ألقت الأزمة الروسية الأوكرانية، التي اندلعت أواخر فبراير الماضي، بظلالها على العالم بأثره حيث كان لها تداعيات سلبية على الاقتصادات، وهو ما أدى إلى ظهور موجات تضخمية كبيرة تحدث عنها جميع خبراء العالم، بالإضافة إلى تأكيد صندوق النقد الدولي أنه ستكون هناك تأثيرات كبيرة جراء هذه الأزمة على الاقتصاد الدولي والأسواق المالية.
وأوضح رئيس البنك الدولي أن الأزمة الروسية الأوكرانية اندلعت في وقت سيئ للغاية يشهد التضخم فيه معدلات عالية وتواصل الأسعار ارتفاعاتها على مستوى العالم، مما زاد معه حدة هذه الأزمة.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية وصل معدل التضخم إلى 7.5%، كما أن دول أوروبا ومنطقة اليورو وصلت بها نسبة التضخم إلى 6%، رغم أن هذه الدول لم يكن معدل التضخم بها يتجاوز 1% أو 2%، وهو الأمر الذي يشير إلى أن معدلات التضخم زادت بمقدار 3 أضعاف في فترة وجيزة.
وكان من الطبيعي أن تتأثر مصر بكل هذه الارتفاعات وتلك الموجات التضخمية المتلاحقة التي طالت كل بقعة في العالم، فنحو 35% من التضخم في مصر يرد من الخارج تأثرا بتلك الموجات.. وحرصت الحكومة منذ اللحظة الأولى، وكعادتها دائما في مختلف الأزمات والتحديات، على اتباع نهج الشفافية والمكاشفة وتوضيح الحقائق للشعب المصري؛ لكى يتم تجاوز هذه الشدائد والمحن سويا.
ووجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بإعداد تصورات للسيناريوهات المختلفة للتعامل مع تداعيات هذه الأزمة، واتخاذ إجراءات تستهدف التخفيف من آثارها السلبية على المواطن والإقتصاد المصري، كما تم توجيه وزارة المالية إلى الاستعداد بخطة طوارئ للتعامل مع الزيادات الحالية والقادمة في أسعار المواد التي يتم استيرادها من الخارج، فضلا عن التوجيهات لوزارتي الداخلية والتموين وباقي الأجهزة الرقابية بالمتابعة المستمرة لتوافر السلع وضمان عدم نقص أية سلعة، بالإضافة إلى إحكام الرقابة على الأسواق والتعامل بالقانون مع من يحاول استغلال الأزمة لرفع الأسعار بشكل غير مبرر.
وشكلت الحكومة لجنة أزمة لمتابعة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، على غرار لجنة أزمة فيروس كورونا، وهي تجتمع أسبوعيا ويتم عبرها متابعة توافر السلع الغذائية والمواد البترولية والعمل على التوجيه المستمر بها على ضرورة استمرار الرقابة على الأسواق، ومنع تخزين السلع أو إخفائها، والتنسيق المستمر مع الغرف التجارية للتأكيد على ضمان وجود سعر عادل للسلع بحيث لا تكون هناك مغالاة واستغلال للظروف الحالية.
وتقوم الحكومة على وضع تصور لتوفير احتياطي من السلع الاستراتيجية حتى نهاية العام الحالي، وذلك بهدف العمل على استمرار الحفاظ على المعدلات الخاصة بالاحتياطى الاستراتيجي من تلك السلع، إلى جانب العمل على توفير التمويل اللازمة لتأمينها، بجانب المتابعة الدورية لموقف توافر السلع الاستراتيجية ووجود أرصدة منها، والتعامل بكل حسم وحزم مع أى محاولة لإخفاء السلع أو احتكارها.
ولعل ضبابية المشهد وعدم وضوح الرؤية أمام العالم بميعاد انتهاء هذه الأزمة العالمية، دعا جميع دول العالم بدون استثناء لاتخاذ قرارات تتعلق بالسياسات النقدية والمالية لديها حتى تتمكن من مواجهة تلك الأزمة وتتواءم مع تداعياتها.
