الخميس 18 ابريل 2024

تأملات فى سورة الكهف

مقالات22-4-2022 | 14:52

جميعنا يقرأ القرآن ويمر بقراءته على القصص القرآنى فى كثير من سور القرآن ويتساءل: ما الهدف من القصص القرآنى؟ وكيف نفهم الرسائل الربانية فى القصة القرآنية وهى تتحدث عن الأمم السابقة وعن الأنبياء والرسل والمقربين من الله؟

أما السؤال الأول، فقد أجاب القرآن الكريم عليه فى آخر سورة يوسف، قال تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يوسف: 111

فالتجارب البشرية متكررة عبر الأجيال، وأسس الدوافع الإنسانية هى هى من بدء الخليقة، سواء على مستوى العقل الفردى أم على مستوى العقل الجمعى.

والله تبارك وتعالى يريد إضافة دروس لعقل وإدراك المسلم القارئ للقرآن بجانب دروسه وتجاربه فى الحياة، ذلك بأن للأخلاق قوانين تحكم حياة الفرد والمجتمع كما القوانين الفيزيائية التى تحكم الكون كقانون الجاذبية وقانون الطفو الخ

فعندما يقول الله تعالى "والعاقبة للمتقين"  القصص 83، فهذا قانون يحسم الصراع بين الخبر والشر ، مهما كانت جولات الشر فى التعالى والمكائد والقوة ، فإن الخير سينتصر حتماً على أيدى المتقين .

وعندما يقول الله تعالى. "لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد ".. سورة إبراهيم : 7 ، فإنه قانون يحكم تصرف الإنسان فى الثروات الطبيعية التى ساقها الله إليه .

وكيف يعاقب الله المبذرين والمتبطرين على الثروات فحولوها إلى أداة لعب وبطر أو قوة غاشمة يظلمون بها البشر ويحرمون منها الجوعى .

وجاءت الأحداث فى الحرب الروسية الأوكرانية لتظهر لنا طرفاً من تطبيق هذا القانون على بعض الجنس البشرى، وكيف وصل بهم الأمر إلى شح المنتجات فى أسواقهم، بعدما كان بعض تلك الدول تسكب القمح واللبن وبعض المنتجات فى المحيطات للحفاظ على سعر السلعة فى السوق العالمى وهم يعلمون أن الملايين من الأفارقة يتضورون جوعاً.. هذه صورة من صور العذاب الشديد للبشرية عندما تقابل نعم الله بالجحود والسفه .

وفى سورة الكهف يسوق الله تعالى لنا قصة موسى والخضر، وكيف كانت مواقف نبى الله موسى مع العبد الصالح، تمثل الإشارات الربانية للإنسان المخفية منها والظاهرة، حيث كانت تصرفات الخضر عليه السلام تمثل الإرادة الإلهية المخفية التى كلها رحمة ورزق وفضل وخير .

وكانت اعتراض النبى موسى – عليه السلام- على ظاهر أعمال الخضر يمثل نظرة الإنسان إلى عالم الأحداث والمواقف، وكيف يحكم على الأشياء  بناء على هذا المنظور السطحى؟ بل ويفتقد الصبر الذى جعله الله سبباً للوصول إلى خيرى الدنيا والآخرة. 

قال تعالى فى سورة الكهف:

فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)

وتأمل معى قول الخضر لموسى "ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا " ذلك بأنه توجد ثلاثة أمور لا يصبر عليها أكثر الناس ولا يتحملونها كثيراً وهى :

١- عندما يفشل الإنسان في مشروع تحمّس له بشدة

٢- عندما يفقد الإنسان محبوباً تعلق به

٣- عندما ينتظر الإنسان رزقاً يحتاج إليه لسد ضرورياته واحتياجاته .

وفي قصة موسى عليه السلام مع الخضر جاءت الإشارة إلى هذه الأمور الثلاثة في المواقف الثلاثة التي لم يستطع موسى الصبر عليها:

خرق السفينة وقتل الغلام وحبس كنز اليتيمين بإقامة الجدار عليه ،فخرق السفينـة يشير إلى شعور الإنسان بالفشل وتبديد أمانيه وحدوث مالا يتوقعه المرء، مع أن هذا الفشل الذي يحصل - مع انزعاج الإنسان منه - قد يكون سر نجاحه، ونجاته من شر لا يعلمه سوى الله الذى قدر فهدى (وَكَانَ وَرَاءَهُم مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِينَـۃٍ غَصبَا).

وقتل الغلام يمثل صدمة الإنسان عندما يفقد من يحب من الأشخاص، وما يحب من الأشياء، فتأتي رسالة القرآن هنا لتقول للإنسان، "قد يكون فقدك لما تحب هو رحمـة لك" قال تعالى: (فَخَشِينَا أَن يُرهِقہُمَا طُغيَانًا وَكُفرَا)

وقد يكون فقدك لما تحب من الأشياء التى تمتلكها رحمة من الله لك، فلا تجزع.

 وحبس كنز اليتيمين يمثل تأخر الرزق الذى ينزعج منه الناس جميعاً، فتأتي رسالة القرآن لتقول للإنسان قد يكون تأخر المال  أو الزواج أو الأطفال في حياتك خير  لك ورحمـة من حيث تظن العكس (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك)،  فقد كان اليتيمان عرضـة للأطماع وكانا في ضَعف عن تـدبير أموالهما، فقدر الله بناء الجدار على الكنز حماية لمال اليتيم .

 

إن كل ما يصيبنا فى هذه الحياة "دار الابتلاء" إنما هو مظهر من مظاهر رحمة الله بنا وحكمته في تدبير أمورنا كلها رحمة ولطف، فكن على أمل كبير وتفاؤل عظيم دائماً وأبداً لأن الله الذى يرعاك يحبك يدبر أمرك.. إذا كنت مع الله لاحقتك عنايته في أدق تفاصيل حياتك.

والله المستعان