الاحتفالات وخصوصًا الاحتفال بالأعياد والمناسبات الرسمية التي ترعاها الدولة، تعبر عن مدى تمدن هذه الدولة او تأخرها، كذلك يعبر الشكل الاحتفالي بالمناسبات المختلفة على مدى ترابط الشعب المعين أو تفككه، وهل هو نسيج واحد أم مجموعات متناحرة، هذا ما نحاول اكتشافه من خلال الاطلاع على الاحتفال بالأعياد في إطار الحضارة الإسلامية رغم اختلاف مذاهب الدولة في الفترة التي نقوم برصدها.
العصر المملوكي والعثماني
ومن أهم مظاهر الاحتفال بالعيد هى «العيدية» والتى كانت تسمى فى عهد العباسيين والفاطميين «الفطرة» نسبة لعيد الفطر وكانت تعطى على هيئة طعام وحلويات، ولكنها أخذت الشكل الرسمى فى العصر المملوكي، وأطلقوا عليها «الجامكية»، وكانت تقدم العيدية على شكل طبق تتوسطه الدنانير الذهبية، ويحيط به الكعك والحلوى، وتقدم العيدية من السلطان إلى الأمراء وكبار رجال الجيش، وتقدر العيدية حسب الرتبة التى تقدم لها.
وفى العصر العثمانى تم استعادة بعض مظاهر احتفال العباسيين والفاطميين، فكان يبدأ الاحتفال الرسمي بعد فجر يوم العيد، حيث يصعد كبار رجال الدولة إلى القلعة ويمشون فى موكب أمام الباشا من باب السرايا «قصره» إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون ثم يهنئون الباشا بالعيد وينزلون إلى بيوتهم فيهنئ بعضهم بعضًا.
وتنتشر الألعاب في الشوارع ويخرج الناس للتنزه في النيل والحدائق بعدما يقومون بصلاة العيد وتوجيه التحية لبعضهم البعض حيث تمتلئ الطرقات والمتنزهات في هذا اليوم للاحتفال.
ولم تختلف مظاهر العيد اليوم عن سابقتها فى الدولة الإسلامية إلا في أمور التقدم التكنولوجي وزيادة أماكن اللهو والاحتفال وتطورها، فما زالت العيدية تعطى، وما زال يوزع الكعك والبسكويت على الجيران والأقارب.
ومن الطرائف التي تتصل برؤية هلال شوال أن الملك المعظم الشاعر الأديب عيسى الأيوبي كان قد صعد إلى مئذنة الجامع الأموي لاستطلاع هلال شوال ومعه القاضي والشهود، فلم ير الهلال أحد منهم ولكن رأته جارية من محطاته فقال الملك المعظم لابن القصار الشاعر: قل في ذلك شيئًا فقال ابن القصار: «تواري هلال الأفق عن أعين الورى، وغطى بستر الغيم زهوا محياه».
وكثيرًا ما ارتبط الترحيب بهلال شوال عند بعض الشعراء بالإشارة إلى قرب انتهاء رمضان، وكان يطلقون على ما بعد العشرين من الشهر «الواوات».
وأما تهاني عيد الفطر فهي كثيرة في الأدب العربي، ومنها ما التزم بالتهنئة الخاصة كراثية البحتيري التي يهنئ فيها المتوكل العباسي بصومه رمضان وبعيد الفطر ويصف فيها خروجه للصلاة ويشير إلى خطبته البليغة وفيها يقول: بالبر صمت وأنت أفضل صائم وبسنة الله الرضية تفطر.
أما الاحتفالات بعيد الفطر في العصر الفاطمي كانت ذات طابع مميز، فهو بالنسبة لهم "الموسم الكبير" وفقًا لتعبير شيخ المؤرخين تقي الدين المقريزي، كما كان يطلق عليه "عيد الحلل" ولذلك لتوزيع الكسوات على جميع موظفي الدولة من كبيرهم لصغيرهم بداية من الخليفة حتى أدنى موظف في القصر.
بدأ الفاطميون احتفالهم الرسمي بهذا العيد منذ قدوم الخليفة المعز لدين الله إلى مصر عام 362هـ /972م، فكان يتوجه الخليفة لأداء صلاة عيد الفطر داخل مصلى العيد الذى يقع في الجهة الشرقية للقصر الكبير بجوار باب النصر والتي بناها جوهر الصقلي لهذا الغرض، كما صلى بها الخليفة العزيز بالله وذلك عام 380هـ / 990م، ومن أجل ذلك أقيمت مصاطب على الطريق الذي يسلكه الخليفة بين المصلى والقصر.
وموكب الخليفة كان يخترق هذا الطريق الضخم الذي يضم طوائف العسكر في أبهى زينة، وكان يشترك في هذا الموكب الأفيال والزراف والأسود المزينة بالأجلة وعليها قباب من الذهب
وكان يوضع على الأفيال المشتركة بالموكب أسرة يجلس فوقها العسكر بكامل زيهم وسلاحهم، وتصدح الموسيقى المصاحبة للموكب بأنغام قوية وتحوي بين آلاتها أبواق خاصة لطيفة، ويحتشد الناس على جانبي الطريق للتطلع إلى الخليفة ولمشاهدة ما يحويه الموكب من مظاهر القوة والفخامة.
