بالاستقراء فى نصوص شرعية ، وقواعد علمية ، فيما يتصل بالعلمية التعليمية فإن علماء وخبراء استنبطوا أخلاقيات مهمة وصنفوا مصنفات تشهد بالريادة ، وراعت توزيع مسئوليات متنوعة للأسرة والمتعلم والمعلم والمجتمع ، والأصل فيه قول سيدنا محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " كلكم راع وكل مسئول عن رعيته.
أولاً : دور الأسرة :
يقصد بالأسرة الآباء والأمهات وسائر الأولياء كالأخ والعم ونحوهما عند فقد الوالدين كليهما أو أحدهما ، والدور هنا له مجالات عديدة منها :
حق التعليم : من حقوق الأولاد على الوالدين حق التعليم للذكر والأنثى لعموم قوله – صلى الله عليه وسلم - : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " ، ولما ثبت أن الإناث كن يسعين إلى العلم ، فقد روى عن السيدة عائشة – رضى الله عنها – قالت : " نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين " وقرر الفقهاء أن الإنفاق على التعليم من أنواع النفقات الواجبة وفى الأحوال الشخصية أو فقه الأسرة .
ومما يجب التنويه عليه: مشروعية تعليم النساء ، ففى حديث الشفاء بنت عبد الله – رضى الله عنهما - : " دخل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا عند حفصة – رضى الله عنها – فقال : " ألا تعلمين هذه رقية كما علمتيها الكتابة ".
وقد تصدى العلماء الثقاة كابن مفلح فى ( الآداب الشرعية ) لأقاويل مفتراة عدم تعليم النساء
ب ) غرس الآداب والأخلاقيات الطيبة فى الأولاد ، والأصل فى الرعاية الأسرية للأولاد فى مكارم الأخلاق نصوص شرعية منها : قول الله – عز وجل - : " وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ {13} وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَاب َإِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {15} يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {16} يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {17} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ".
ومن نفائس وجيد ما يستشهد به فى آداب المتعلم التى يجب أن تكون من مسئوليات الأسرة :
- تطييب القلب للعلم كتطييب الأرض للزراعة .
- قطع العلائق الشاغلة عن كمال الإجتهاد فى التحصيل ، والرضا بما يتيسر من القوت ، والصبر إن ضاق به العيش .
قال القاضى أبو بكر العربى – من فقهاء السادة المالكية : " إن الصبى أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نفس وصورة ، وهو قابل لكل نقش وقابل لكل ما يقال به إليه ، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد فى الدنيا والآخرة ، يشاركه فى ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب ، وإن عود الشر وأهمل شقى وهلك ، وكان الوزر فى رقبة وليه ، ومهما كان الأب يصون ولده من نار الدنيا ، فينبغى أن يصونه من نار الآخرة ، وهو أولى ، وصيانته أن يؤدبه ويهديه ويعلمه محاسن الأخلاق ، ويحفظه من قرناء السوء ، ولا يعوده التنغم ، ولا يجيب إليه الزينة وأسباب الرفاهية ، فيضيع عمره فى طلبها إذا كبر ويهلك هلاك الأبد " ومن الحياة التطبيقية فى الأسرة رعاية أمهات رسل وأنبياء – عليهم السلام- مثل : أم موسى وأم المسيح وأم محمد – عليهم السلام - .
ومن آداب المتعلم مع معلميه حسبما وضح الفقهاء :
1- التواضع والاحترام للمعلم ، ويرى كمال أهليته ورجحانه على أكثر طبعته ، فذلك أقرب إلى انتقاله به ورسوخ ما سمعه منه فى ذهنه .
قال الله – عز وجل – حاكياً عن سيدنا موسى – عليه السلام – فى لقاءه بسيدنا الخضر – عليه السلام – " هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا {66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا {68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا {69} قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا "
2- عدم بسط المتعلم مع معلمه وإن آنسه ، أو صدر إدلال ، أو تقدمت صحبة أو وجدت قرابة أو جيرة .
3- عدم الإلحاح فى أسئلة التعنت والمجادلة.
4- الحلم والأناة والهمة العالية فى تحصيل وطلب العلم .
وفى الحياة التطبيقية : سير المسلمين الأوائل فى احترام مجالس العلم وتقدير العلماء ، وآداب المناظرة ، والوقائع كثيرة ، والشواهد غزيرة ، والآثار مستفيضة.
ومن دور الأسرة تعليم الولد الرياضات والهوايات النافعة ، قال سيدنا عمر – رضى الله عنه - : " علموا أولادكم السباحة والرماية ، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا " .
ثانياً : دور المجتمع فى تأهيل المعلم لجودة العملية التعليمية فى مكارم الأخلاق وهى إجمالاً قصد الثواب من الله – عز وجل - ، قال الله – عز وجل - : " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (14) ، " فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ " (15) ، وقال سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " (16) .
أ. د. أحمد محمود كريمة
أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة