قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن المتتبع لرحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالمخلوقات من بشر وحيوانات وجمادات سيجد علاقته بجيرانه على هذا النحو أو أكثر، فقد كانت رحمته عامة؛ قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159].
جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "مكارم الأخلاق في بيت النبوة" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، اليوم، مضيفًا فضيلته أن هناك العديد من مواقف الرحمة والمحبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، منها أنه عاتب صاحب جمل على تحميل الجمل ما لا يُطيق بعدما اشتكى الجملُ للنبي صلى الله عليه وسلم، بل أخذ تعهُّدًا من هذا الرجل على ألا يفعل ذلك مرة أخرى.
وتابع فضيلته: "حتى الجمادات كانت تحنُّ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان له عليه الصلاة والسلام جذع منصوب في المسجد يستند إليه وهو يخطب الناس، وعندما صنع له الصحابة منبرًا من ثلاث درجات، حزن ذلك الجزع، وأصبح له أنين مسموع، فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر واحتضنه وهو يئنُّ حتى سكن، ثم قال: "أما والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة".
ولفت فضيلة المفتي النظر إلى أن الإسلام أوصى بالجار في مواطن عديدة من القرآن والسنة؛ منها قوله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ [النساء: 36]، ومنها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» متفق عليه.
وشدَّد فضيلة مفتي الجمهورية على أن الشرع الشريف أكَّد على احترام الجار والإحسان إليه، وبيَّن أن للإنسان حقوقًا على جاره، فلا يؤذيه ولا يضره، وهذه الحقوق والواجبات ليست مخصوصة بالمسلم فقط، بل تتعدَّى إلى غير المسلم، وقد نظَّم الإسلام تعامل الجار مع جاره في جوانب متعددة، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد كان يتعامل برقيٍّ وإحسان وحكمة ورحمة مع جيرانه.
وأوضح مفتي الجمهورية أن الجوار والجيرة لا تقتصر على الجيرة المكانية، بل تشمل كل جيرة بدنية مع الآخرين في أي مكان يكون فيه الإنسان.
واستعرض فضيلة المفتي العديد من النماذج التي رسخها الرسول الكريم في حسن تعامل الجار كعدم رد الإساءة بالإساءة، وكذلك تفقُّد أحوال الجيران والسؤال عنهم والرفق بهم بغضِّ النظر عن دينهم أو عِرقهم أو لونهم، وكذلك عدم تعمُّد تصدير الأذى والإساءة لهم، أو حرمانهم من حقوقهم أو مضايقتهم.
وأكَّد فضيلة مفتي الجمهورية على جواز ومشروعية إطعام الجار المسيحي الطعامَ وقَبول الطعام منه، بل يجوز إفطار الصائم عنده؛ فكل هذا داخل في البر والتراحم والإحسان.
واختتم فضيلته حواره بالردِّ على بعض أسئلة المشاهدين، منها سؤال عن حكم تقبيل يد الصالحين ومصافحتها احترامًا وتبركًا؛ فقال فضيلته: هذا من الأخلاق الحميدة، ومن مظاهر الاحترام والتبجيل، وقد تميزنا بها كمصريين وهي تُظهر الاحترام ولا تعني شيئًا آخر كما نظهر الاحترام لوالدينا.