لا يعلم الكثير أن المقاهي المصرية تعدّ جزءا يمثِّل تاريخا مهما من تاريخ جمهورية مصر العربية، وأنها ليست مجرد أماكن للتجمعات وقضاء أوقات الفراغ كما يظن البعض.
فداخل مصر العديد من المقاهي ذات التاريخ والأثر، الذي يفوح منه عبق التاريخ، وقد شهدت المقاهي المصرية إنطلاقًا فكريًّا وثقافيًا كبيرًا، على مر حقبات زمنية مؤثرة استطاعت تغيير التاريخ، حيث جمعت المقاهي كافة الطبقات الاجتماعية أسفل سقفها، واكتسبت شهرتها من قامات مرتاديها، على كافة المستويات الفكرية والثقافية وفي مختلف المجالات، السياسية والفنية والأدبية وغيرها.
يعد مقهى الروضة الأثري أشهر مقاهي مدينة حمص بسوريا وأحد رموزها التراثية والثقافية والتي مازالت موجودة حتى الآن.
تأسس المقهى عام 1922م، ويقع في ساحة جمال عبد الناصر أو كما تعرف شعبيا "ساحة الساعة الجديدة"، بجوار عدد من المراكز المهمة والشهيرة في حمص مثل "مسرح الكندي"، "متحف حمص"، "مقهى الفرح" وغيرها..
كانت الأرض عبارة عن منتزه عام، فقام رئيس ديوان البلدية آنذاك محمد إبراهيم الأتاسي بالاستيلاء على الأرض لإقامة دار أوبرا، وقسمه لقسمين صيفي وشتوي، وكان القسم الشتوي يشكل المسرح ودار الأوبرا، ليتم لاحقاً بناء مسرح حمص الذي تحول حديثاً إلى سينما الكندي.
أنشئ المقهى وفق مخططات إيطالية، وينقسم البناء إلى ثلاثة أقسام صيفي وشتوي وتراس، حيث يتكون القسم الصيفي من عدد من البحيرات الصغيرة ونوافير المياه، وأشجار كثيفة، وطاولات متعددة، أما القسم الشتوي كان مسرحا ودار أوبرا، وما زالت أقسامه وطراز البناء يشهد على ذلك، ويمتاز مقهى الروضة الشتوي بالأدراج والسلالم الرخامية والشرفات التي أخذت شكل نصف قوس، والنوافذ والمشربيات والأقواس القوطية العربية وغيرها من البصمات الحرفية الفنية والجمالية.
وشهد المقهى أحداث تاريخية هامة ومنها: استضافة حفل غنائي للمطرب محمد عبد الوهاب في برفقة المطرب محمد عبد المطلب في يوليو من عام 1930م، وعلى مسرحه أقيمت العديد من الأعمال المسرحية ليوسف وهبي، واسماعيل يس، ونجيب الريحاني، وصباح، وبشارة واكيم، ونجاح سلام، وغيرهم، ، كما زاره طه حسين وفقا للأستاذ فيصل شيخاني عام 1947، كما ألقى فيه عمر أبو ريشة قصيدته الميمية المشهورة "امتي هل لك بين الأمم"، والعديد من الأحداث التاريخية المهمة الأخرى..
تعرض مقهى الروضة للتخريب خلال الحرب في حمص (2011-2014) مما تسبب بتخريب نوافذه وواجهة المبنى، ليعاد ترميمه وافتتاحه مجددًا عام 2015.