تتخذ مصر سياسة تتبع تأثير قرار البنك الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة على الاقتصاد المصري، وانقسم خبراء الاقتصاد حول إذا كان البنك المركزي المصري سوف ينعقد قبل الموعد المحدد لاجتماع لجنة السياسات بالبنك المركزي للإعلان عن سعر الفائدة الجديد، أم سوف ينتظر إلى موعد اللجنة المقرر يوم 19 مايو الجاري.
ويتساءل الكثير عن "لماذا لم تنعقد لجنة السياسات بالبنك المركزي المصري بعد قرار البنك الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة مثلما فعلت الـ 5 دول في الخليج العربي؟"، حيث أكد محلل سوق المال، أحمد معطي، أن دول الخليج تابعة لقرارات البنك الفيدرالي الأمريكي، لذا سارعت بإعلان رفع سعر الفائدة في الدول بعد أقل من ساعة من قرار الفيدرالي، وهذا يؤكد أن تتبع سياسة التبعية.
أما فيما يخص الوضع في مصر، أوضح معطي في تصريحات خاصة لبوابة "دار الهلال"، أن البنك المركزي المصري لديه سياسة الترقب واختبار السوق، لذا فهو ينتظر تأثير هذا القرار على الاستثمارات وهل سيكون هناك سحب الدولارات أم لا، وفي هذه الحالة سيتخذ القرار سواء بالرفع أو ثبات سعر الفائدة.
أسباب رفع سعر الفائدة
وبالعودة إلى بداية الأزمة حول أسباب اتخاذ البنك الفيدرالي الأمريكي قرار برفع سعر الفائدة، فقد ظل خلال عام 2021 يتخذ قرار تثبيت سعر الفائدة، ولكن بدأ يعلن عن نيته في رفع سعر الفائدة بعدما ينتهي من خفض مشترياته من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري إلى 30 مليار دولار شهرياً، حتى يتمكن من إنهاء البرنامج في أوائل 2022، وهذا ما حدث بالفعل، فكان الهدف من رفع سعر الفائدة هو امتصاص السيولة في السوق، نتيجة تداعيات أزمة كورونا التي نتج عنها ارتفاع معدل التضخم في أمريكا نتيجة عودة الحياة إلى طبيعتها ومن ثم لجأ الكثير إلى فكرة الشراء مع انخفاض نسبة المعروض، وأيضا أزمة سلاسل الأمداد.
كما أن الأزمة الروسية الأوكرانية التي نتج عنها عقوبات اقتصادية متبادلة، جعلت البنك الفيدرالي الأمريكي يتخذ قرار رفع سعر الفائدة مرتين، الأول في مارس 2022 بنسبة زيادة 0.25%، والثانية في مايو 2022 بنسبة 0.50% وسط توقعات بأن يكون هناك ارتفاع جديد بنسبة 0.50% في الاجتماع المقبل، وذلك لأول مرة منذ 22 عاما، تتخذ الولايات المتحدة هذه القرارات.
تأثير رفع سعر الفائدة على الأسواق الناشئة
وحول تأثير رفع سعر الفائدة على الأسواق الناشئة، فإن الأسواق الناشئة تواجه تحديا كبيرا هو ارتفاع سعر الدولار أمام العملة المحلية مما ينتج عنها ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية الأساسية، وأيضا هروب الدولارات خارج الدولة مما يدفع الدولة إلى رفع سعر الفائدة أيضا، ومن ثم تنخفض نسبة المشروعات المباشرة وغير مباشر، ويلجأ المستثمرين إلى وضع أموالهم في البنوك بدلا من إقامة المشاريع.
تأثير رفع سعر الفائدة على أسعار النفط
وكان يجب بعد قرار رفع سعر الفائدة، أن تنخفض أسعار النفط، ولكن ما حدث العكس وهو ارتفاع أسعار النفط، فقد ارتفعت عقود خام برنت بمقدار 5.17 دولار لتسجل نحو 110.14 دولار للبرميل، وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 22 سنتا إلى 110.36 دولار للبرميل، وأيضا غرب تكساس الوسيط 15 سنتا إلى 107.96 دولار للبرميل، وذلك نتيجة تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، فقد يتخذ الاتحاد الأوروبي خلال 6 أشهر المقبلة قرار بحظر استيراد النفط الروسي.
تأثير رفع سعر الفائدة على أسعار الذهب
وحول تأثير رفع سعر الفائدة على أسعار الذهب، فكانت الحرب الروسية أقوى من قرار رفع سعر الفائدة، فقد توقع الكثير أن يحدث انخفاض في أسعار الذهب بعد قرار رفع الفائدة الأمريكية، ولكن ما حدث العكس، والتخوفات لدى المستثمرين من استمرار الحرب والأزمة الاقتصادية، جعلتهم يرون أن الذهب هو الملاذ الأمن عن السندات المالية، لذا ارتفع سعر الذهب عالميا ليسجل نحو 1900 دولار للأوقية مقابل 1855 دولار للأوقية.
