يتحول الحلم إلى حقيقة واقعية وينتشر في مختلف بقاء الأرض، ويصبح مدرسة متخصصة في تحويل المهمشين والفقراء والبسطاء إلى صناع مهرة، الأمر تطلب إرادة حديدية، فالغالبية يعلمون أن الطريق ليس مفروشًا بالورود، ولكن بالتحدي والمثابرة يتحقق الحلم وربنا يصبح تاريخًا أو نجاحًا أو علمًا يكتسبه الجميع من مشارق الأرض إلى مغاربها.
«دون بوسكو» طفلاً إيطاليًا متمردًا هرب من والده وعمل هو ووالدته في قطعة أرض كانوا يمتلكونها في القرن 18، دون أن يعلم أنه سيكون صاحب أفضل فكرة تقوم على تعليم حرف صناعية مختلفة، والتي تحولت لواقع ملموس في بعض دول العالم، لكسب الحرف الإيطالية بطريقة مبسطة وسهلة.
الطبقة الكادحة
ابن روما العاشق للطبقة الكادحة والبسيطة سعى لتنمية قدراتهم عن طريق إشراكهم بين عمال المصانع الكبرى، ثم تحولت فكرته بعد ذلك لمدرسة خاصة تعلم البسطاء والمتشردين فن الصناعة، والتي تكالبت عليهم أصحاب المصانع الكبرى للاستفادة من خبراتهم كخرجيين محترفيين.
واحتضنت القاهرة معهدًا لـ«دون بوسكو»، ويعرف أيضًا باسم «سالزيان» بحي روض الفرج بشبرا مصر، يدرس به عددًا محدودًا من الطلبة المصريين بعد خضوعهم لاختبارات فنية ولغوية خاصة باللغة الإيطالية.
«بوسكو» عمل صانع أحذية ونجارا وبهلوانا ولم يخجل من عمله فى سبيل كسب قوت يومه ومساعدة والدته إلى أن جاء منْ تبناه وساعده على إتمام تعليمه وعندما أنهى دراسته سعى جاهدا ليصبح كاهنًا، في فترة كانت الكنيسة تسيطر على مفاصل الدولة سياسيا ودينيا واجتماعيا في روما، وتعتمد أبناء الطبقة الأرستقراطية فقط.
المهمشون يعزون المصانع
لكن بالمثابرة والكفاح، نجح في أن يكون كاهنًا في عام 1841م، ومن هنا فُتح أمامه المجال لمساعدة الطبقة الكادحة، مستعينًا بسطوة وسيطرة الكنيسة على جميع مفاصل الدولة، واهتم بشئون الفقراء وجالس البسطاء والمساجين وتعرف على مشاكلهم، واتجه إلى المصانع وتعاون معهم لتعليم الشباب والأطفال الخبرات والمهن المختلفة، وبعد فترة لاحظ "بوسكو" مهارة الأبناء وتقدم خبراتهم وجودة إنتاجهم، فبدأ يطالب أصحاب المصانع بإعطائهم راتبًا لتشجيعهم.
ومكن "بوسكو" العمال من نقل خبراتهم إلى آخرين فى" مدارس الأحد" التى تتواجد خلف كل كنيسة وأحضر المعدات وصمم بجوارها حجرة دراسية لكى يستطيع الطلاب تلقى الجانب النظري أولا ثم يتم تطبيق ما تم دراسته على ما أحضره من معدات.
وبدأت الحرف والخبرات تنتقل من شخص لآخر وبدأت المصانع الإيطالية تطلب منه عمالة وبالفعل وجه أبنائه للعمل فى المصانع، وأنشأ مدرسة له في منطقة صحراء تدعى "ترينو" إلى أن أصبحت عمارا وتوجه بعدها لإنشاء فرع أخر فى منطقة صحراوية جديدة وهكذا ظل مستمرا لنشر فكره، إلى أن وصلت شبرا مصر فى قلب القاهرة.
«الهلال اليوم» داخل المدرسة الإيطالية
خاضت "الهلال اليوم" جولة داخل أسوار معهد دون بوسكو بحي روض الفرج بشبرا مصر الذي يتوسطه تمثال "بوسكو"، ويدرس طلابه بنظام انضباطي ينحصر في نشطات المعهد وما بين حجرات الدراسة والمعامل والورش.
وتُدعم المعامل بأحدث الأجهزة والمعدات فضلا عن نظافة المكان واتساعه، ونظام التعليم يكون بالتفاف الطلاب في حلقة مستديرة حول معلمهم داخل الورش، وعقب انتهاء المعلم من الشرح يتوجه للتنفيذ العملي.
فن «دون بوسكو» يبهر الطلبة المصريين
مجدى مورقص، طالب بالفرقة الثانية عن مدى سعادته بقبوله بمعهد دون بوسكو، وقال إنه قرر الالتحاق بالمعهد من خلال ما سمعه من أحد رفاقه بالكنيسة، مشيرا إلى أن نظام الامتحانات بالمعهد تعقد بشكل دوري كل ثلاثة أشهر وهذا أفضل من أسلوب عقد الامتحانات نهاية العام.
عماد جمال، طالب بالفرقة الثانية، أنه عرف المعهد من خلال زملاء والدته بالعمل، وقال إن الدراسة باللغة الإيطالية شيء ممتع وليس صعبًا فضلا أن الدراسة فيها شدة وانضباط وهذا أمر يسعدنا وأتمنى أن ألتحق بكلية الهندسة عقب تخرجي.
أوضح بيتر، 16 سنة، أنه فضل الدراسة بالمعهد حتى يستطيع الجمع بين الدراسة اللغة الإيطالية والدراسة العملية حتى تساعده في حياته المهنية عقب التخرج.
محمد أحمد، الدراسة باللغة الإيطالية، ليس صعبا بل تكرار استخدمها يسهل التعامل بها حيث أننا هنا نتعامل وندرس باللغة الإيطالية.
شروط خاصة للدراسة
أما المهندس ماجد جورج، مدير الدراسات الحرة بالمعهد، كشف لنا كواليس الدراسة في المعهد والتعامل وكيفية مساعدة الطلاب قائلا إن المعهد يتقدم له سنويا أعداد تتراوح ما بين 1200 إلى 1300 ونختار منهم ما بين 250حتى 300 طالب فقط، بعد إتمام دورة اللغة الإيطالية واجتياز الاختبار فيه، وذلك ما يجعل إجمالي عدد الطلاب داخل المعهد بأكمله لا يتجاوز 720 طالبًا وعدد الطلاب داخل كل فصل يتراوح ما بين 25 إلى 30 طالبًا حتى يستطيع الطلاب الاستفادة من المعلم على أكمل وجه، مؤكدا أن الدراسة تتم باللغة الإيطالية لكي يستطيع الطالب إتقانها.
وأشار إلى أن المعهد لا يوجد به محسوبية ولا يقبل التبرعات ويهتم بالكيف وليس الكم على مستوى الثلاث أقسام من ميكانيكا سيارات وميكانيكا خراطة وكهرباء ويوجد قسم رابع مستقل للدراسة الحرة يقدم كورسات للوافدين الأجانب وأبناء الوطن حيث أن هذا القسم يتضمن حوالى 3 آلاف طالب ويحق للبنات الالتحاق بالدورات التدريبية.
ويطبق المعهد نظرية "دون بوسكو"، من خلال تخصيص مكان داخل الورش للشرح النظري وعقب انتهاء المعلم من شرح الجزء النظري يتجه الطلاب للجانب العملي داخل الورش والمعامل.
ولفت إلى أن أعضاء هيئة التدريس من خريجين المعهد والرهبان، كما أن منهم 3% أجانب والباقي مصريين.
وأكد "ماجد" أن المناهج الدراسية قائمة على النهج الإيطالي ما عدا اللغة العربية والتربية الوطنية.
5 سنوات دراسية
وعن عدد فروع المدرسة في العالم، أشار إلى بوسكون سعى لنشر فكرته حتى وأصبحت مدارس منتشرة على مستوى 133 دولة منها " مصر – بعض دول آسيا –الفلبين –الهند –السودان - أمريكا اللاتينية.. وغيرهم من الدول"، وبذلك يكون دون بوسكو قد نجح فى توصيل رسالته وتغير الوضع النفسي لدى أطفال الشوارع والأحداث وتغير نظرة المجتمع لهم.
أوضح أن الدراسة بالمعهد بنظام الـ 5 سنوات فهو تعليم فوق المتوسط وتتميز شهادة "دون بوسكو" بأن الدراسة فى المعهد قائمة على اللغة الإيطالية كلغة أولى والإنجليزية لغة ثانية ومعترف بشهادة المعهد فى كل من مصر وإيطاليا ويستطيع الطالب تكملة دراسته بالخارج.
تدعيم المناطق الصناعية
وعن مشاريع المعهد، قال "ماجد" إنهم تقدمو بمشروع فعليًا لوزارة التربية والتعليم، لخدمة كل منطقة صناعية تحتاج إلى عمال عن طريق إنشاء مدرسة خاصة بهم، وتابع:" قمنا بزيارة إلى السويس وسوهاج على مستوى 5مدارس ووقع الاختيار على مدرسة فى السويس عام 2015 وكانت المدرسة من المفترض البدء فيها منذ بداية عام 2016/2017 لكن لغاية يومنا هذا لم نبتدى بعد، والأمور تصير ببطء حيث كان من المخطط لها أن تتضمن قسم خاص بالدراسة اللوجستية بمعنى تخصيص قسم يفيد مهام الميناء من أعمال النقل البحرى والنقل البرى وما يخدم الميناء، حيث أن الميناء يحتاج إلى فنيين يستطيعون مساعدة مكاتب الشحن والتفريغ حيث أن الفنيين فى ذلك المجال قلة".