وعند وصول الخليفة إلى المصلى كان يؤم الناس في صلاة العيد طبقاً لرسوم محددة ، وفي طريق عودة الخليفة إلى القصر يحتشد الناس لمشاهدة الألعاب التي يقوم بها طائفة من أهل برقة يطلق عليهم "صبيان الخف" تخصصت في الألعاب البهلوانية، وكانت الدولة تخصص لها إقطاعات ومرتبات ورسوم.
وأهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر كانت توزيع الحلوى على جميع موظفي الدولة وإقامة الأسمطة (الموائد) الضخمة، التي تحوي على كل طريف في القصر، وقد أنشئ لهذا الغرض مطبخ ضخم لصنع الحلوى أطلق عليه "دار الفطرة "، وقد أنشئت في عهد الخليفة العزيز بالله، وهو أول من بنى دار الفطرة.
والعمل في هذه الدار كان يبدأ من نصف شهر رجب فيخزن داخلها كميات كبيرة من السكر والعسل وقلوب اللوز والجوز والفستق والبندق والدقيق والتمر والزبيب والمواج العطرية، ويستمر العمل فيها استعدادا لحلول عيد الفطر وصنع الحلوى المختلفة مثل الرقاق المحشو بالفستق واللوز يعرف باسم (الخشكنانج)، وحلوى تصنع بالدقيق والبلح تعرف باسم (البستندود)، وكعب الغزال ولقمة القاضي وغيرها، وتخزن هذه الأصناف في مخازن دار الفطرة.
و الخليفة كان يحضر بنفسه بصحبة الوزير للاطمئنان على سير العمل في النصف الثاني من شهر رمضان، ثم يبدأ من هذا التاريخ توزيع الحلوى على جميع أرباب الرتب في الدولة والموظفين كبيرهم وصغيرهم في صواني تحمل كل صينية اسم صاحبها، وتختلف حجم الصينية وكمية الحلوى حسب مكانة كل فرد، ويحمل هذه الحلوى فراشون مخصصون لهذا العمل وهم في أتم زينة ويرتدون الثياب الفاخرة.
وكان يقوم في القصر سماطان (مائدتان) كبيران بمناسبة عيد الفطر، السماط الأول يباح للناس ولعامة الموظفين بالقصر من أرباب الوظائف الصغيرة، أما السماط الثاني فكان يقام في قاعة الذهب بالقصر بعد عودة الخليفة من صلاة العيد توضع أمام سرير الملك الخاص بالخليفة مائدة ضخمة من الفضة تسمى "المدورة" عليها أطعمة في أوان من ذهب وفضة وصيني وهي خاصة بالخليفة.
وكان هذا السماط كان يضم حوالي خمسمائة صحن وينصب على رأس المائدة قصران كبيران من الحلوى قد صنعا لهذه المناسبة في دار الفطرة مدهونان بأوراق الذهب وبهما تماثيل من سكر في غاية الدقة في صناعتها كأنها مسبوكة في قوالب وكان هذا السماط مخصصاً لكبار رجال الدولة والأمراء، ويستمر لقرب الظهر، وخلال الطعام يقرأ القراء ويكبر المؤذنون وينشد المنشدون ويتبارى الشعراء بإلقاء قصائدهم في هذه المناسبة.
وبالنسبة لمظاهر عيد الفطر في العصر المملوكي، كان المصريين يسهرون ليلة العيد حتى ساعة متأخرة من الليل في تجهيز الملابس الجديدة، أما الكعك وغيره من أصناف الحلوى فيصنعها الناس في أواخر شهر رمضان ليتبادلوا بها التهنئة في العيد.
ومنذ تلك الفترة حتى الآن يفضل الكثير تناول السمك المجفف، وفي الصباح المبكر يجتمع أهل الحي أمام منزل الإمام الذي سيصلي بهم صلاة العيد في المسجد، وعند خروجه إليهم يقوموا بزفه حتى المسجد وبأيدهم القناديل وهم يكبرون طوال الطريق، وبعد الانتهاء من الصلاة يعودون إلى منازلهم بنفس الطريقة التي أحضروا بها الإمام.
و كان من ضمن العادات ذهاب الناس إلى القرافة ومعهم نساءهم وأولادهم، ثم الذهاب إلى التنزه في النيل واستئجار المراكب للتنزهة.
أما مراسم الاحتفال بالعيد عند السلطان وكبار رجال الدولة في العصر المملوكي، كان في آخر أيام رمضان يصعد ناظر الخاص إلى القلعة في موكب كبير وبصحبته عدد كبير من الحمالين الذين يحملون خلع (عباءات) العيد لحملها إلى السلطان وفي هذه الليلة (ليلة العيد) يدخل الأمراء جميعًا إلى السلطان للتهنئة، وفي صباح اليوم التالي وهو أول ايام العيد، ينزل السلطان إلى الحوش السلطاني لتأدية صلاة العيد في موكب فخم وبعد الصلاة يمد السماط، والتي وصلت تكاليفها في بعض السنين إلى خمسين ألف درهم، وأخيرا يقوم السلطان بتوزيع العباءات على الأمراء وكبار رجال الدولة، كما كان يقوم بالإفراج عن بعض المساجين.