وقامت الحكومة، في إطار خطة متكاملة للتعامل مع الأزمة الحالية، بوضع كافة السيناريوهات في الاعتبار، ومنها السيناريوهات المتشائمة، وهو ما أدى إلى إعادة صياغة كل السياسات النقدية والمالية من خلال المجلس التنسيقي للسياسات النقدية والمالية لاتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها تمكين الدولة من الحفاظ على كل المكتسبات التي حققها الاقتصاد الوطني خلال الفترة الماضية، على أن يكون هناك مراعاة للبعد الاجتماعي والحماية الاجتماعية خلال هذه الفترة.
وفي هذا الصدد، أشاد صندوق النقد الدولي بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتوسيع الحماية الاجتماعية، وكذا تبني سعر صرف مرن، فقالت سيلين ألارد رئيسة بعثة مصر لدى صندوق النقد الدولي "تبنى الحكومة المصرية لمجموعة من تدابير الاقتصاد الكلي والسياسات الهيكلية يسهم في التخفيف من آثار تلك التداعيات على الاقتصاد المصري، وتحمي المجموعات الأكثر ضعفًا، وتحافظ على مرونة وآفاق نمو الاقتصاد على المدى المتوسط".
وكانت الحكومة قد تقدمت بمقترح لمشروع الموازنة للعام المالي المقبل، وتم عرضه على رئيس الجمهورية، إلا أنه في ضوء المستجدات الكبيرة التي حدثت، وجه الرئيس السيسي بإعطاء أولوية قصوى لبرامج الحماية الاجتماعية خلال هذه المرحلة من الأزمة، كما قامت وزارة المالية بتعديل هذه الموازنة لإتاحة مساحة أكبر للبعد الاجتماعي من أجل استيعاب ارتفاع أسعار السلع الغذائية والأساسية، ودعم برامج الحماية الاجتماعية، وزيادة مخصصات الدعم النقدي والعيني مع زيادة المرتبات والمعاشات.
وقررت الحكومة، تنفيذا لتوجيهات الرئيس السيسي، بتبكير تطبيق زيادة المرتبات التي كان من المقرر صرفها مع بداية العام المالي الجديد 2022 - 2023، ليتم تطبيقها اعتبارا من أول أبريل بدلا من أول يوليو 2022، بتكلفة إجمالية إضافية على موازنة الدولة تصل إلى 8 مليارات جنيه.. كما وافق الرئيس على زيادة المعاشات بنسبة 13%، على أن يبدأ تطبيق هذه الزيادة اعتباراً من معاش الأول من أبريل بدلاً من الأول من يوليو المقبل، بتكلفة إضافية 8 مليارات جنيه.
وتقرر أيضا رفع حد الإعفاء الضريبي الشخصي من 9 آلاف جنيه إلى 15 ألف جنيه، ما يعني تحريك حد الإعفاء الضريبي ليشمل المواطن الذي يصل دخله إلى 30 ألف جنيه سنوياً بدلاً من الحد الحالي، وهو 24 ألف جنيه سنوياً، بما يعني أن المواطن الذي يتقاضى مرتبا شهريا يبلغ 2500 جنيه لن يدفع أية ضرائب، وهذا جزء من مساهمة الدولة في تخفيف الأعباء عن المواطنين.. وفي الوقت ذاته، تقرر إضافة 450 ألف أسرة جديدة لمعاش برنامج "تكافل وكرامة"، التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، بتكلفة سنوية إضافية تبلغ 2.4 مليار جنيه.
كما وجه الرئيس السيسي بتوفير احتياطي كبير في موازنة العام المقبل بما يصل إلى 130 مليار جنيه، لمواجهة التداعيات والأعباء التي من المتوقع أن تستمر إذا طال أمد الأزمة الحالية، بحيث يتم من خلال الاحتياطي امتصاص الجزء الأكبر من التداعيات فيما يخص الأسعار، لتخفيف العبء عن المواطن.
واتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات الأخرى لتشجيع الصناعة وحركة الإنتاج، منها تثبيت الدولار الجمركي للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج، وذلك حتى آخر أبريل، لتقوم بإعادة مراجعة الموقف بشكل دورى لاتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن، كما ستتحمل الدولة من خلال وزارة المالية، الضريبة العقارية لمدة 3 سنوات عن القطاعات الصناعية للتخفيف عن تلك القطاعات في حال حدوث أي ضرر بتكلفة إجمالية تبلغ 4 مليارات جنيه خلال تلك الفترة.
ويوميا، تتم المتابعة من جانب القيادة السياسية وكافة أجهزة الدولة المصرية لاتخاذ مختلف الإجراءات والقرارات التي من شأنها التعامل مع الأزمة الراهنة والعمل على استقرار أوضاع الاقتصاد المصري وضمان عدم تأثر سوق العمل في مصر بتلك التحديات، كما ستعمل الدولة عقب الانتهاء من هذه الأزمة على سرعة التعافي من تداعياتها، والعودة إلى الأوضاع الاقتصادية المستقرة.
ووفقا لتوجيهات الرئيس السيسي، تعمل الحكومة على توفير رصيد احتياطي دائم لا يقل عن 3 إلى 6 أشهر من السلع الأساسية، وهو الأمر الذى أدى إلى عدم شعور المواطن بحدوث نقص في أي سلعة في خضم هذه الأزمة.
ولعل الخطوات الاستباقية التى قامت بها الحكومة من تنفيذ مشروعات قومية لاستصلاح الأراضي، والتي تتكلف مئات المليارات، تأتي في إطار رؤية القيادة السياسية بضرورة زيادة القدرة على توفير احتياجاتنا من السلع الاستراتيجية، كما أنها تعمل على تأمين الدولة ضد أي مخاطر عالمية، فتم زيادة مساحة الأرض المنزرعة بمحصول القمح من 3.2 مليون فدان خلال العام الماضي إلى 3.6 مليون فدان خلال العام الجاري بزيادة تقدر بـ400 ألف فدان، إضافة على الرقعة الزراعية المنزرعة بالقمح، فضلا عن التوجيهات المستمرة من الرئيس السيسي بضرورة الإسراع في دخول تلك الأراضي للخدمة وزراعتها، وفي غضون العامين القادمين سيتم دخول أكثر من 1.5 مليون فدان جديدا.
وتستهدف الدولة تجميع من الموسم الحالى نحو 5 ملايين طن من القمح، حيث أن لدينا القدرات التخزينية لهذه الكميات، وذلك من خلال مشروع الصوامع، والذي جاء تنفيذه وفقا لرؤية القيادة السياسية بضرورة التوسع في حجم الصوامع الموجودة، وذلك بما يؤمن سعة تخزينية لمحصول القمح والسلع الرئيسية.
وتم اعتماد حافز إضافي لتوريد الأقماح خلال العام الجاري، ويتم العمل على إتاحة الموارد المالية بصفة فورية حتى يحصل المزارع على مستحقاته المالية نظير توريد القمح، وذلك في غضون 48 ساعة.
وراعت الدولة الأزمة الحالية وتزامنها مع دخول شهر رمضان المبارك، الأمر الذي دعاها إلى إقامة العديد من المنافد الخاصة ببيع السلع للمواطنين بأسعار منخفضة نسبياً، وإقامة معارض "أهلا رمضان"، والذي شهد توفير السلع بأسعار مخفضة وإقبال شديد من المواطنين، كما كلف الرئيس السيسي الحكومة باستمرار في معارض السلع الأساسية للمواطنين حتي نهاية العام، فضلا عن توجيه الحكومة والمحافظين إلى ضرورة العمل على ضبط أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية والخضراوات خلال الفترة الحالية.
ولعل أبرز المهام التي قامت بها الوزرات المختلفة من أجل الحد من أثر الأزمة، قيام وزارة التموين والتجارة الداخلية بمتابعة الجهود للتأكد من الحفاظ على المخزون الاستراتيجى من مختلف السلع، كما تتعاون بشكل كامل مع القطاع الخاص، وكذا الغرف التجارية لتوفير السلع المختلفة، فتم افتتاح معارض "أهلاً رمضان" بجميع المحافظات، بجانب إعداد وتجهيز كرتونة شهر رمضان، وصرف كوبونات الحصول على سلع شهر رمضان للفئات الأكثر احتياجاً.
