الأربعاء 15 مايو 2024

من روائع الإنشاد (27 - 30).. أبو العينين شعيشع أول قارئ مصرى بـ«الأقصى»

الشيخ أبو العينين شعيشع

ثقافة28-4-2022 | 20:34

عبدالله مسعد

الإنشاد الديني هو فن يربطه بالإسلام علاقة وثيقة وروحانية، فهو لون من ألوان الغناء باستخدام الآلات البسيطة التي صنعها الإنسان، وهو من الفنون الهادفة التي تسمو بالروح الإنسانية إلى أعلى مراتب السكينة والاطمئنان، عبر أصوات خاشعة وحناجر تصدح بكلمات طيبة تتسرب إلى روحك كلمات تحمل معاني التضرع والذكر لله سبحانه وتعالى.

وتقدم دار الهلال خلال شهر رمضان الكريم كل يوم ابتهالا لأحد المبتهلين المصريين الذين تناولوا في إنشادهم موضوعات عدة كلها ذات طابع ديني منها العشق الإلهي وأو مدح الرسول ووصف أخلاقه وتعالميه وسيرته الطاهرة.


والشيخ أبو العينين شعيشع، يُعد واحداً من أعلام دولة التلاوة فى مصر والعالم الإسلامي، حيث وُلد فى مدينة بيلا، بمحافظة كفر الشيخ، فى 22 أغسطس من عام 1922م، وهو الابن الثانى عشر لأبيه، والتحق بكُتاب المدينة، وحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ "يوسف شتا"، رحمه الله، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وذاع صيته كقارئ للقرآن عام 1936م، وهو فى الرابعة عشر من عمره، وذلك بعد مُشاركته بالتلاوة فى حفل أُقيم بمدينة المنصورة فى ذلك العام، والتى تبعدُ عن مدينة بيلا بنحو 27 كيلو متراً.


دخل "شعيشع"، الإذاعة المصرية عام 1939م، مُتأثراً بالشيخ محمد رفعت، حيث استعانت به الإذاعة لإصلاح الأجزاء التالفة من تسجيلات "رفعت"، ولكنه اتخذ لنفسه أسلوباً فريداً فى التلاوة بدءاً من منتصف الأربعينيات، وكان أول قارئ مصرى يقرأ القرآن الكريم بالمسجد الأقصى المبارك.


عام 1969م عُين "شعيشع" قارئاً لمسجد عمر مكرم بميدان التحرير، وسط القاهرة، ثم قارئاً لمسجد السيدة زينب عام 1992م، وناضل كثيراً فى بداية السبعينات من القرن الماضى لإنشاء نقابة القُراء مع كبار قراء القرآن الكريم فى مصر حينذاك، وقد انتُخب نقيباً لنقابة القراء منذ عام 1988م، خلفاً للقارئ الراحل الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، وظل نقيباً لها حتى وفاته.


تُوفى "شعيشع"، فى 23 يونيو من عام 2011م، عن عُمر يُناهز الـ89 عاماً، قضى خلالها رحلة عامرة فى تلاوة القرآن الكريم فى مشارق الأرض ومغاربها، ودُفن فى المقابر المُجاورة لكلية البنات بجامعة الأزهر بالقاهرة، وصُلى عليه صلاة الغائب فى مسقط رأسه بمسجد "أبو غنام"، أحد أكبر مساجد مدينة بيلا، وعدد من مساجد المدينة.


وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث بأن بدايته كانت مع بداية الأذان، وكان الصحابي بلال بن رباح -رضي الله عنه- يجود في أذانه كل يوم 5 مرات، ويرتله ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في الإنشاد بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وأصبح له قوالب متعددة وطرق شتى. 


وتؤكد كتب التراث الإسلامي أن بداية الإنشاد الديني كان على أيدي مجموعة من الصحابة، ثم مجموعة من التابعين. وكانت قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، هي أساس المنشدين. ثم أنشدوا قصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات متنوّعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، والتمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض، غيرها.


وفي عهد الأمويين أصبح الإنشاد فنًّا له أصوله وضوابطه وقوالبه وإيقاعاته، واشتهر كثير من المنشدين، وكان أكثر المشتغلين بفن الإنشاد الديني وتلحين القصائد الدينية، إبراهيم بن المهدي وأخته عَليَّة، وأبو عيسى صالح، وعبد الله بن موسى الهادي، والمعتز وابنه عبد الله، وعبد الله بن محمد الأمين، وأبو عيسى بن المتوكل، وغيرهم. وكان عبد الملك بن مروان في دمشق يشجع الموسيقيين وأهل هذا الفن ويدعمهم.


وفي عهد الفاطميين تطور فن الإنشاد، فأصبحوا أول من احتفل برأس السنة الهجرية، وبليلة المولد النبوي، وليلة أول رجب، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وغرة رمضان وعيد الفطر وغيرها من المناسبات. وفي بدايات القرن العشرين أصبح للإنشاد الديني أهمية كبرى، حيث تصدى لهذا اللون من الفنون كبار المشايخ والمنشدين الذين كانوا يحيون الليالي الرمضانية، والمناسبات الدينية. وتطوّرت قوالب الفن فأصبحت له أشكال متعددة وأسماء كثيرة تمجِّد الدين الحنيف، وتدعو لوحدة المسلمين، وتشجب الرذيلة، وتدعو إلى الفضيلة، كما ظهرت قنوات متخصصة للإنشاد.