندها أشار عليه روح بن زنباع بتعيين الحجاج عليهم، فلما عينه، أسرف في عقوبة المخالفين، وضبط أمور الشرطة، فما عاد منهم تراخ، ولا لهو. إلا جماعة روح بن زنباع، فجاء الحجاج يوماً على رؤوسهم وهم يأكلون، فنهاهم عن ذلك في عملهم، لكنهم لم ينتهوا، ودعوه معهم إلى طعامهم، فأمر بهم، فحبسوا، وأحرقت سرادقهم.
فشكاه روح بن زنباع إلى الخليفة، فدعا الحجاج وسأله عما حمله على فعله هذا، فقال إنما أنت من فعل يا أمير المؤمنين، فأنا يدك وسوطك، وأشار عليه بتعويض روح بن زنباع دون كسر أمره.
وكان عبد الملك بن مروان قد قرر تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين على الدولة، فضم الحجاج إلى الجيش الذي قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير.
ولم يكن أهل الشام يخرجون في الجيوش، فطلب الحجاج من الخليفة أن يسلطه عليهم، ففعل. فأعلن الحجاج أن أيما رجل قدر على حمل السلاح ولم يخرج معه، أمهله ثلاثاً، ثم قتله، وأحرق داره، وانتهب ماله، ثم طاف بالبيوت باحثاًً عن المتخلفين.
وبدأ الحجاج بقتل أحد المعترضين عليه، فأطاعه الجميع، وخرجوا معه، بالجبر لا الاختيار، وفرض الحجاج سطوته وقوته على الجميع بعد القضاء على بن الزبير وأتباعه ثم القضاء على بن الأشعث وتوطيد الدولة الأموية وكان في عصر عبد الملك بن مروان هو أحد أهم أركان الدولة الأموية، وكان آخر ما فعله الحجاج في آخر أيامه هو قتله لسعيد بن جبير.
ومع بزوغ نجم سعيد بن جُبير كعالم كان الحجاج والياً على العراق والمشرق وبلاد ما وراء النهر، وكان يحتل وقتها قمة المجد وذروة السلطة والسلطان خاصة بعد نجاحه في إخماد ثورة بن الزبير وقتله ثم إخضاع العراق لسلطان الدولة الأموية .
وفي ذات مرة قرر الحجاج ارسال جيش بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث من أجل غزو رتبيل ملك الترك على المناطق الكائنة بسجستان، وقام ابن الأشعث بذلك واحتل جزءاً كبيراً كبير من رتبيل وغنم مغانم عديدة ووفيرة، وأرسل إلى الحجاج رسلاً زفّوا له البشرى، وحملوا معهم خُمس الغنائم لتستقر في بيت مال المسلمين، وكتب بن الاشعث للحجاج كتاباً استأذنه فيه بالتوقف عن القتال مدة من الزمن ، ليختبر مداخل البلاد ومخارجها ، ويقف على طبيعتها وأحوالها، خشية أن يتوغل في شعابها القاسية المجهولة، وتعرض الجيش للمخاطر، فاشتاط الحجاج منه غضباً ، وأرسل إليه كتاباً يَصِفُه فيه بالجبن والخنوع ويهدِّده بإقالته عن القيادة.
وجمع عبد الرحمن الجند، وقادة الكتائب ، وقرأ عليهم كتاب الحجاج ، واستشارهم فطالبوه بالخروج على ونبذ طاعته وطمأنوه، وانشق عبد الرحمن بن الأشعث بجيشه الممتلئ كراهيَةً عن الحجاج ، واندلعت بين بن الاشعث والحجاج معارك طاحنة ، انتصر فيها عبد الرحمن فأخذ سجستان ، وجزء من بلاد فارس.
كما اغتر عبد الرحمن بنصره فقرر انتزاع الكوفة والبصرة من يد الحجاج، وبالتوازي مع ذلك قرر أهل الذمّة الدخول في الإسلام، ليتخلصوا من دفع الجزية، وتركوا القرى التي يعملون فيها، واستقروا في المدن، ما أدى إلى قلة الخراج وقرب افلاس الهيئات المالية.
فكتب إلى ولاته في البصرة وغيرها كتباً يأمرهم فيها أن يجمعوا كل من نزح إلى المدن من أهل الذمة وأن يعيدوهم إلى القرى بأي ثمن ، وتم إجلاء أعداد كبيرة من هؤلاء عن ديارهم، وأبعدوهم عن موارد أرزاقهم وأخرجوا معهم نساءهم وأطفالهم ، ودفعوهم إلى الرحيل إلى القرى، بعد أن مضى على فراقهم لها فترة كبيرة ، فأخذ النساءُ والولدانُ والشيوخُ يبكون وينادون وا محمداه.
فخرج إليهم فقهاء البصرة ليغيثوهم ، ويشفعوا لهم ، فلم يتمكنوا من ذلك فقرروا الخروج عن الحجاج، واغتنم عبد الرحمن بن الأشعث الفرصة , ودعا الفقهاء والقراء إلى مساندته ، فاستجابت له كوكبة من التابعين ، وعلى رأسهم سعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والشعبي ، وغيرهم.
وكان النصر أول الأمر لابن الأشعث ومَن معه على الحجاج وجنوده ، ثم بدأت كفةُ الحجاج ترجح حتى هُزم ابن الأشعث وهرب ناجياً بنفسه ، واستسلم جيشه للحجاج وجنوده.
واجتمع الحجاج بمن كان مع بن الأشعث وكان من ضمنهم سعيد بن جبير ، فاستدعاه ودارت بينهما جلسة حوارية أدت إلى قتل سعيد بن جبير في النهاية.
وقُتل سعيد بن جبير في 11 رمضان سنة 95 هـ الموافق 714م ، وله من العمر تسع وخمسون سنة، واستجاب الله لدعوته وأصيب الحجاج في آخر عمره بما يظهر أنه سرطان المعدة، وتوفي بمدينة واسط في مثل هذا اليوم 21 من رمضان في نفس العام.