وتتابع وزارة التموين منظومة توريد القمح، وسرعة صرف المستحقات للمزارعين، حيث تم إتاحة 1.1 مليار جنيه لهيئة السلع التموينية والبنك الزراعي المصري كدفعة مقدمة تحت حساب تمويل شراء محصول القمح المحلي؛ حتى يتسنى السداد الفورى لمستحقات المزارعين الموردين.
ومن جهتها، قامت وزارة الأوقاف بالاتفاق مع وزارة التموين على توزيع 500 ألف شنطة رمضان تدعمها الوزارة للمستحقين، بالإضافة إلى توزيع 700 طن لحوم بالتعاون مع وزارتي التموين والتضامن، كما تم تخصيص 100 مليون من وزارتي الأوقاف والتضامن لتنمية الأسرة الريفية الأولى بالرعاية في مجال تربية الثروة الحيوانية ضمن إطار مبادرة "حياة كريمة" لتنمية الريف المصري.
وقامت وزارة التضامن الإجتماعي بتوزيع أكثر من 1.5 مليون كرتونة رمضان بالتنسيق مع صندوق "تحيا مصر"، وقامت الجمعيات الأهلية بتوزيع نحو 4 ملايين كرتونة، ووزعت مؤسسة "حياة كريمة" ما يزيد على مليون كرتونة رمضان للأسر الأكثر احتياجا، التي يتم اختيارها وفقاً لمعايير محددة.
وقامت وزارة الداخلية بمراقبة الأسواق في ظل تشديد الحملات على كافة المنافذ من أجل ردع أية محاولات للتلاعب بالأسعار أو إخفاء السلع، وأطلقت مبادرة "كلنا واحد" في 996 منفذاً من خلال طرح المنتجات بأسعار مخفضة، ووزعت نحو 500 ألف كرتونة مواد غذائية مجانية على المناطق أكثر احتياجاً.. كما قامت وزارة الزراعة بتوفير السلع بمنافذ الوزارة بأسعار مناسبة، تقل عن السعر السائد في السوق.
ووفرت وزارة التنمية المحلية نحو 20 ألف شادر ثابت ومتحرك على مستوى كافة المحافظات بمختلف السلع والمنتجات، وتم توزيع 504 آلاف كرتونة من جانب جمعيات أهلية وعدة جهات، كما يقوم المحافظين بعمل مرور ميداني وحملات تفتيش من أجل متابعة الأوضاع على الأرض ومراقبة الأسواق، وهناك تنسيق مع وزارة الداخلية لتنفيذ هذه الحملات.
وقامت وزارة السياحة بإعفاء السائحين الأوكرانيين والروس من الغرامات المقررة على انتهاء صلاحية التأشيرة أو مدة الإعفاء من سداد رسوم التأشيرة، كما قامت الوزارة بالتوسع في تقديم مزايا تفضيلية لجذب المزيد من حركة السياحة الوافدة إلى مصر من مختلف الدول، وذلك من خلال جذب أسواق سياحية جديدة، إلى جانب تقديم التيسيرات الخاصة بدخول السائحين إلى مصر، ومد العمل ببرنامج تحفيز الطيران الحالي حتى نهاية موسم شتاء 2022 - 2023 حتى 30 أبريل 2023.
وتعد تلك الخطوات الحكيمة والمدروسة التي اتخذتها الحكومة للحفاظ على موارد الدولة ومقدرتها وحماية المواطن وتوفير كافة السلع المختلفة له وتراعي البعد الاجتماعي، جسرا للعبور من تلك الأزمة.. ويأمل العالم أن تكون تداعيتها أقل وطأة من تداعيات أزمة وباء كورونا، كما أكد الرئيس السيسي في كلمة له "إحنا في 2011 ربنا سترها ونجانا، وفي 2013 كذلك، وفي أزمة كورونا.. وإحنا في 2022 في الأزمة الأوكرانية أؤكد لكم ربنا هينجينا".