فكر خارج الصندوق
وهناك حالة تخوف لدى البعض من الوضع الاقتصادي في مصر من فكرة ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه مما يؤدي إلى ارتفاع كافة السلع الغذائية، وأوضح الخبير الاقتصادي، سيد خضر، إن العالم أصبح بحاجة إلى استخدام عملات دولية متنوعة لا تعتمد فقط على سعر الدولار ولكن تقوم كل دول باستعمال عملتها، مشيرا إلى أن حان الوقت لأن يكون هناك تغيير في السياسة المالية حول العالم.
وأضاف خضر لبوابة "دار الهلال"، أن العالم يعيش منذ انتشار فيروس كورونا كثير من الدول يعيش حالة صراع، فلم يتعافى العالم بشكل كامل من تداعيات انتشار فيروس كورونا التي أدت إلى غلق كافة المصانع في أمريكا وأوروبا، مشيرا إلى أن أمريكا الآن تعاني من انهيار اقتصادها بشكل كامل وتقوم بأخذ قرارات تؤثر على اقتصاد كافة الدول الناشئة حتى لا تسقط بمفردها، فهي تريد كافة دول العالم تعاني من نفس الانهيار الاقتصادي.
وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تدخل العالم في نفق مظلم، لذا فإن الحل يكون في توحيد العملة ما بين دول الشرق الأوسط والخليج العربي، كما يمكن لمصر أن تنوع مصادر دخل قناة السويس بحيث إلا يكون الاعتماد على الدولار فقط وبذلك يقل الطلب على الدولار، كما يمكن أن يكون هناك اتفاق مع الصين أن يتم استخدام اليوان الصيني بدلا من الدولار في عملية الاستيراد والتصدير، في الصين هي أكبر مصدر لمصر.
وأشار إلى أن في حالة تكاتف العالم وعمل على تنوع مصادر العملات سيكون الدولار على حافة الهاوية، فرفع سعر الفائدة يعني أن ليس هناك استثمارات مباشرة وغير مباشرة في الدول، كما أن رفع الفائدة الأمريكية لن يكون الأخير في أمريكا سوف تتخذ قرار رفع آخر، سيؤدي إلى انهيار دول العالم في حالة عدم تنوع مصادر العملات.
منهج البنك المركزي مع الأزمات العالمية
اعترض الكثير منذ أقل من أسبوع عندما أعلن البنك المركزي المصري عن قيامه بشراء 44.4 طن من الذهب خلال شهر فبراير أي مع بداية الأزمة الروسية، موجهين له اللوم "كيف تشتري ذهب والأسعار سوف تنخفض بعد قرار البنك الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة والذي يعني أن هناك انخفاض كبير في أسعار الذهب، إلا أن ماحدث العكس، وكان البنك المركزي على صواب، فإن في أوقات الأزمات يصبح الذهب هو الملاذ الأمن ولا يؤثر فيها قرارات البنك الفيدرالي الأمريكي، أي أن تنوع الاحتياطي الأجنبي يشير إلى أن البنك المركزي يسير في الاتجاه السليم والأفضل خلال الفترة المقبلة.
وأرجع محلل سوق المال، أحمد معطي، السبب في ارتفاع أسعار الذهب رغم ارتفاع سعر الفائدة، يعود إلى أن المستثمرين ما زال لديهم قلق من الأحداث السياسية التي تحدث عالميا جرأ الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا، لذا مازال هناك إقبال على شراء الذهب كملاذ أمن، مشيرا إلى أن وقت الحروب والأزمات يصبح الذهب هو الملاذ الأمن بدلا من العملات.
وأوضح أن هذا ما حدث في عام 2016 فبرغم قرار البنك الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة، إلا أن أسعار الذهب ظلت ترتفع ولم تتأثر بهذا القرار، مشيرا إلى أن أفضل وقت لشراء الذهب هو مع بداية الأزمة السياسية وأيضا في نهاية الأزمة، لذا اتخذ البنك المركزي المصري قرار بشراء 44.4 طن من الذهب خلال شهر فبراير الماضي أي مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، فقد وقعت الحرب في شهر فبراير 2022.
وأشار إلى أن المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، أكد أن معدل البطالة سوف يتراجع ببطئ، واعترف أن الاقتصاد الأمريكي والذي يعد من أكبر اقتصاديات العالم قد تأثر بشكل كبير بالأزمة الروسية الأوكرانية، وأيضا تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا، وما ترتب عليها من أزمة في سلاسل التوريد، موضحا أن لذلك مازال المستثمرين يلجأون إلى الذهب كملاذ أمن.
وأشاد محلل سوق المال بقرار البنك المركزي المصري بشراء الذهب مع بداية نشوب الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا، مشيرا إلى أن هذا القرار أكد أن البنك المركزي يمتلك عقليات فذة لها نظرة مستقبلية ممتازة لإدارة انعكاس الأزمات العالمية على مصر، فهذا القرار جاء بعدما نوهت روسيا أكثر من مرة أنها قد تقبل في تعاملاتها الاستيراد والتصدير عملة الذهب بدلا من الدولار، بعد العقوبات التي فرضت عليها نتيجة الحرب مع أوكرانيا.
وأكد أن اتجاه البنك المركزي إلى تنوع مصادر الاحتياطي الأجنبي شيء جيد، سوف ينعكس على الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، ويقلل من خطر تداعيات الأزمات العالمية.